لم تكشف جريمة لقاء وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، قبل أن تُقال عقب نشر الخبر، عن نوايا رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد الدبيبة، في السعي إلى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، لغرض الحصول على دعم يمكّنه من تمتين علاقته بكرسي السلطة فقط، بل كشفت أيضاً عن نوايا جميع من في السلطة للبقاء فيها، حتى ولو كان باستغلال جائر لمواقف وطنية راسخة، كالموقف الليبي من القضية الفلسطينية العادلة، للإطاحة بخصم سياسي للجلوس مكانه والانفراد بالسلطة دونه.
الشعب الليبي دان المنقوش والدبيبة قبل الجميع، وأوصل كلمته في رفض التطبيع للرأي العام العالمي، في احتجاجات عمّت أغلب أحياء طرابلس ومدناً ومناطق في أنحاء البلاد. كان الشعب واعياً بعدم تصديق مبررات الدبيبة وادعاءاته بأن لقاء المنقوش بنظيرها الإسرائيلي مجرد تصرّف فردي، وبسبب نقص في خبرتها الدبلوماسية.
كان ذلك في اليومين الأولين للاحتجاجات، لكن تراجع مشاركة قطاع كبير من الليبيين في الاحتجاجات فيما بعد وتركّزها في العشرات فقط في بعض النقاط داخل طرابلس، وفي أكبر مدينتين تتركز فيهما المعارضة السياسية ضد الدبيبة، كان رسالة ضمنية للجميع مفادها بعدم السماح للخصوم السياسيين بركوب الموجة واستغلال كلمة الشارع لمكاسب سياسية.
طيلة يوم الثلاثاء وليله كانت السيارات تجلب أنصار حكومة مجلس النواب في مدينة الزاوية إلى الساحات القريبة من مقار الحكومة في طرابلس، تحت غطاء استمرار الاحتجاجات ضد التطبيع. لكن المطالب التي كان ينادي بها المحتجون متمحورة حول إسقاط الحكومة، وهو ما قابلتها الأذرع المسلحة التابعة للدبيبة بمنع المحتجين من الوصول إلى المقار الحكومية.
وكذلك كانت المطالب في مصراته، الثقل الثاني لخصوم الدبيبة، مع ملاحظة أنه لم يشارك في الاحتجاجات إلا العشرات، في تراجع واضح لزخمها خلال يومي الأحد والاثنين الماضيين.
وعكست تدوينات وتعليقات الليبيين على منصات التواصل الاجتماعي استغرابهم وعدم تصديقهم لحقيقة موقف ودافع رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، الذي دعا مجلسه إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة قضية لقاء المنقوش بكوهين. وظهر أثناء الجلسة وعدد من أنصاره من النواب وهم يلبسون الكوفية الفلسطينية، فأين كان صالح عندما صرح وزير خارجية حكومة مجلس النواب السابقة، عبد الهادي الحويج، برغبة حكومته في التطبيع مع إسرائيل؟
والأكثر استغراباً أن الحويج نفسه يتولى منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية في حكومة مجلس النواب الحالية، وظهر رفقة صالح أثناء اتصال الأخير بنظيره الفلسطيني، روحي فتوح، وهو يؤكد على رفض مجلس النواب للتطبيع.تقول بعض
تلك التدوينات، إنه كما لم يكن الدبيبة صادقاً في كلماته التي حاول إنقاذ موقفه بها، مثل أن لقاء المنقوش بكوهين كان تصرفاً فردياً ناجماً عن نقص في خبرتها الدبلوماسية، لم يكن صالح وحلفاؤه صادقين، ولو كانوا كذلك لاستدعوا على الأقل اللواء المتقاعد خليفة حفتر لسؤاله عن صدق الأنباء التي تحدثت عن زيارة طائرته الخاصة لمطار بن غوريون مرتين خلال عام 2021 وعلى متن إحداها نجله صدام.
مع العلم أن من سرب ذلك هم الإسرائيليون مثلما سرّبوا لقاء المنقوش وكوهين. أكثر من ذلك، لم يقدم صالح على محاسبة الحويج على تصريحاته المعلنة عن رغبة حكومته في التطبيع، ولم يطالب النائب العام بمحاسبته ولم يطالب الحكومة بإقالته.
وإن كان توقيع المنقوش لم يُنقش على ورقة رسمية للتطبيع، إلا أن الأزمة التي فجرتها كشفت عن وعي الليبيين بأن جميع الساسة والقادة لا يسعون إلا للبقاء في السلطة، وبأي طريقة أو نهج، حتى ولو كان بالمتاجرة بالقضايا الوطنية والعربية، فقد سبق الدبيبة حفتر ونجله، وقبلهما سيف نجل القذافي، وربما قائمة اللقاءات السرية مع مسؤولي الكيان الإسرائيلي أطول من ذلك.