قالت مصادر مصرية خاصة إن "هناك تياراً قوياً داخل القوات المسلحة المصرية وهيئة الأمن القومي التابعة لجهاز المخابرات العامة عبّر أخيراً عن رفضه التام لفكرة مشاركة مصر في أي تحالفات عسكرية موجهة ضد إيران".
وأكدت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن "قادة عسكريين كباراً أعلنوا صراحة في اجتماعات جرت داخل القوات المسلحة، رفضهم التام للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران بأي شكل من الأشكال، وهو ما تكرر في اجتماعات على مستوى هيئة الأمن القومي".
وأوضحت المصادر أن "المناقشات التي دارت داخل المؤسستين جاءت على خلفية الحديث عن تشكيل حلف ناتو شرق أوسطي في مواجهة إيران، ومحاولات بعض الأطراف لضم مصر إليه".
وأعلن العاهل الأردني الملك الأردني عبد الله الثاني، أخيراً، تأييده إنشاء حلف "ناتو" شرق أوسطي، وقال في مقابلة مع قناة "سي أن بي سي" الأميركية، إنه يدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي، مضيفاً "سأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون إنشاء هذا الحلف".
أحد الأهداف الرئيسة لزيارة السيسي إلى سلطنة عُمان هو إيصال رسالة طمأنة للإيرانيين
رسائل طمأنة مصرية للإيرانيين
وفي السياق، قالت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إن "أحد الأهداف الرئيسة للزيارة المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سلطنة عُمان هو إيصال رسالة طمأنة للإيرانيين، فحواها أن مصر لا ترغب في الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران بأي شكل من الأشكال، وذلك قبل القمة الأميركية العربية المرتقبة في السعودية خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة في منتصف الشهر المقبل. إذ من المنتظر أن تشهد هذه القمة الحديث عن تشكيل التحالف العسكري العربي بشكل قوي، والذي تنتظر دول خليجية من مصر أن تعلن انضمامها إليه".
وأوضحت المصادر أن "الموقف الرافض للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران ليس موقفاً شخصياً للرئيس السيسي، لكنه يعبّر عن عقيدة قوية داخل المؤسسة العسكرية، جوهرها أنه لا داعي على الإطلاق للاصطدام مع إيران للكثير من الأسباب؛ أولها أن إيران لم تعادِ مصر على الإطلاق، بل على العكس فإن هناك اتفاقاً غير معلن ما بين الأجهزة العميقة في الدولتين يضمن عدم اعتداء أي طرف على الآخر".
ولم تستبعد المصادر أن تكون "زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى مصر أخيراً، ولقاؤه مع السيسي، قد شهدت إشارات حول هذا الأمر، وذلك لما تتمتع به الدوحة من موقف متوازن في العديد من القضايا الدولية والإقليمية، ولا سيما في العلاقة مع طهران".
مساع لإقحام مصر في تحالف شرق أوسطي بمواجهة إيران
ولفتت المصادر إلى أن "خطة توريط مصر في تحالف عسكري شرق أوسطي قد يضم إسرائيل في مواجهة إيران، تقودها أطراف إقليمية عدة، بالإضافة إلى بعض الدبلوماسيين الغربيين الذين يرددون دائماً مقولة: ماذا تفعل مصر بهذا الجيش الكبير، وأنه من المفترض أن يقوم بدور في مواجهة إيران بدلاً من إسرائيل ودول الخليج".
وفي السياق، قال دبلوماسي مصري سابق إنه "مع الضغط الشديد الذي تمارسه دول خليجية على النظام المصري، لإجباره على الدخول في الحلف العسكري المفترض، باستخدام ورقة المساعدات الاقتصادية، قد يلجأ الرئيس المصري إلى سياسة اللعب على كل الحبال، التي استخدمها كثيراً في السابق".
الموقف الرافض للدخول بمواجهة عسكرية مع إيران ليس موقفاً شخصياً للسيسي، لكنه يعبّر عن عقيدة قوية داخل المؤسسة العسكرية
وأوضح المصدر أن السيسي "قد يساير الدول الخليجية في مسألة الناتو العربي ويؤكد وقوف مصر مع دول الخليج ضد أي تهديدات تواجهها، لكن الأمر لن يتخطى ذلك"، وأضاف أنه "مع ذلك سيحرص النظام المصري على إيصال رسائل إلى إيران بأنه لن يدخل فعلياً في أي مواجهة عسكرية مباشرة معها".
وأشار المصدر إلى أن "المنطقة الآن على شفا مواجهة جديدة يمكن أن تكون في لبنان"، مضيفاً أنه "في أي حرب جديدة بالوكالة في المنطقة، ستستهدف إيران أعداءها بقوة، ومصر تعلم هذا جيداً، ولذلك تخشى من استهدافها، لأنه لو حدث ذلك، فستكون مطالبة بالرد، والرد سيكون صعباً للغاية، ويمكن أن يضع الجيش المصري في موقف محرج".
دور مفاوضات فيينا بشأن النووي الإيراني
وفي سياق مواز، قال الدبلوماسي المصري السابق إن "استئناف مفاوضات فيينا، والتوجه الأميركي نحو عقد اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، قد يجعل من فكرة تشكيل ناتو شرق أوسطي في مواجهة طهران غير منطقية، لأن التوصل إلى اتفاق نووي مع الأخيرة سيضمن عدم امتلاك إيران السلاح النووي، وبذلك ستنتفي مزاعم إسرائيل ودول الخليج بتهديد إيران لها".
وأضاف المصدر مستدركاً أنه "على الرغم من هذا الوضع، سيسمح الرئيس جو بايدن لحلفائه في إسرائيل والخليج بالحديث عن التهديدات الإيرانية والحلف المزعوم كما يشاؤون، لأنه في المقابل يرتبط بمصالح معهم لا سيما في الخليج، الذي يراهن على أنه سينقذه من أزمة نقص المعروض عالمياً من النفط بسبب الحرب الروسية الأوكرانية".
وتابع المصدر أن "المؤسسات الأميركية العسكرية والمخابراتية ترى أنه لا خطر من ناحية إيران"، مشيراً إلى "تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأميركية صدر في عام 2001، يؤكد أن إيران لا تشكل خطراً على أميركا، وأنه لم يحدث أن سعى أي من المواطنين الإيرانيين إلى تفجير نفسه".
وقال المصدر إن "ذلك الاعتقاد الأميركي وجد طريقه إلى التنفيذ العملي، عندما اتصل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بنظيره الإيراني وقتها حسن روحاني، وبعدها تم توقيع الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في ما بعد".
وأوضح المصدر في الوقت ذاته أن "هناك أيضاً توجهاً قوياً داخل الولايات المتحدة الأميركية يرى في إيران عدواً لا بد من مواجهته، وهو التوجه الذي يدعمه اللوبي الصهيوني في أميركا، وبعض دول الخليج".
خطة توريط مصر في تحالف عسكري شرق أوسطي قد يضم إسرائيل تقودها أطراف إقليمية عدة
زيارة بايدن للمنطقة
وقال المصدر إن زيارة بايدن المرتقبة إلى السعودية "ستكشف النقاب عن واقع جديد في المنطقة، لكنها بالتأكيد لن تؤدي إلى تصعيد المواجهة مع إيران كما تتوقع دول خليجية"، ورجح أن "الموقف المصري من هذه القضية سيتسم بالميوعة، ولن يلتزم بأي شيء حاسم".
ورأى المصدر أن زيارة السيسي المرتقبة إلى سلطنة عمان "قد تكون محاولة لظهور الرئيس المصري بمظهر المحرك للأحداث في المنطقة قبل زيارة بايدن، وقد تكون محاولة لإيصال رسالة إلى طهران تفيد بعدم وجود نية لدى القاهرة للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة".
وكان الإعلامي المحسوب على الأجهزة الأمنية المصرية أحمد موسى قد قال في برنامجه التلفزيوني قبل يومين، إن هناك مباحثات بين الدول العربية من أجل تشكيل حلف عسكري، لافتاً إلى أن "الفترة المقبلة تحتاج إلى مثل هذه التحالفات".
وأضاف موسى أن "الرئيس السيسي سيقوم بزيارة مهمة إلى سلطنة عمان، وسيلتقي خلالها السلطان هيثم بن طارق، وهناك تحركات مهمة تقوم بها مصر مع عدد كبير من القادة، كما أن هناك لقاء مرتقباً مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وهناك كلام عن حلف ناتو عربي تحدث عنه العاهل الأردني عبد الله الثاني، ومباحثات بين الدول العربية لأن يكون هناك حلف عربي عسكري".
وتابع موسى: "مجلس التعاون الخليجي كان عنده حاجة كدة؛ الملك عبد الله قال ندعم تشكيل ناتو للشرق الأوسط، وممكن يكون في توسّع أكبر ودول أخرى تنضم".
وفسرت مصادر سياسية حديث الإعلامي المقرب من الأجهزة بأنه "رسالة إلى الدول الخليجية الحليفة، تفيد بأن مصر ليس لديها مانع في الانضمام لهذا الحلف، لكنه في الوقت ذاته لم يذكر إيران بشكل مباشر".
وكانت مصادر إعلامية قد أكدت لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، أن "هناك تعليمات صدرت للصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية، من قبل الأجهزة الأمنية التي تشرف على كل وسائل الإعلام في مصر، بعدم الهجوم على إيران بأي شكل من الأشكال".