قالت مصادر مصرية مطلعة على تحركات القاهرة في إطار خفض التصعيد ووقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إن مصر "وجهت تحذيرات شديدة لحكومة الاحتلال من القيام بأي عمليات أو أنشطة عسكرية بمحور صلاح الدين (فيلادلفيا) المحاذي للشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، والذي يمتد بطول 13 كيلومتراً، حال قرّرت الشروع في اجتياح برّي للقطاع".
وجاء التحذير المصري لحكومة الاحتلال، بحسب المصادر، "لأن المحور مرتبط بشكل وثيق باتفاق أمني ضمن بنود اتفاقية كامب ديفيد، حيث تحذّر الاتفاقية الجانب الإسرائيلي من القيام بأي أنشطة عسكرية خلاله، من دون الحصول على إذن مسبق من مصر".
تحذيرات مصرية لإسرائيل
وبحسب مصدر مصري، فإن محور صلاح الدين "لا بد أن يكون جزءاً أساسياً من أي خطط إسرائيلية لاقتحام القطاع برّياً، وهو ما دفع القاهرة إلى التحذير بشكل مسبق، لأن حدوث تلك الخطوة يعد بمثابة خرق للاتفاقية الدولية، وهو ما لن تسمح به مصر في هذا الإطار، خصوصاً في ظل موقف القاهرة غير المرحب بخطوة الاجتياح البرّي، نظراً لتداعياته السلبية على الأمن القومي المصري، حيث ستؤدي إلى موجة انفجارية كبيرة وغير محسوبة من سكان القطاع". وأشار المصدر إلى أن القاهرة "أبلغت تلك الرسالة أيضاً للجانب الأميركي الذي بات شريكاً رئيسياً في الترتيبات الخاصة بالمنطقة، في إطار الدعم المباشر لإسرائيل".
وبحسب المصدر، فإن القاهرة "أخطرت الجهات المسؤولة في تل أبيب، عبر مسارات تنسيق مشتركة، رفضها الاعتذار الخاص باستهداف أحد أبراج المراقبة التابعة للجيش المصري على الشريط الحدودي الأسبوع الماضي، وهو الاستهداف الذي كان الجيش الإسرائيلي قد ذكر في بيان أنه جاء عن طريق الخطأ".
محور صلاح الدين لا بد أن يكون جزءاً أساسياً من أي خطط إسرائيلية لاقتحام القطاع برّياً
ووفقاً للمصدر نفسه، فإن "التقديرات المصرية تشير إلى أن استهداف أحد المواقع العسكرية على الشريط الحدودي، لم يكن عن طريق الخطأ، ولكنه يأتي في إطار أعمال استفزازية، بهدف دفع القاهرة إلى اتخاذ قرار أحادي من جانبها بتعطيل عمل المعبر، ومن ثم مواجهة الغضب الفلسطيني والعربي". ولفت إلى أن هذا الأمر "تدركه القاهرة جيداً".
وفسّر المصدر تحذير الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس السبت، مما وصفها بـ"حالة الاندفاع في رد الفعل"، بأنه جاء لتهدئة الغضب من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي والأجواء المصرية.
وكان السيسي قد قال خلال كلمته في افتتاح الملتقى والمعرض الدولي السنوي للصناعة، أمس، إن "حالة الغضب والاندفاع في رد الفعل قد نندم عليها بعد ذلك. عندما تخرج الأمور عن السيطرة، وذلك أمر أسجله هنا وأحذر منه". وأضاف: "أمس (أول من أمس الجمعة) كانت هناك طائرات مسيّرة دخلت (الأجواء المصرية في طابا) وتم إسقاطها... أيا ما كان المكان التي أتت منه، أنا حذرت قبل ذلك من أن اتساع نطاق الصراع ليس في مصلحة المنطقة، والمنطقة بذلك ستكون عبارة عن قنبلة موقوتة تؤذينا كلنا". وتابع: "عشان كده بقولكم: من فضلكم مصر دولة ذات سيادة وأرجو أن إحنا كلنا نحترم سيادتها ومكانتها".
وبحسب المصدر، فإن "إحدى الرسائل التي تم توجيهها أخيراً للجانب الإسرائيلي عبر قنوات تنسيق بين الجانبين، حملت رسالة وتحذيراً متعلقا بالخطة الإسرائيلية الرامية إلى تهجير سكان القطاع ونقلهم إلى سيناء، ومفادها أن القاهرة قد تقدم خلال الأيام المقبلة على خطوات دبلوماسية من شأنها الحد من العلاقة بين الجانبين حال استمر النهج الإسرائيلي".
مصر نقلت رسائل واضحة لحماس، بأنها ستكون أكثر مرونة لإفشال محاولات إسرائيل عرقلة وتعطيل إدخال المساعدات
رسائل واضحة لـ"حماس"
في المقابل، وبحسب مصدر آخر، فإن مصر "نقلت رسائل واضحة لقيادة حركة حماس، بأنها ستكون أكثر مرونة لإفشال محاولات الجانب الإسرائيلي عرقلة وتعطيل إدخال المساعدات أو إبطاء وتيرتها". كما كشف المصدر أن "الرسائل تضمنت تأكيدات لقيادة الحركة برفضها تبني أي تصورات تدين المقاومة الفلسطينية، أو تصمها بالإرهاب". وقال السيسي، أمس، إن مصر "حريصة على أن يكون لها دور إيجابي في تخفيف حدة الأزمة من خلال إطلاق سراح الأسرى والرهائن الموجودين في القطاع". لكنه أضاف: "مش كل حاجة يتم الحديث عنها... يعني لما بتخلص هنعلن عنها".
في مقابل ذلك، كشف المصدر أن القاهرة "تتعاطى بحذر مع رغبة الإسرائيليين بشأن الاستعداد لعقد صفقة أسرى جديدة، وكذلك استعدادهم لدفع ثمن وصف بالكبير مقابل إطلاق أكبر قدر من الأسرى لدى الحركة". وقال المصدر إن القاهرة "تخشى أن يتم توريطها في عملية تضليل وخداع في إطار تحركاتها العسكرية، وتتحمل مصر المسؤولية بعد ذلك".
إلى ذلك، اعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي المصري، الدكتور محمد سيد أحمد، لـ"العربي الجديد"، أنه "بالطبع بعد 3 أسابيع من الحرب، تغيرت السياسة المصرية في التعامل مع الحرب، سواء في الاتصالات مع الاحتلال أو مع حماس، إلى حد كبير".
أخطرت القاهرة تل أبيب، رفضها الاعتذار الخاص باستهداف أحد أبراج المراقبة التابعة للجيش المصري
وأضاف سيد أحمد: "مصر منذ البداية كانت ترغب في وقف هذه الحرب بأي شكل، ولم تكن الرؤى قد اتضحت، لكن الآن اتضح أن هناك مؤامرة على مصر من قبل قوات الاحتلال التي لديها مشروع قديم يتجدد في كل تحرك للمقاومة على الأرض في غزة، وهو تهجير سكان القطاع إلى سيناء، عن طريق قصف غزة بوحشية، واستدعاء كل القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لدعم موقفها في التحول إلى هذا المشروع بالتواجد على الأرض المصرية واحتلالها".
يذكر أن مصر حذّرت أمس السبت، بحسب بيان لوزارة خارجيتها، من تداعيات إنسانية وأمنية "غير مسبوقة" للاجتياح البرّي الإسرائيلي لقطاع غزة، محملة إسرائيل مسؤولية "انتهاك" القرار الأممي صدر أول من أمس (عن الجمعية العامة للأمم المتحدة)، وطالب بهدنة إنسانية في غزة. وحذرت مصر من أن "عدم التعامل الفوري مع المطالب الخاصة بالهدنة الإنسانية وتسهيل نفاذ المساعدات إلى القطاع، سيؤدى إلى كارثة إنسانية لا محالة، وزعزعة الأمن الإقليمي بشكل يمثل تهديداً لاستقرار المنطقة".