رصاص في الصحراء

18 نوفمبر 2020
لم تتعافَ المنطقة من مشكلات الفقر والتنمية وسوء التدبير (فرانس برس)
+ الخط -

كأنما المنطقة المغاربية وصحراء الساحل كان ينقصهما صوت الرصاص وغبار الحرب وأزيز المدافع، وهي منطقة لم تتعافَ من مشكلات الفقر والتنمية وسوء التدبير في حالة السلم وبالكاد تحيا، فما بالك بحالة الحرب المرهقة. فجأة دوّى صوت الرصاص في الصحراء، المقلق لبلد مثل الجزائر لم تترتب أوضاعه الداخلية بالشكل اللازم، وصار محاصراً بالنار من كل جانب. إرهاب ومناوشات مسلحة في مالي، وحرب في ليبيا، وأطنان من المخدرات المتدفقة من الحدود الغربية، وتمركز للجماعات الإرهابية في الشعانبي على الحدود التونسية، ونذر حرب أخرى في الصحراء.

لا تخلق هذه الظروف الإقليمية حالة قلق لدى الجزائريين حول تأثيرها على مجريات الوضع الداخلي، فثمة فصل لافت في العقل الجزائري منذ أمد طويل بين المسارين الداخلي والخارجي. لكن ثمة هاجساً هذه المرة بدأ يحضر في التخمين الجزائري إزاء الأحداث الحاصلة في الجوار، مع بروز الإمارات كعامل ثابت في كل القلاقل والتطورات الأخيرة في الإقليم، في المشهد التونسي، وفي الحرب في ليبيا، وفي مالي أيضاً حيث دخلت الإمارات شريكة بالدعم المالي (130 مليون دولار مع السعودية) لتمويل العملية العسكرية الفرنسية، وأخيراً بفتح قنصلية إماراتية في العيون عاصمة الصحراء.

بغض النظر عن أسباب النزاع التاريخي في الصحراء، فإن تجار الحروب الإقليمية وشيوخ مشروع التطبيع، يُظهرون بمناسبة مشكلة الكركرات جاهزية كبيرة لتحويل الصحراء إلى "يمن" آخر، ويمنّون النفس بأن تكون الجزائر "سعودية" أخرى تُجر إلى الحرب. لكن كل هذه الحسابات ستسقط، ذلك أن الجزائر لا تتبنّى خيارات الحرب ولم تطلق الرصاص إلا مرتين، رداً على معتدٍ أو لدعم المعركة ضد العدو الصهيوني، ناهيك بأن الجزائر معنية بحل النزاع الصحراوي، وليست طرفاً في نزاع المغرب والبوليساريو.

على الرغم من ذلك، لا يجب أن تُعطى لأي طرف خارجي فرصة لتحويل قضية الصحراء إلى "مسمار جحا"، فقد ظل حبل هذه القضية ملتفاً على عنق الدول المغاربية. فليست العلاقات الجزائرية المغربية وحدها التي تأثرت بتداعيات القضية الصحراوية، بل حدثت بسببها أيضاً مشاكل بين المغرب وليبيا، والمغرب وموريتانيا، وتعطلت بسببها مسيرة الاتحاد المغاربي. ومع ذلك، توجد فترة من تاريخ النزاع في الصحراء، يمكن أن تكون مرجعاً زمنياً مهماً للدول المغاربية، بين 1986 و1995، في تلك الفترة (والحرب قائمة قبل وقف إطلاق النار عام 1991)، تُركت قضية الصحراء للأمم المتحدة، ونجح المغاربيون في إطلاق مسار وحدوي تفجر معه أمل في أن يُحدث هذا المسار إقلاعاً في التكامل الاقتصادي وتنظيم احتياجات المنطقة. تثبت هذه الفترة أنه متى توفرت النية الصادقة بلا تدخلات خارجية، أمكن وضع كل قضية في سياقها الصحيح.

المساهمون