على الرغم من أنّ حكومة جوزيبي كونتي في روما نجت في مرحلتي تصويت حجب الثقة عنها، في الغرفة الثانية من البرلمان، مساء الاثنين، بتصويت 321 ضد الأمر و259 معه، ومساء الثلاثاء في مجلس الشيوخ بـ156 صوتاً مقابل 140، وبتمنع البقية عن التصويت (من أصل 321 سناتوراً)، لأجل أن تستمرّ، إلا أنّ أزمتها لم تنتهِ بهذا التصويت.
واحتاج كونتي إلى موافقة غرفتي البرلمان ليستطيع مواصلة رئاسته للحكومة، وهو ما حصل وسط غضب واضح من أقصى اليمين الإيطالي، وبعض يسار الوسط الذي بات يعارضه على أرضية "النزاع على السلطة والنفوذ"، وفقاً لمحللين في الصحف الإيطالية في الشأن الانتخابي.
وعلى الرغم من ذلك، استطاع الرجل في نقاشات ساخنة بمجلس الشيوخ (استمرّت لساعات وكان بعض أعضاء اليمين يبثها مباشرة على صفحاته) إقناع أقطاب يسار الوسط بضرورة "الحفاظ على الاستقرار السياسي وسط جائحة كورونا".
وتأتي أزمة كونتي بعد بروز خلافات عميقة مع الأحزاب المؤيدة برلمانياً لحكومته. ويحكم رجل القانون، كونتي، البلاد منذ 2018، وباعتباره سياسياً مستقلاً، من خارج الأحزاب التقليدية، وقع الاختيار عليه ليقود تحالفاً غريباً بين أقصى اليمين الشعبوي وحركة "5 نجوم".
وتستغل أطراف سياسية أزمات البلد في الحكم، والمستمرّة منذ 2019، وفاقمتها أزمة كورونا ربيع العام الماضي 2020، بعد إعلان حزب "تحيا إيطاليا" الصغير انسحابه من الائتلاف الحاكم، ليلحق بحزب "ليغا"، بزعامة وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني، الذي انسحب بدوره من الائتلاف الحاكم قبل عام ونصف عام تقريباً.
وكان حزب "تحيا إيطاليا" يراهن على سقوط الحكومة، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، إذا خسر كونتي التصويت في مجلس النواب، بعد أن أصبحت حكومته تتمتع بأغلبية صغيرة، منتظراً أن يحسم مجلس الشيوخ تصويته ضد أو مع بقاء حكومة كونتي، مع تقلّص تأييد الشيوخ بانسحاب "إيطاليا فيفا"، وهو ما خيّب آماله وآمال اليمين المتشدّد.
مراهنات سالفيني
ويراهن زعيم اليمين القومي المتشدّد سالفيني على سقوط كونتي (56 عاماً) بعد اندلاع أزمة بين الأخير وزعيم حزب "تحيا إيطاليا"، (رئيس الوزراء الأسبق عن يسار الوسط) ماتيو رينزي، على خلفية طريقة استخدام حزمة مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى إيطاليا في مواجهة أزمة كورونا. واعتبر رينزي أن سعي كونتي لإعادة الحياة الاقتصادية، وأن غياب الاستثمار في قطاع الرعاية الصحية "مخيب للآمال". وتتلقى روما جزءاً وازناً من مبلغ 209 مليارات يورو خصصها الاتحاد الأوروبي للدول الأكثر تضرراً من الجائحة.
ويعتبر انسحاب رينزي ضربة لحكومة كونتي، تضع إشارات استفهام حول إمكانية استمراره في الحكومة الحالية. وعلى الرغم من ذلك، تسجل الاستطلاعات أن ماتيو رينزي بات أكبر الخاسرين بعد تصرفه الأخير، حيث اعتبر فقط 13% أنه يتصرف من أجل "المصلحة الوطنية" بانسحابه، فيما يعطي الاستطلاع نفسه، وفقاً لصحيفة "كوريرا ديللا سيرا"، 51% دعماً لاستمراره رئيس حكومة، في حين أنّ 27% فقط يؤيدون حكومة برئاسة رينزي.
والجدير بالذكر أنّ ماتيو رينزي، الذي ترأس الحكومة عن "الاجتماعي الديمقراطي" حتى خسارة الحزب في انتخابات 2018 لمصلحة حركة "5 نجوم" و"ليغا" (الرابطة) اليميني المتشدّد، أسّس في 2019 حزبه "تحيا إيطاليا" (ليبرالي وسط) احتجاجاً على دخول "الديمقراطي" إلى تحالف كونتي الحاكم بدل سالفيني، لكنه ما لبث أن انضم بنفسه من خلال وزيرين في ذات الحكومة.
ومع هذه الخلخلة التي تصيب حكومة روما، وسط أزمات اقتصادية ناجمة عن الوباء، يتأهب زعيم اليمين المتشدد سالفيني ممنياً نفسه بسقوط الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو عبّر في مناسبات عدة، آخرها أمس الثلاثاء، في أثناء توجه مجلس الشيوخ للتصويت على سحب الثقة من حكومة كونتي، عن أمله في دخول الساحة مجدداً، طارحاً نفسه بديلاً لرئاسة الحكومة.
ويستغل اليمين المتشدد أزمة إيطاليا مع كورونا ليكرّر أن كونتي فشل في مواجهة الجائحة، وهو ما يخالف معظم الاستطلاعات التي رأت منذ العام الماضي أنّه "تصرف كرجل دولة وواجه الأزمة جيداً".
ومثلما يتهم رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي، كونتي بأنه "يتصرف كحاكم مطلق يمركز القرارات بيده"، يتهم زعيم الشعبويين سالفيني، كونتي بذات الاتهامات ويضيف إليها، على طريقة يمين أوروبا المتشدّد، أن ما يجري "ديكتاتورية قرارات" لا علاقة لها بالوباء. وكونتي انتقد سالفيني في مرات عدة في وسائل الإعلام المحلية لخرقه قواعد التباعد الاجتماعي واستهتاره بكورونا، وتوجَّه أصابع الاتهامات إلى حزبه بالتحريض على الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها نابولي وغيرها من المدن الإيطالية بسبب سياسة الإغلاق التي انتهجتها الحكومة.