بعد أكثر من عشر سنوات على انطلاق الثورة السورية، وما تبعها من تداعيات بعدما اختار النظام الحاكم برئاسة بشار الأسد مواجهتها بالقمع واضطهاد وإسكات كل صوت معارض، ومنع أي عمل سياسي فعلي داخل البلاد، بعد قتل واعتقال الآلاف وتهجير ملايين المدنيين وتدمير مدن بشكل كامل، بالتوازي مع عرقلة كل المساعي للوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة، لا يزال الأسد متمسكاً بالسلطة، محاولاً ترجمة ما يعتبره انتصاراً ميدانياً بدعم من حلفائه، عبر تمديد بقائه في الحكم، في انتخابات رئاسية لا تحظى إلا باعتراف من داعمي النظام.
يحاول الأسد الترويج أن انتهاء الحرب وإجراء الانتخابات كان نتيجة نوع من الاستقرار
ويريد الأسد من هذه الانتخابات التي ينافسه فيها مرشحان اثنان وافق النظام عليهما لإظهار صورة وجود منافسة، هما عبد الله سلوم عبد الله ومحمود مرعي، تحقيق أمرين، الأول تثبيته في الحكم على الأقل لسبع سنوات مقبلة، في حال استمر التعاطي الدولي مع الأزمة السورية على ما هو عليه، أي الاكتفاء بالتنديد والضغط من دون تحرك فاعل لإزالة النظام، والثاني معنوي بالإيحاء أن الحرب انتهت وأن البلاد أجرت انتخابات شهدت منافسة بين ثلاثة مرشحين، وانتهت بفوز الأسد، "الطرف الأقوى شعبياً". وكان النظام قد دفع لترشيح مرعي كممثل عن المعارضة الداخلية التي أعلنت بعض أطرافها المقاطعة، علماً أن هذا المرشح يلقى طعناً بموقفه المعارض ولم يحظَ أساساً بتأييد المعارضة الداخلية. ويحاول الأسد الترويج أن انتهاء الحرب وإجراء الانتخابات كان نتيجة نوع من الاستقرار، الذي يمهد لمرحلة "إعادة الإعمار"، الأهم بالنسبة للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين وحتى الصينيين، الراغبين بتقاسم تلك الكعكة، التي تبلغ كلفتها حوالي 300 مليار دولار أميركي.
رهان الأسد على هذين الهدفين، سبقه تمهيد بدعم من حلفائه لإعادة تعويمه عربياً، باستغلال انشغال الإدارة الأميركية الحالية بترتيب أوراقها بعد وصولها إلى البيت الأبيض قبل أشهر، فعيّنت سلطنة عمان سفيراً لها في سورية، بعد تخفيض تمثيلها إلى القائم بالأعمال منذ اندلاع الثورة، كما حاول النظام مع الجزائر لتفعيل العلاقات التجارية في طريق يؤدي إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية. جاء ذلك في فترة انتقال السلطة في واشنطن، بعدما كانت إدارة دونالد ترامب، قد ضيّقت على النظام لدرجة كبيرة، لا سيما من خلال "قانون قيصر" للعقوبات، الذي توقفت حزمه عن الصدور مع وصول جو بايدن إلى الحكم. خلال هذه الفترة، تحرك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خليجياً، لحشد التأييد لمسعى تعويم نظام الأسد، لكنه لم يلقَ الردود التي يتمناها في كل من الرياض والدوحة، اللتين تصران على أن الحل السياسي هو المخرج للأزمة السورية، على أن تكون المعارضة جزءاً من هذا الحل، غير أن الرد الإيجابي للافروف جاء من أبوظبي، من دون أن يكون له وزن حقيقي في الميزان السياسي والدبلوماسي لصالح النظام وحلفائه.
تركيز النظام وحلفائه على إعادته إلى المحيط العربي، انصبّ على السعودية، فسرّبت وسائل إعلام عربية مقربة من النظام أن مسؤولين سعوديين زاروا دمشق والتقوا بشار الأسد شخصياً، وبحثوا إعادة فتح السفارة السعودية في دمشق كمقدمة لاستعادة العلاقات كاملة وإعادة النظام لمحيطه العربي والجامعة العربية، لكن الرياض نفت تلك الأخبار مضموناً.
ويجهد النظام وحلفاؤه، لا سيما الروس، لاستمالة الخليج بشكل رئيس، بالتزامن مع إجراء الانتخابات، لإعادة النظام إلى المحيط العربي في المقام الأول، ومن ثم الاستفادة من الأموال الخليجية لإعادة الإعمار، لكن حتى الآن تبدو تطلعات النظام والروس صعبة التحقيق ضمن الظروف الحالية، أولاً مع إصرار الرياض على إنجاز الحل السوري، وثانياً بسبب الحواجز الغربية والأميركية على وجه الخصوص التي تقف أمام أي عملية تطبيع حقيقية بين النظام وأي دولة عربية، وتقديم الدعم المالي بشكل علني وواضح، وهذه عملية تعترضها عقوبات "قانون قيصر" الأميركي، بمعزل عن موقف الإدارة الأميركية الحالية مستقبلاً من النظام، وآلية تعاملها مع نتائج الانتخابات الحالية، بعد صدورها، بفوز الأسد، بطبيعة الحال.
في واشنطن، لا يزال واضحاً عدم الاهتمام بالملف السوري راهناً، بخلاف ما كان عليه الحال في ظل الإدارة السابقة، باستثناء ما صدر قبل أيام عن بايدن بتمديد حالة الطوارئ الوطنية الأميركية المتعلقة بسورية، والإشارة إلى أن تصرفات النظام السوري وسياساته، في ما يتعلق بدعم المنظمات الإرهابية والأسلحة الكيميائية، تشكل تهديداً للأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة، ودعوة النظام وداعميه إلى "وقف حربه العنيفة ضد شعبه، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين، والتفاوض على تسوية سياسية في سورية وفق قرار مجلس الأمن 2254". ووجّهت الإدارة الأميركية رسالة بأن مواصلة حالة الطوارئ تجاه سورية ترتبط بالتغييرات في سياسات وإجراءات النظام السوري.
وفي السياق، قال مسؤول في الخارجية الأميركية فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن بشار الأسد لم يفعل أي شيء لاستعادة شرعيته، مؤكداً أن تطبيع العلاقات مع نظامه أمر غير وارد في الوقت الحالي، وأن "الولايات المتحدة لن تقوم بإعادة أو تحسين علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد". وأوضح المسؤول أن الولايات المتحدة تؤمن أن تحقيق الاستقرار في سورية والمنطقة تتم خدمته بشكل أفضل من خلال عملية سياسية تؤدي إلى نتائج سلمية في البلاد، مضيفاً "نحن ملتزمون العمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان الوصول إلى حل سياسي دائم في متناول اليد".
سبق ذلك رفض الإدارة عبر ممثليتها في الأمم المتحدة الانتخابات الرئاسية في سورية ونتائجها المستقبلية، وعدم الاعتراف بشرعيتها، لكن من دون تحرك فاعل لحث حلفاء النظام على الضغط عليه لقبول جلوسه إلى طاولة التفاوض وتنفيذ القرار الأممي 2254 بسلاله الأربع، في مقدمتها الانتقال السياسي في البلاد، وصياغة دستور جديد، عبر مسار اللجنة الدستورية، الذي عطّله النظام بشكل كبير، ومن ثم إجراء الانتخابات وفقاً لدستور جديد.
المفاوضات مع إيران هي الأولوية بالنسبة لإدارة بايدن، ما يجعلها تنشغل عن تحرك فاعل في سورية
في هذا السياق، أقر الناشط السوري محمد علاء غانم، المقيم في واشنطن، والمختص بالعلاقات الدولية والشؤون الأميركية، ببرود الموقف الأميركي حيال القضية السورية في ظل إدارة بايدن، لكنه أشار إلى أن "الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي لا يكترثان أو يعترفان بالمهزلة التي يسير فيها الأسد كلّ 7 سنوات للتجديد لنفسه، وليس هناك أي نيّة حالياً لإعطاء هذه الانتخابات شرعية". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإدارة الأميركية حالياً تركّز جهودها في قضية تمديد الإذن الممنوح للأمم المتحدة لإدخال المساعدات عن طريق الحدود الشمالية وعلى إعادة فتح معبرين آخرين، بالإضافة إلى المعبر الحالي لإدخال المعونات منهما". ولفت إلى أن المفاوضات الأميركية مع إيران حيال الملف النووي، هي الأولوية الرئيسية بالنسبة لإدارة بايدن، وهذا ما يجعلها تنشغل عن تحرك فاعل في سورية، متوقعاً أن تلك المفاوضات قد تؤثر على طبيعة تعامل الإدارة الأميركية مع القضية السورية، بشكل أو آخر.
عموماً، فإن تعطيل تنفيذ الحل السياسي من قبل النظام، لا سيما منذ التوصل الأممي للقرار 2254 نهاية العام 2015، يعتبر وسيلة للوصول إلى هذه الانتخابات من دون حل أو انتقال سياسي ودستور جديد تجري بموجبه الانتخابات التي من المفترض أن تلقى اعترافاً وقبولاً دولياً وفق ذلك، فيما بقاء المجتمع الدولي والغرب على سياسته حيال القضية السورية، بلا تحرك جدي وفاعل لإنهاء هذه الأزمة، يعني بقاء بشار الأسد في الحكم، من دون أن يحصل على شرعية دولية.