في آخر مقابلة مع التلفزيون الإيراني كرئيس لإيران، عشية مغادرته السلطة بعد تسليم مفاتيح الرئاسة الإيرانية غداً الثلاثاء للرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي، رد الرئيس حسن روحاني على أسئلة ساخنة بإجابات أكثر صراحة، مطالباً المذيع في بداية المقابلة أن يكون الحوار "غير رسمي" وأن يمثل المذيع رأي الشارع الإيراني، ولا يمثل منظمة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية التي لطالما شاب علاقتها مع الحكومة الإيرانية الحالية جدل مستمر منذ ثماني سنوات، وسط انتقادات الحكومة بين حين لآخر للمنظمة بأنها تتجاهل إنجازاتها ومكاسبها.
وبدأ المذيع الحوار بطرح سؤال عن سبب عدم تحقيق وعود روحاني في ظل رفعه شعار التفاوض ورفع العقوبات عند توليه الرئاسة عام 2013، ليدافع عن قراره خوض المفاوضات مع المجموعة الدولية، والتي انتهت إلى إبرام الاتفاق النووي عام 2015، قائلاً: "كنت على قناعة أن العقدة التي تشكلت، تحل إما عبر الدبلوماسية أو الحرب".
وأضاف أن توليه الرئاسة منع وقوع حرب على إيران، مستشهداً بحديث الرئيس الفرنسي الأسبق له، فرانسوا أولاند، إذ قال إنه أبلغه بوجود "قرار نهائي لشن حرب على إيران" لكن فوزه بالرئاسة الإيرانية حال دون ذلك.
وفيما يواجه روحاني انتقادات وهجمات متلاحقة منذ التوقيع على الاتفاق النووي حتى اليوم وخاصة بعد الانسحاب الأميركي منه عام 2018، لكنه في مقابلته مع التلفزيون الإيراني، أكد أنه لو عاد إلى عام 2013 لسلك نفس الطريق الذي سلكه حتى الآن.
ورداً على انتقاد حول عدم رفع جميع العقوبات عن إيران بالاتفاق النووي، ما عدا العقوبات المرتبطة بالملف النووي، برر ذلك بقوله "إننا عندما نعلن للعالم أنه لن نتفاوض إلا حول برنامجنا النووي فآثار ذلك أيضاً ستكون محدودة"، في تلميح غير مباشر على عدم رفضه أن تتجاوز المفاوضات مع الغرب الملف النووي إلى القضايا الأخرى التي يطالب الطرف الأميركي والأوروبي بالتفاوض بشأنها.
وأوضح أن مشكلة إيران في العقوبات "مع الشركات (الدولية) أكثر من أن تكون مع الدول"، مشيراً إلى أن "الشركات لن تستثمر إلا اذا كانت مطمئنة من أن استثماراتها في إيران لن تهدر وأنها تربح منها".
وأكد أن "البنوك تنظر إلى علاقات إيران السياسية مع الدول الأخرى"، معرجاً على القانون الذي أقره البرلمان الإيراني في وقت سابق لاتخاذ خطوات نووية لإجبار الأطراف الأخرى على رفع العقوبات، وقال إن هذا القانون ينص على رفع جميع العقوبات المرتبطة بحقوق الإنسان والملف النووي والإرهاب.
وأكد أن "هذه العقوبات يمكن أن ترفع لكن ذلك بحاجة إلى مفاوضات أخرى"، وهي مفاوضات تطالب بها الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية حول برنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية.
وتابع روحاني أن "أفق الاتفاق" في مفاوضات فيينا النووية "واضح والاتفاق قريب"، لكنه أكد في الوقت نفسه أن "قرار البرلمان يمنع ذلك"، مشدداً على أنه "اذا كانت الحكومة الإيرانية المقبلة أيضاً ملتزمة بهذا القرار فلن تتوصل إلى اتفاق".
غير أن روحاني أضاف أنه "اذا كان المعيار هو تصريحات قائد الثورة فسنصل إلى اتفاق، لكن إذا كان الأساس هو قانون البرلمان فلن يحصل ذلك".
ويأتي هذا التصريح لروحاني فيما أعلن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي دعمه لقانون البرلمان الإيراني بعنوان "الإجراء الاستراتيجي لرفع العقوبات".
ويوم 1 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أقر البرلمان قانون "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات" الذي جاء بعد أيام من اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة رداً عليه. وينص على تنفيذ خطوات نووية تصعيدية، لإجبار الأطراف الأخرى على رفع العقوبات، منها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة، ثم 60 في المئة، وكذلك تعليق تنفيذ البروتوكول الإضافي الذي يحكم الرقابة الدولية الصارمة على البرنامج النووي، فضلاً عن خطوات أخرى.
ويأتي دفاع الرئيس الإيراني عن سجله وتوجهه التفاوضي الدبلوماسي لحل الخلافات مع الغرب والولايات المتحدة بعد أيام من عتاب وانتقاد وجهه المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي لسياساته والرهان على التفاوض مع واشنطن، إذ دعا خامنئي إلى استخلاص الدروس من تجارب حكومتي روحاني (منذ عام 2013)، مؤكداً أنّ "إحدى أهم هذه التجارب، أنّ الثقة بالغرب لا تجدي نفعاً، وعلى الأجيال القادمة أن تستفيد من هذه التجربة".
وأضاف أنه "في هذه الحكومة تبيّن أنّ الاتكال على الغرب لا ينفع، فهم لن يساعدونا، ويتربصون دائماً لتوجيه الضربات لنا متى ما تمكنوا من ذلك، وإن لم يفعلوا، فبسبب عدم قدرتهم على ذلك"، مؤكداً أنه "لا ينبغي على الإطلاق المراهنة على الغرب وتعاونه في الخطط الداخلية، لأنها ستفشل حتماً".
كما أن خامنئي رد بطريقة غير مباشرة، الأربعاء الماضي في اجتماع مع الحكومة، على تصريحات روحاني الأخيرة المكررة بتأكيد على أن القانون البرلماني منع رفع العقوبات والاتفاق في فيينا، قائلاً إن الولايات المتحدة الأميركية ربطت الاتفاق في فيينا بموافقة طهران على استمرار التفاوض بعد الاتفاق حول السياسات الإقليمية والبرنامج الصاروخي.
وأضاف خامنئي أنّ "الأميركيين بقوا متمسكين بموقفهم المتشدد، ولم يتقدموا خطوة"، موضحاً أنّ "الأميركيين يعِدون لسانياً أنهم سيرفعون العقوبات، لكنهم لم ولن يرفعوها"، ومشيراً إلى أنّ الأميركيين "يضعون شرطاً ويقولون إنه يجب أن تضموا جملة في الاتفاق لإجراء التفاوض لاحقاً حول قضايا أخرى، وإلا فلن نوقع على الاتفاق".
وخاضت إيران والولايات المتحدة ستّ جولات من مباحثات فيينا بشكل غير مباشر، بواسطة أطراف الاتفاق (روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، والجولة السابعة تواجه حالة غموض ولم يتم تحديد موعدها بعد، غير أن طهران أكدت أخيراً، وبشكل رسمي، أن على أطراف المفاوضات الانتظار حتى تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة إبراهيم رئيسي.
وتهدف المفاوضات إلى إحياء الاتفاق النووي عبر عودة واشنطن إليه من خلال رفع العقوبات المفروضة على إيران، مقابل عودة الأخيرة إلى التزاماتها النووية.