يشارك رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك هذا الأسبوع في أعمال قمّتين دوليتين مهمّتين، الأولى قمة مجلس أوروبا في أيسلندا والثانية قمة الدول السبع في هيروشيما، مروراً بطوكيو حيث سيعلن عن "تعاون جديد في مجال الدفاع والتكنولوجيا بين المملكة المتحدة واليابان". ستكون هذه هي الجولة "التاريخية" الأولى التي يجريها منذ وصوله إلى الزعامة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعد أسبوعين فقط من مراسم تتويج الملك تشارلز ومن الخسارة المدوية التي ألمّت بـ"حزب المحافظين" الحاكم في الانتخابات المحلية. فما هي الرسائل التي سيحملها معه؟
أوكرانيا
ستكون الحرب في أوكرانيا وكيفية الاستمرار في الدعم الدولي العسكري والاقتصادي لكييف، على رأس أولويات سوناك خلال لقاءاته المرتقبة في قمة مجلس أوروبا، إضافة إلى "فرض ضمانات أمنية طويلة الأجل لضمان "عدم انتهاك سيادة أوكرانيا مجدداً".
ويأتي ذلك بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى لندن البارحة ضمن جولته الأوروبية ومساعيه للحصول على أكبر دعم ممكن تحضيراً لمرحلة جديدة من النشاط العسكري المكثف ضد روسيا. ومع أن سوناك تعهد مجدداً بإرسال صواريخ للدفاع الجوي وطائرات موجّهة دون طيار، إلا أن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني بحسب "سكاي نيوز"، فتلك الالتزامات والتعهدات تحمل طابع "Deja vu" ولا تبدو كافية لهجوم مضادّ يخوضه الجيش الأوكراني ولا لتعزيز "السيطرة على السماء".
هذا ما دفع سوناك بحسب "سكاي نيوز" لاستقبال "صديقه" استقبالاً "حافلاً" في المنتجع الصيفي ليصرف انتباهه عن الوعود المتكررة وليداري ارتباكه من عدم وفائه بتلك الوعود الكبيرة.
الهجرة
إلا أن الرسالة الأهم التي سيحملها سوناك اليوم، تخلع عنه "عباءة" الزعامة الكبرى كرئيس للحكومة وتلبسه عباءة زعيم لحزب حاكم، مفكك، تمكّنت الخلافات من صفوفه وأفقدته قبل أسبوعين أكثر من ألف مقعد في الانتخابات المحلية. ستكون "العنصرية" هي الرسالة الأهم التي سيحملها معه لقادة العالم اليوم، وسيطالب بإغلاق الحدود "لحماية أمن قارتنا"، وبدعم الحكومات الأوروبية في "العمل المنسق بين مؤسساتنا لوقف الكارثة الإنسانية التي تسبّبها الهجرة غير الشرعية". كما سيستعرض أمامهم "إنجازاته" كزعيم محافظ ابتدع قانوناً جديداً يتيح للحكومة احتجاز أي طالب لجوء وترحيله على الفور إلى رواندا أو إرجاعه إلى بلده الأصلي، بمن فيهم الأطفال دون السن القانونية والنساء وكبار السن والمرضى.
ومن المقرر أن يخبر القادة عن "أهمية الإجراءات التي تتخذها الدول بشكل فردي ومنعزل لمعالجة هذه الأزمة"، بحسب ناطق باسم "داونينغ ستريت". كما سيقترح "إنشاء إطار لجوء عالمي جديد"، يعمل لصالح "الشعوب في بلداننا والمستضعفين". ويقول الناطق إن مشروع قانون "أوقفوا القوارب" الذي مرّره سوناك جنباً إلى جنب مع وزيرة الداخلية سويلا برافرمان هو "جزء من الإصلاحات المحلية الرئيسية" وهو "مشروع طموح وجديد ويوفّر لنظام الهجرة لدينا الإصلاحات الضرورية مع البقاء طرفاً في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان".
وكان سوناك وما يزال يتعرّض لضغوط هائلة من متشدّدي الحزب للخروج من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بعد أن تدخّلت الأخيرة في يونيو/حزيران الماضي وأوقفت طائرة الترحيل التي كان من المفترض أن تحلّق إلى رواندا محمّلة بطالبي لجوء عراقيين وأفغان وسوريين. ويلمّح البيان الرسمي الصادر عن "داونينغ ستريت" بالتزامن مع مشاركة سوناك في قمة مجلس أوروبا، إلى أن البقاء طرفاً في المحكمة الأوروبية سيكون "مشروطاً" بتوفّر ضمانات قانونية دولية "تتيح للدول ذات السيادة باتخاذ الخطوات المحلية اللازمة في ملف الهجرة".
وستشمل اللقاءات المفترضة على هامش القمة، لقاء مع رئيسة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سيوفرا أوليري، حيث ستكون الرسالة الأساسية هي "ضرورة إجراء عملية إصلاح شاملة للمحكمة الأوروبية" انطلاقاً من إعادة النظر بالمادة ٣٩ من اتفاقية حقوق الإنسان "لضمان الشفافية المناسبة والمزيد من المساءلة وإمكانية إعادة النظر بالقرارات"، بحسب "داونينغ ستريت".
تجدر الإشارة إلى أن المادة ٣٩ تحديداً هي التي أتاحت لقضاة ستراسبورغ منع إقلاع طائرة الترحيل إلى رواندا العام الماضي، إذ تقضي بالسماح للمحكمة "بمنع ووقف طرد أو ترحيل أو تسليم الأشخاص". وهذا بالضبط ما يثير غضب المتشدّدين في الحزب الحاكم، إذ كيف لمحكمة مقرّها أوروبا أن تمتلك القدرة على تعطيل سياسات حكومة المحافظين التي صوّتت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، واليوم ستصوّت على الخروج من المحكمة الأوروبية أيضاً عبر قانون الهجرة "غير الشرعية" الذي اقترحه سوناك ولايزال عالقاً في مجلس اللوردات.
ومع أن مجلس نقابة المحامين وجمعية القانون اعتبرا أن "اتّخاذ الحكومة إجراء كهذا سيمثّل انتهاكاً للقانون الدولي وسيضرّ بسمعة المملكة المتحدة كشريك وحليف عالمي"، إلا أن سوناك لا يبدو مكترثاً، لا بل إنه أكثر إصراراً من السابق على المضي في خطابه "المتشدّد"، خاصة بعد خسارة حزبه في الانتخابات المحلية ومحاولاته لاستعادة ولو جزء بسيط من شعبية حزبه ومن ثقة الناخبين به. ولا يعكس هذا الإصرار سوى اتساع الهوة بين الحزب الحاكم وبين الناخبين غير المعنيين اليوم بملف الهجرة وسط أزمة اقتصادية هائلة، ففي الوقت الذي يقول فيه متحدث باسم "داونينغ ستريت" إن رئيس الوزراء "وضع على رأس أولوياته إيقاف القوارب وإنهاء الضغط الهائل على أماكن الهجرة غير الشرعية في المملكة المتحدة"، تنشر الصحافة البريطانية أخباراً مفصّلة عن عملية سرقة حدثت البارحة حيث "اضطر شاب في الثلاثينات للإقدام مكرهاً على سرقة علبة حليب من إحدى المخازن لإطعام طفله الوحيد".
كما لا يدلّ سوى على الإخفاقات المتتالية لحزب مضى على وجوده في السلطة أكثر من 13 عاماً، لم يحقق خلالها سوى المزيد من العجز والانهيار والانغلاق والأزمات.