بات غياب الأمن وانتشار الجريمة باختلاف أنواعها واقعاً يؤرق عموم مدن وبلدات منطقة القلمون بريف دمشق جنوب سورية، التي تخضع لسيطرة قوات النظام، وتوكل فيها مهمة حفظ الأمن إلى مؤسسات وزارة الداخلية، الحاضرة هيكلاً، والغائبة بشكل شبه كامل.
ويعزو مواطنون سبب هذا الغياب لضلوع أجهزة أمنية وجهات عسكرية بمعظم الجرائم التي تحصل، وتمتعها بسلطات وصلاحيات أعلى من سلطات عناصر الأمن الداخلي.
فقبل سنوات قليلة، كان وقوع جريمة قتل أمراً نادراً ومستهجناً، في منطقة القلمون التابعة لريف دمشق، والمحاذية للحدود اللبنانية، لكنه تحول خلال الأشهر الستة الماضية إلى حدث شبه يومي. فلا يكاد يمر أسبوع من دون أن تستفيق إحدى بلدات المنطقة على جريمة تهزها، وتزرع الرعب في قلوب قاطنيها، المنهكين من الظروف الخدمية والمعيشية الصعبة التي تعيشها البلاد.
مقتل شاب بالرصاص
آخر تلك الجرائم، وقعت الأسبوع الماضي في قرية حوش عرب، التي تبعد 40 كيلومتراً شمال دمشق، فقد وجد الثلاثيني مرعي برتاوي، مقتولاً بالرصاص في سيارته أمام منزله في القرية، من دون الكشف عن الجهة التي قتلته.
مصادر محلية في القرية، طلبت عدم ذكر هويتها لدواع أمنية قالت، لـ"العربي الجديد"، إن البرتاوي، كان متطوعاً لدى الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري، ومنذ فترة قصيرة حدث إشكال كبير بينه وبين شخص آخر يعمل لصالح "حزب الله" اللبناني، الذي يتواجد بشكل كبير في المنطقة. وأضافت المصادر أن البرتاوي كان قد تعرض للتهديد من قبل ذلك الشخص، إلا أن القضية سجلت ضد مجهول، من دون إجراء تحقيقات كافية بالموضوع.
أحد أبناء حفير الفوقا: البلدة تحولت إلى منطقة عصابات ومافيات بغطاء من السلطة
وكانت قد سبقت هذه الحادثة، جرائم قتل متتالية في بلدة حفير الفوقا، التي تبعد 36 كيلومتراً عن مدينة دمشق، حيث راح ضحية تلك الجرائم 14 شخصاً، بينهم طفلان، بحسب إحصائيات حصلت "العربي الجديد" عليها من مصدر في الأمن الجنائي، وقاطعتها مع مصادر محلية، لتسجل أغلب تلك الحوادث ضد مجهول، بعد كتابة محاضر شكلية من قبل مخفر الشرطة دون أية تحقيقات فعلية.
محمد. ك، أحد أبناء بلدة حفير الفوقا، وشاهد على الحوادث فيها، شرح لـ"العربي الجديد"، ما وصلت إليه أحوال بلدته، مبيناً أنها تحولت إلى بلدة عصابات ومافيات بغطاء من السلطة لدرجة أنها باتت تدعى في عموم محافظة دمشق بـ"شيكاغو"، إذ لا يكاد يمر يوم دون إطلاق نار، ورمي قنابل، وأحيانا إطلاق قذائف "آر بي جي".
وأضاف: خلال أقل من ستة أشهر فقدت البلدة 10 من شبابها قتلاً بإطلاق نار، من دون أن تعلن السلطات تمكنها من اكتشاف الفاعل، والجهة التي تقف وراء ما يحدث.
وبيّن محمد أن قصة كشف الجرائم وفاعليها لا تحتاج إلى كثير من الذكاء، ولا إلى محقق محترف، فمعظم أهالي البلدة يعرفون كيف حصلت العديد من الجرائم التي سجلت ضد مجهول، ومن يقف ورائها.
استفحال الجريمة في حفير الفوقا
وأوضح أن الجريمة في حفير الفوقا استفحلت بعد تشكيل مجموعات أمنية في البلدة، تعرف بمجموعات "الدفاع الوطني"، تتبع كل مجموعة منها لجهة أمنية مختلفة عن المجموعات الأخرى. وأشار إلى سعي تلك المجموعات لاستقطاب أكبر عدد من المتطوعين، من دون النظر إلى سجلهم العدلي، بل يفضلون من لديهم سجل إجرامي، طبعاً هذا بالإضافة لتجنيدهم لأطفال دون الخامسة عشرة تتم تربيتهم على الإجرام.
وفي مدينة مضايا، القابعة في وادي بردى، دهمت صباح يوم الأربعاء 29 مارس/ آذار الماضي، عصابة مسلحة منزلاً تعود ملكيته للمدعو طراف الحبش، وهو مغترب خارج سورية، ويسكن أهله فيه، وسطا أفراد العصابة على مبلغ مليون و400 ألف دولار، كان قد أرسلها الحبش لعائلته على دفعات لشراء عقارات له في المدينة، وفق مصادر محلية.
وبينت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن المجموعة التي سطت على المنزل، ينتسب أفرادها لمليشيا "الفرقة الرابعة"، المسؤولة عن أمن المدينة، ما يجعل محاسبتهم، أو إعادة المسروقات أمراً بالغ الصعوبة، في ظل تخوف الضحايا من تلفيق تهم لهم بدعم وتمويل الإرهاب، وهي التهمة الأكثر رواجاً لدى المليشيات لسرقة أموال الناس.
أما محمود الأحمر، من تل منين فقال، لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الأمني في مدينته قد تحول إلى حالة من الفلتان، من دون تدخل السلطات بشكل فعال فيها.
وأضاف الأحمر: أمتلك دكان بقالة صغيرا في حارة الجامع في مدينة تل منين، ومنذ نحو عشرة أيام، فتحته في التاسعة صباحاً، وركنت دراجتي النارية أمامه وتركت المفتاح عليها، ودخلت لآخذ بضاعة من المحل وأعود، ففوجئت بشابين ركبا دراجتي، وهربا فيها.
وتابع الأحمر: راجعت قسم الشرطة بالتل، فأخذوا إفادتي، وقالوا لي سنخبرك إذا وجدنا السارقين، وحين خرجت من قسم الشرطة استوقفني شرطي على الباب وقال لي إذا كنت تريد دراجتك يجب أن تدفع مليون ليرة سورية (نحو 135 دولاراً أميركياً)، فنحن نعرف من سرقها. وأوضح: خفت أن أدفع المليون وتذهب كما ذهبت الدراجة.
ضابط في الأمن الجنائي: أجهزة الشرطة المدنية المخوّلة بحماية المواطنين وممتلكاتهم مكبّلة كلياً وعاجزة
أجهزة الشرطة مكبلة
النقيب وسام، وهو اسم افتراضي لضابط في الأمن الجنائي بريف دمشق قال، لـ"العربي الجديد"، إن "أجهزة الشرطة المدنية المخولة بحماية المواطنين وممتلكاتهم، مكبلة كلياً وعاجزة، إلا عن الضعفاء".
وأضاف: "السلاح في كل مكان، وفي كل بلدة ومدينة مجموعات مسلحة متنوعة، ولكل مجموعة مرجعية أمنية تقوم بحمايتها، فحتى إن أجريت التحقيقات وتوصلنا للفاعل، وتبين ارتباطه مع الأمن الجوي أو العسكري، أو أي فرقة من فرق الجيش، يطلب منا إقفال التحقيق وتسجيل الوقائع ضد مجهول".
من جهته، أكد الناشط الحقوقي ماجد عزالدين، المتحدر من ريف دمشق والمقيم حالياً في تركيا، أن النظام السوري بسلطاته غير عاجز بتاتاً عن ضبط أمن أي منطقة يريد، فلو كُتبت جملة ضده لعرف من الفاعل، وانتقم منه.
وأضاف عز الدين: "لكن الفوضى، والخلافات، والجرائم هي الحال الأقرب والأحبّ للسلطات السورية، التي بطبيعة تكوينها أقرب إلى العصابة، لا المؤسسات". وذكر أن معظم تمويلات النظام نفسه تقوم على تجارة "الكبتاغون"، فمن الطبيعي أن يتحول البلد إلى مرتع للمافيات والعصابات.