يبدأ رئيس حزب الجمهوريين اليميني الفرنسي، إيريك سيوتي، اليوم الأربعاء، زيارة رسمية للعاصمة المغربية الرباط، في ظل أزمة صامتة مستمرة بين البلدين، من أبرز مظاهرها تجميد زيارات مسؤولي البلدين، وغياب أي اتصال بين قادتهما، وحدوث فراغ دبلوماسي منذ أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، بعد تكليف سفير الرباط مهامّ أخرى، ولاحقاً إنهاء مهامه.
واستبق حزب الجمهوريين الزيارة التي تمتد لثلاثة أيام، ببيان قال فيه إن الزيارة تدخل في إطار العلاقات السياسية، و"أواصر الصداقة التي تجمع الحزب بالمملكة، وتاريخ العلاقة بين العائلة الديغولية والمغرب، التي جعلت الجنرال ديغول أقرب إلى الملك محمد الخامس".
واعتبر الحزب الفرنسي أن "هذه الصداقة علاقة أخوة ومسؤولية تجمع الفرنسيين والمغاربة، ليس فقط حول ماضٍ مشترك، ولكن أيضاً حول ذات الاهتمام لضمان الاستقرار والازدهار حول البحر الأبيض المتوسط".
وتأتي زيارة زعيم الجمهوريين الفرنسيين في ظل الأزمة المستمرة منذ ما يقارب السنتين بين الرباط وباريس، التي كان آخر تجلياتها كشف موقع "أفريكا أنتيليجينس" المتخصص في الشؤون الفرنسية الأفريقية، عن تأجيل زيارة لوفد من مجلس الشيوخ الفرنسي، كانت مرتقبة نهاية إبريل/ نيسان الماضي، إلى الرباط، إلى أجل غير مسمى.
وحسب ما نقله الموقع الفرنسي، فإن وفداً برلمانيا مكوناً من رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارش، ورئيس اللجنة البرلمانية المغربية الفرنسية كريستيان كامبون، وعضو مجلس الشيوخ إيرفي مارساي، كان من المفترض أن يزور العاصمة المغربية نهاية الشهر الماضي، لكن وزارة الخارجية المغربية قررت خلاف ذلك، ما يعتبر إشارة واضحة إلى التوتر القائم، وفقاً للموقع.
وتوترت العلاقات بين الطرفين على خلفية قرار باريس تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، وموقفها من ملف الصحراء، ورهان الرئيس الفرنسي على الجزائر، وتوصية البرلمان الأوروبي بخصوص وضع حرية الصحافة في المغرب، إضافة إلى قضية التجسس باستعمال برنامج "بيغاسوس"، التي ترى الرباط أن "تورط وسائل الإعلام وبعض الدوائر الفرنسية في نشأتها والترويج لها لا يمكن أن يحصل دون تدخل السلطات الفرنسية".
وعلى امتداد الأشهر الماضية، بدا لافتاً أن العلاقات المغربية الفرنسية في أدنى مستوياتها، رغم الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا للعاصمة المغربية الرباط في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي الزيارة التي كان عنوانها البارز، السعي لتجاوز القضايا الخلافية التي عكرت صفو العلاقات بين البلدين.
وفي وقت كان الجانب الفرنسي يراهن فيه على زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للمغرب خلال النصف الأول من مارس/ آذار الماضي، من أجل طيّ صفحة الأزمة، تشير المعطيات إلى أن تلك الأزمة مستمرة وتتعمق بين البلدين، بعد التأجيل المتكرر للزيارة التي كانت تترقبها العاصمة المغربية منذ يناير/كانون الثاني 2020.
وبينما لم يكشف الحزب الفرنسي عن الجهة الرسمية التي سيلتقيها الوفد الذي يترأسه سيوتي، يرى رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية نبيل الأندلوسي، أن الزيارة التي تأتي في سياق حالة التوتر، يمكن تفسيرها برغبة المغرب وحزب الجمهوريين بتأكيد العلاقات القوية التي تجمع الرباط وقيادات الحزب اليميني ذي المكانة المعتبرة في المشهد السياسي الفرنسي.
وأوضح الأندلوسي لـ"العربي الجديد "، أن أهم رسالة لهذه الزيارة، تأكيدها أن الجمهوريين الفرنسيين غير متفقين مع السياسة الخارجية الفرنسية الرسمية تجاه المغرب، وضد توجهات ماكرون بهذا الخصوص، وهذا ما عبّر عنه إريك سيوتي بوضوح، عندما انتقد علناً توجهات ماكرون بشأن ما سماه "انحراف السياسة الخارجية ضد المغرب لمصلحة الجزائر"، مدافعاً عن "ضرورة إعادة علاقة ثقة مع المغرب". فيما تضمن بيان الحزب الذي سبق الزيارة، الفحوى ذاته حول "عمق العلاقات بين الحزب والمغرب".
ولفت الباحث المغربي إلى أنه "لا يمكن الرهان مباشرةً على الزيارة لحلحلة الأزمة، لعدم توافق الحزب مع توجهات الرئيس الفرنسي بشأن الملف المغربي"، لكنه اعتبر أن الثقل السياسي للحزب داخل المشهد الفرنسي، يمكنه الدفع في هذا الاتجاه.
وأوضح الأندلوسي أن الزيارة تخدم المغرب، وتعطي الخارجية المغربية فرصة لتمرير الرسائل الضرورية للجانب الفرنسي الرسمي، التي يبقى عنوانها البارز "ضرورة توضيح قصر الإليزيه لموقفه من مغربية الصحراء ومدى التزامه شراكة على أساس الندية والوضوح".