أعلنت بكين أنها بصدد زيادة الإنفاق الدفاعي هذا العام بنسبة 7.2 في المائة إلى 1.56 تريليون يوان، أي ما يعادل نحو 230 مليار دولار، وذلك وفق مسودة أصدرتها وزارة المالية الصينية اليوم الأحد، لتتخطى بذلك معدل النمو الاقتصادي المستهدف للصين والبالغ 5.5 في المائة.
وكانت ميزانية الدفاع قد نمت بنسبة 7.1 في المائة العام الماضي إلى 1.45 تريليون يوان، محققة زيادة بلغت 6.8 في المائة مقارنة بالعام السابق. وشهد عام 2019 أعلى زيادة في ميزانية الدفاع بنسبة 7.5 في المائة (1.19 تريليون يوان)، وتعتبر هذه ثامن زيادة على التوالي في ميزانية الدفاع الصينية، ما يعكس مخاوف بكين الأمنية والعسكرية خلال العقد الأخير.
وفي تقرير حول عمل الحكومة الصينية، شدد رئيس الوزراء الحالي لي كه تشيانغ، اليوم الأحد، على ضرورة العمل من أجل اتخاذ خطوات حازمة لمعارضة استقلال تايوان، لكنه في نفس الوقت أكد تمسك بكين بدعوتها لإعادة التوحيد السلمي مع الجزيرة التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية.
وعادة ما يثير إعلان الصين ميزانيتها العسكرية حفيظة الولايات المتحدة، إذ يُنظر إليها باعتبارها مؤشراً على تقييم بكين للأمن القومي. بينما تعتبر الأخيرة أنها لا تزال بعيدة عن حجم الإنفاق الأميركي البالغ 800 مليار دولار.
ضرورة حتمية
في قراءة دلالات الإنفاق العسكري الصيني، وأهم القطاعات التي تستحوذ على الإنفاق، أوضح محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "كانتون" المحلية، لياو ليانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أي زيادة في الموازنة الوطنية للدفاع مرتبطة بأمرين: الأول له علاقة باستراتيجية الرئيس شي جين بينغ، الذي أخذ على عاتقه، منذ استلام السلطة عام 2013، تحديث الجيش الصيني وجعله أكثر كفاءة وقدرة على مواكبة الطفرات التكنولوجية التي شهدتها الأنظمة العسكرية في العالم، في حين كان الجيش الصيني قبل عقود يعتمد على الكثرة العددية على حساب الجودة والنوعية".
أما الأمر الثاني، فأوضح لياو ليانغ أن "له علاقة بالتحديات الأمنية التي تواجهها الصين على مختلف الجبهات، سواء في مضيق تايوان، أو على الحدود مع الهند، أو في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، حيث تتخذ واشنطن من تلك البقعة ميداناً لتنفيذ استراتيجيتها الأمنية مع حلفائها من أجل احتواء نفوذ بكين".
وأضاف الخبير الصيني أنه "ما دامت هذه العوامل والمخاوف قائمة، فإن زيادة الإنفاق الدفاعي ضرورة حتمية وليست ترفاً للاستعراض والتلويح بالقوة العسكرية كما تفعل دول أخرى"، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
ولفت لياو ليانغ إلى أن "تحديث الجيش يحتاج إلى مزيد من الأموال، أما أهم القطاعات التي تستحوذ على الإنفاق فهي قسم الأبحاث والدعم اللوجيستي للقوات البحرية والجوية والمشاة، إلى جانب صيانة وتطوير المعدات، وهناك قطاعات أخرى، حسب قوله، تتعلق بالتدريب وإجراء المناورات العسكرية، خصوصاً بعد زيادة انتشار الأسلحة والقوات الصينية على الحدود مع الهند في جبال الهيمالايا خلال الأعوام الماضية، بسبب تكرار المناوشات والصدامات العسكرية هناك، الأمر الذي تطلب إنفاقاً إضافياً لبناء طرق وثكنات جديدة. وكذلك الحال في بحري شرق وجنوب الصين، حيث توجد العديد من الجزر والأراضي المتنازع عليها بين الصين ودول الجوار".
نوايا خفية
من جانبه، قال الباحث في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث (مقره هونغ كونغ)، تشو يونغ، في حديث مع "العربي الجديد": "عادة ما تبرر الصين إنفاقها الباهظ في موازنة الدفاع بأنه امتداد طبيعي لخطط التحديث العسكري على المدى الطويل، بما يتماشى مع الرغبة المعلنة في اللحاق بالقوى العسكرية الرائدة، مثل الولايات المتحدة، ولكن في حقيقة الأمر، فإن بكين تخفي رغباتها وتطلعاتها في بسط نفوذها وفرض هيمنتها العسكرية خارج حدودها الجغرافية".
وأشار إلى أن "بكين لطالما تغنت بمبادئها السلمية الرافضة للتوسع والتمدد العسكري خارج حدودها، لكننا رأينا كيف بنت أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي عام 2017، ويجرى الحديث الآن عن قواعد عسكرية محتملة في ممر واخان شمال شرق أفغانستان، وهي منطقة استراتيجية على الحدود الفاصلة بين الصين وأفغانستان وباكستان"، فضلاً عن بناء منشآت عسكرية في مناطق متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. واستدرك بأن بكين استخدمت مبادرة الرئيس شي المعروفة باسم "الحزام والطريق" لإخفاء طموحاتها العسكرية تحت غطاء مشاريع التنمية والبنية التحتية والاستثمار والتوسع الاقتصادي.
التدخل الأميركي يدفع بكين لرفع حالة التأهب العسكري
في تعليقه على ذلك، قال ون باو لينغ، المختص في الشؤون العسكرية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن تدخل الولايات المتحدة في قضايا شائكة وحساسة مثل مسألة تايوان وملف هونغ كونغ، وإقليم شينجيانغ، فضلاً عن النزاعات الإقليمية حول جزر دياويو (المعروفة باسم سينكاكس) بين الصين واليابان، إلى جانب ما يسمى بعمليات حرية الملاحة التابعة للبحرية الأميركية في منطقة المحيطين، "جميعها عوامل جعلت بكين لا تشعر بالأمان، فكان لا بد من اتخاذ إجراءات احترازية، تمثلت في رفع حالة التأهب العسكري التي تتطلب زيادة موازية في موازنة الدفاع، استعداداً لأي هجوم محتمل".
وأضاف أن "الحديث عن نوايا خفية للتوسع هو مجرد ديباجة أميركية في إطار سياسة التهويل، التي تنتهجها واشنطن لحشد المزيد من الحلفاء في المنطقة بذريعة مواجهة الخطر الصيني".
ولطالما جادلت بكين بأنها في حاجة إلى سد الفجوة مع الولايات المتحدة التي بلغت ميزانيتها الدفاعية للعام الحالي 800 مليار دولار، وتقول إن الزيادة في الإنفاق العسكري لأغراض دفاعية، ولن تكون يوماً الطرف المعتدي، بينما تعتبرها واشنطن انعكاساً لطموحات الصين العسكرية، وتهديداً للأمن في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.