أقدم رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على خطوة غير مسبوقة منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف إبريل/نيسان.
وللمرة الأولى يظهر البرهان خارج مقر قيادة الجيش، وسط العاصمة الخرطوم، بعد ما يزيد عن 4 أشهر من القتال، إذ تفقد قواته في مدينة أم درمان، غرب الخرطوم، الخميس.
وأثار هذا الظهور جدلاً واسعاً بشأن توقيته وهدفه، وخاصة أن قوات الدعم السريع ظلت تردد منذ بدء الحرب أن "البرهان محاصر في بدروم (قبو) داخل مقر قيادة الجيش".
وبعد ساعات من ظهوره في أم درمان، توجه البرهان إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل (شمال)، التي تبعد عن الخرطوم 310 كيلومترات، وتفقد مقر سلاح المدفعية، وزار مصابي القتال من الجيش في مستشفى الجيش والشرطة.
وبعدها، توجه إلى مدينة الدامر، عاصمة ولاية نهر النيل، حيث تفقد نازحي الحرب الفارين من الخرطوم.
وتباينت الآراء حول الظهور المفاجئ للبرهان، الذي يخوض معارك شرسة ضد نائبه المعزول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقواته في الخرطوم ومدن أخرى عديدة.
واعتبر مراقبون أن خطوات البرهان محسوبة بغرض إجراء تحركات سياسية تدعم موقفه التفاوضي، بينما رأى آخرون أن خروجه يدل على قرب انتهاء القتال، وثقته بقدرة الجيش على حسم المعركة قريباً.
وأعلن المتحدث باسم الجيش العميد نبيل عبد الله، الجمعة، أن البرهان يواصل جولاته التفقدية لبعض المناطق العسكرية داخل منطقة العاصمة المركزية وخارجها، من دون تفاصيل.
وظهور البرهان هو الأول له منذ 130 يوماً خارج مقر قيادة الجيش، إذ يرجع آخر ظهور له إلى 18 يوليو/تموز، حين ظهر حاملاً سلاحاً رشاشاً ومسدساً وقنبلة يدوية ويترأس اجتماعاً عسكرياً في مركز القيادة.
ومنذ منتصف إبريل، يخوض الجيش و"الدعم السريع" اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلف أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، وما يزيد عن 4 ملايين نازح ولاجئ داخل إحدى أفقر دول العالم وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.
فرصة كبيرة
القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير بابكر فيصل قال إن "خروج قائد الجيش من مبنى القيادة العامة، وقد دخلت الحرب شهرها الخامس وما زال حصد الأرواح وتدمير الممتلكات وانتهاك حقوق الإنسان (مستمرا)، هو سيد المشهد".
وأضاف، في تدوينة على فيسبوك: "يعطي هذا الخروج فرصة كبيرة لمواصلة التفاوض الجاد في منبر جدة (بالسعودية) لتحقيق وقف إطلاق النار طويل الأمد".
وتابع أنه على البرهان أن "يضع نصب عينيه تحقيق ذلك الهدف وألا تُزيغ بصره الأصوات الداعية لمواصلة نزيف الوطن وإنسانه باستمرار الحرب".
فيما قالت الحركة الشعبية لتحرير السودان- التيار الثوري الديمقراطي بقيادة ياسر عرمان (أحد مكونات الحرية والتغيير)، عبر بيان، السبت: "يجب ألا نغرق في التخمينات والدعاية والدعاية المضادة".
وتابعت الحركة: "علينا طرح السؤال الهام: هل سيستخدم خروجه (البرهان) لدفع البلاد نحو وقف الحرب والسلام أم سيستخدم لدعم أجندة الفلول (أنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير 1989-2019) والمضي نحو توسيع دائرة الحرب جغرافيا وإطالة أمدها".
وأردفت: "نقترح على قائد الجيش إجراء مشاورات واسعة مع كل القوى الوطنية والديمقراطية، والعمل على توحيد منبر للتفاوض مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لحل قضية الحرب وتحويل الكارثة إلى منفعة بمشاركة فعلية من قوى التغيير".
وفي 6 مايو/ أيار بدأت السعودية والولايات المتحدة برعاية محادثات بين الجيش و"الدعم السريع"، أسفرت عن اتفاق في جدة بين الجانبين لحماية المدنيين، بالإضافة إلى أكثر من هدنة جرى خرقها وتبادل الطرفان اتهامات، ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات.
تطور إيجابي
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الطاهر سآتي، في حديث لـ"الأناضول"، أن خروج البرهان من القيادة العامة "تطور إيجابي لصالح إنهاء الحرب وإحلال السلام".
وأضاف: "المعارك الأخيرة في الخرطوم قصمت ظهر المليشيا المتمردة (الدعم السريع)، وتسببت بخسائر كبيرة لها، ومكنت الجيش من فرض سيطرته.. كل هذا يأتي في إطار إنهاء التمرد وإحلال السلام".
واعتبر أن "خروج البرهان لا يعني التخلي عن العمل العسكري ومواصلة الحرب حتى القضاء على التمرد، لكنه سيكون مشرفا على العملية العسكرية وإدارة الدولة وأجهزتها التنفيذية، وخاصة أن أجهزة الدولة خلال أشهر الحرب كانت ضعيفة".
وتوقع أن "يتم تشكيل حكومة تصريف أعمال، خاصة أن المواطن في المناطق الآمنة يحتاج إلى تحسين الوضع الاقتصادي وتشكيل رؤية لما بعد الحرب".
كما أن "خروج البرهان يعني تواصله مع المجتمع الدولي من خلال الشرعية للمساهمة في تحقيق السلام وتعمير ما دمرته الحرب، وكذلك إتاحة الفرصة للقوى السياسية لابتكار مبادرات سياسية جادة لتحقيق السلام وتشكيل مرحلة سياسية جديدة"، بحسب سآتي.
وفي السياق، جاء حديث القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير محمد عبد الحكم لـ"العربي الجديد"، قبل يومين، حيث رأى أنّ بادرة خروج البرهان بعد أشهر من الحرب "لها دلالات إيجابية على مسار المستقبل السياسي والعسكري السوداني".
ولفت عبد الحكم إلى أنّ قوى إعلان الحرية والتغيير ترى أنّ خروج البرهان "سيجعل الصورة أكثر وضوحاً أمامه للنظر إلى المشهد برمته، ما سيؤثر بشكل كبير في مجريات المسار التفاوضي على مستوى منبر جدة، حيث سيكون التواصل مباشراً بينه وبين وسطاء منبر جدة، ما يخلق فرصاً أكبر لوقف إطلاق النار، لا سيما بعد عودة وفد الجيش السوداني إلى البلاد بغرض التشاور".
وأكد القيادي السوداني أنّ ذلك التشاور "ضروري لوقف الحرب وفتح المسارات الإنسانية والعودة إلى المسار السياسي وتسريع الحلول السياسية".
ترتيبات خارجية
أما الكاتب والمحلل السياسي أمير بابكر عبد الله، فقال إن "خروج البرهان جاء في مرحلة حاسمة من مراحل الحرب المستمرة، وتبدو فيه بوضوح جدا ترتيبات خارجية ماضية في حل الأزمة، وخاصة أنه تزامن مع ضغوط دولية وإقليمية شديدة لوقف إطلاق النار".
عبد الله تابع أنه "في ظل الحصار الذي كان مفروضا على تحركات البرهان، كان القرار سيظل رهينا لأجندات الداعمين للحرب، بينما خروج البرهان سيعيد ترتيب المشهد بشكل مغاير لدعاة استمرار الحرب".
واعتبر أنه "من أبرز تداعيات خروج البرهان قد تكون هي زيارته المرتقبة إلى السعودية، اللاعب الرئيس في مسألة حل الأزمة السودانية عبر منبر جدة، بالتضامن مع واشنطن".
و"واضح أن السعودية لها يد في ترتيبات خروج البرهان للوصول إلى نهايات لاتفاق مكتمل الأركان أصلا، فالسعودية ستواصل جهودها في ترسيخ مكانتها الإقليمية عبر تحقيق اتفاق سلام بين الأطراف السودانية"، كما أضاف عبد الله.
وزاد بقوله: "لذلك يمثل خروج البرهان، وفي حال وصوله إلى السعودية، البداية لنهاية الحرب، وربما بخطوات تعيد ترتيب المشهد السوداني لصالح القوى المدنية وخروج العسكر من المشهد السياسي كليا".
و"هذا الخروج يشير إلى أن الفرصة جاءت الآن للبرهان لكي يعمل على إحلال السلام والحفاظ على المؤسسة العسكرية ووحدة السودان، بعدما أهدر العديد من الفرص منذ انتصار ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018 (أطاحت لاحقا بالبشير)"، كما ختم عبد الله.
(الأناضول، العربي الجديد)