أقرّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه لا يمكن استعادة شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا في عام 2014 إلا من خلال الدبلوماسية. وقال في مقابلة مع قناة فوكس نيوز على متن قطار في أوكرانيا، أُذيعت أمس الأربعاء، إن بلاده لا تستطيع تحمّل خسارة عدد الأرواح اللازم لاستعادة شبه جزيرة القرم بالوسائل العسكرية. ويأتي ذلك بينما يستمر التصعيد بالمواجهات بين الطرفين عقب الموافقة الأميركية على استخدام أوكرانيا لصواريخ "أتاكمز" ضد الأراضي الروسية.
وقال زيلينسكي: "لقد ذكرت بالفعل أننا مستعدون لإعادة شبه جزيرة القرم دبلوماسياً"، مضيفاً: "لا يمكننا أن نضحي بعشرات الآلاف من شعبنا من أجل عودة شبه جزيرة القرم. ولا يزال من غير الممكن أن نستعيدها بالسلاح الذي بحوزتنا، فنحن ندرك أن شبه جزيرة القرم يمكن إعادتها دبلوماسياً"، مؤكداً من جديد رفضه لأي حديث عن التنازل عن أي أرض تحتلها موسكو، قائلاً إن أوكرانيا "لا يمكنها قانوناً الاعتراف بأي أرض محتلة في أوكرانيا على أنها روسية".
وكانت روسيا قد استولت على شبه جزيرة القرم وضمتها في 2014 بعد أن دفعت انتفاضة شعبية رئيساً موالياً لروسيا إلى الفرار من أوكرانيا واستولى وكلاء موسكو على مساحات شاسعة من الأراضي في شرق الجمهورية السوفييتية السابقة. وعادت روسيا واستولت على نحو خُمس أراضي أوكرانيا منذ اجتياحها أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وأعلنت موسكو ضم أربع مناطق أوكرانية، رغم أنها لا تسيطر سيطرة كاملة على أيٍّ منها.
صواريخ أتاكمز وتصعيد المواجهة في أوكرانيا
وعلى صعيد التصعيد العسكري بين البلدين الذي تصاعد بعد تعديل موسكو عقيدتها النووية وخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية التي أعقبت موافقة الرئيس الأميركي جو بايدن على استخدام أوكرانيا لصواريخ "أتاكمز/ATACMS" الأميركية ضد أهداف روسية والتي استخدمتها بالفعل كييف لأول مرة يوم الاثنين الماضي ضد منطقة بريانسك الروسية، قال سلاح الجو الأوكراني، اليوم الخميس، إن روسيا أطلقت صاروخاً باليستياً عابراً للقارات من منطقة أستراخان ضمن هجوم شنته صباح اليوم، وذكر الجيش الأوكراني أيضاً أنه أسقط ستة صواريخ كروز "كيه.إتش-101" أطلقتها روسيا خلال الهجوم.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، قال دانيال إل. ديفيز، الزميل والخبير العسكري في مؤسسة أولويات الدفاع والضابط السابق في الجيش الأميركي، إنّ من غير الواضح السبب الذي دفع بايدن، في هذه المرحلة المتأخرة من الحرب وفي اللحظة الأخيرة من رئاسته، إلى القيام بإجراء يحمل في طياته مخاطر تصعيد الحرب بشكل كبير، ومن الواضح أن هذا القرار يمثل خطراً كبيراً وغير ضروري على الولايات المتحدة، كذلك فإنه يزيد من احتمالات هزيمة أوكرانيا، وليس العكس.
في المقابل، هناك شخصيات معروفة في واشنطن أشادوا بقرار بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أتاكمز لمهاجمة أهداف في عمق روسيا، فقد خرج الجنرالات السابقون جاك كين وباري ماكافري ويسلي كلارك لدعم قرار الرئيس، فيما انتقد كين وجود قيود كثيرة جداً على استخدام الصواريخ الأميركية في أوكرانيا. واضطرت الولايات المتحدة أمس الأربعاء إلى إغلاق سفارتها في كييف وطالبت كل العاملين فيها بالدخول إلى الملاجئ عند سماع صافرات الإنذار، في ظل المخاوف من هجوم روسي ضخم على كييف.
ويضيف ديفيز أن عدد الصواريخ بعيدة المدى التي تمنحها الولايات المتحدة لأوكرانيا لن يغير في الأمر شيئاً، فهذه الصواريخ لا تستطيع وحدها تغيير ديناميكية ساحة المعركة، مثلما فشل في ذلك من قبل دخول الدبابات الغربية وناقلات الجنود المدرعة وقطع المدفعية وأسلحة الدفاع الجوي وأنظمة هيمارس أو حتى طائرات إف16 المقاتلة. لقد خسرت كييف الحرب، هذه هي الحقيقة الوحيدة والاستمرار في تجاهل الواقع، والاستماع إلى الجنرالات، سيزيد التكلفة النهائية لخسارة الحرب بالنسبة إلى أوكرانيا. ومع ذلك، فإن ما يفعله بايدن الآن أسوأ، لأنه يخاطر بتوسيع الحرب، ما قد يجرّ الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع روسيا.
وقال ديفيز إن المخاطرة بتوسيع الحرب من خلال السماح باستخدام الأسلحة الأميركية بعيدة المدى ضد روسيا تمثل مجازفة متهورة إلى أقصى حد، خصوصاً أن هذا لا يحقق أي فائدة عسكرية لأوكرانيا، بل يمثل خطراً استراتيجياً كبيراً يتمثل باحتمال تورط واشنطن في الحرب. ورغم أن الرئيس السابق دونالد ترامب فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لأنه تعهد بإنهاء الحرب في أوكرانيا، إلا أن مخاطرة بايدن الأخيرة قد تدمر أي فرصة قد تكون لدى ترامب لتحقيق السلام.
(رويترز، أسوشييتد برس، العربي الجديد)