أثارت تهديدات الرئيس قيس سعيّد لعدد من المترشحين بسحب الوكالة منهم، تساؤلات حول هذه الآلية الدستورية التي وضعها في دستور عام 2022، وما تؤسس له من تدخل الجهاز التنفيذي في السلطة التشريعية ومدى مخالفتها للدستور.
وانتقد الرئيس سعيّد من سماهم بـ"مرشحين (انتخابات 17 ديسمبر) يلتقطون الصور في المساجد، اندسوا في الانتخابات التشريعية". مشدداً خلال افتتاحه، الإثنين، المستشفى الميداني بمحافظة جندوبة، على أن "سحب الوكالة منهم وارد بحسب الدستور".
كما وأفاد سعيّد بأن "عددا من المطلوبين للعدالة تحصلوا على وثائق تفيد بأنهم غير مطلوبين للعدالة، وتقدموا للانتخابات ونكّلوا بالمترشحين". وأضاف: "هنالك من جمع التزكيات في صبيحة واحدة".
وطالب الرئيس قيس سعيّد "القائمين على الانتخابات ومن يراقبها في القضاء، بأن ينتبهوا لهؤلاء الذين اندسوا تحت أوجه مختلفة حتى يساهموا في إفساد العملية الانتخابية" مشيراً إلى أن "العملية الانتخابية ستستمر".
وفي سياق متصل، قال سعيد خلال اجتماع وزاري مع قيادات أمنية وعسكرية، الأربعاء، إن "الـ9 بالمائة أو الـ10 بالمائة، الذين شاركوا في الانتخابات أفضل من 99 بالمائة كانوا يشاركون فيها، وكانت تتهاطل برقيات التهاني من الخارج، وتعلم تلك العواصم أن الانتخابات كانت مزورة".
وأكد أستاذ القانون الدستوري، خالد الدبابي، في تصريحه، لـ"العربي الجديد"، أن "آلية سحب الوكالة باعتبارها آلية دستورية جاء بها دستور 2022، لا يمكن أن تطبق إلا بعد تقلد النواب الجدد لمهامهم بصفة رسمية، ونحن بعيدون اليوم كل البعد عن هذه الفرضية، لأننا لم نجتز بعد المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية في دورها الأول".
واعتبر الدبابي أن "تصريح الرئيس غريب، وفيه تصعيد مبالغ فيه، كما أن التحليل والتمشي يخالفان حتى الدستور الذي وضعه الرئيس بنفسه".
وقال الدبابي إن "هذا يعد تدخلاً من السلطة التنفيذية في السلطة التشريعية، التي يُفترض استقلاليتها، وهو ما نبهنا له منذ البداية، باعتبار أن هذه الآلية التي تطبق على النواب فقط، وليس على رئيس الجمهورية، ستتحول إلى آلية سياسية يستخدمها الرئيس في معاركه السياسية مع السلطة التشريعية، وبالتالي ستزيد من إخضاعها لرغبة السلطة التنفيذية".
وشدد على أن "هذه الآلية ستكون سيفاً مسلطاً على رقاب النواب الجدد، فكل نائب ترى فيه السلطة التنفيذية تهديداً أو عدم انضباط لتعليمات السلطة الرئاسية ولسياساتها، سيتم تهديده حتى نهاية عهدته".
وعلق المحلل السياسي، نور الدين الغيلوفي، قائلاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس يتكلم كلاماً بلا معنى، لأنّ الكلام متى خرج من سياقه فقد معناه (...) وتصريحاته تكاد لا تتجاوز أقوالاً له بات التونسيون يحفظونها، إن تحدّث عن الزراعة أو الصحة أو علم الفضاء، انحرف به الحديث عن المندسين الذين ينكلون بالشعب". وبين أن "سعيّد ضرب أجندته ومنظومته وفعل بها ما لم يفعله معارضوه بها".
وأدخل الرئيس سعيد قاعدة سحب الوكالة في الدستور الجديد الذي صاغه بنفسه وعرضه على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز عام 2022، ثم أدرجها في المرسوم الانتخابي الذي أصدره في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، أي قبل 3 أشهر من الانتخابات التشريعية.
ويُمكن القانون الانتخابي من سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية "في حالة إخلاله بواجب النزاهة، أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به عند الترشح".
واشترط القانون "تقديم عريضة سحب الوكالة، موقعة من قبل عُشر الناخبين المسجلين بالدائرة الانتخابية، التي ترشح بها النائب المعني، إلى الإدارة الفرعية للانتخابات المختصة ترابياً (...) كما لا يمكن تقديم عريضة سحب الوكالة من النائب إلا مرة واحدة طيلة المدة النّيابية".
وعلق عضو هيئة الانتخابات المعزول، سامي بن سلامة، على حسابه بـ"فيسبوك"، بأن "سحب الوكالة ليس حلاً حتى وإن تواصل الأمر حتى العام 2040، انتخابات ثم سحب وكالة ثم انتخابات جزئية".
وقال إن "هيئة الانتخابات ضربت بالانتخابات عرض الحائط، تنظيماً وإدارة ومشاركة ونتائج، بسرعة 400 كلم في الساعة"، حسب توصيفه.
وتابع: "لو كانت المحكمة الدستورية قائمة لألغت الهيئة ومعها الانتخابات من كثرة الإخلالات والتجاوزات والخروقات التي قامت بها".