قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة مفاجئة لم تكن مجدولة سلفاً واتخذت طابعاً غير رسمي، إلى المملكة العربية السعودية، والتقى خلالها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، منتصف ليل الأحد - الإثنين، وأعدّ خلالها الأخير مائدة سحور للسيسي. لم تعلن مؤسسة الرئاسة المصرية كما هو معتاد عن مغادرة السيسي القاهرة متوجهاً إلى جدة، لكن إعلاناً شبه رسمي، عبر فضائية القاهرة الإخبارية التابعة للشركة المتحدة المملوكة لجهاز المخابرات العامة، صدر عن الزيارة التي رافق السيسي فيها رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل. وكالة الأنباء السعودية الرسمية، ذكرت أن السيسي وبن سلمان "بحثا العلاقات الثنائية الوثيقة والتاريخية بين البلدين الشقيقين وآفاق التعاون وسبل تعزيزه وتطويره في مختلف المجالات، وكذلك بحثا تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية ومجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك".
مصادر دبلوماسية وأخرى مطلعة على كواليس العلاقات المصرية - السعودية خلال الفترة الماضية، قالت إن "السبب في عدم الإعلان الرسمي عن الزيارة، هو أن الترتيبات بشأن إتمامها كانت جارية حتى اليوم الذي جرت فيه الزيارة، حيث كان مقرراً أن يلتقي السيسي ولي العهد السعودي على مأدبة الإفطار، قبل أن يتم إرجاء الزيارة ساعات عدة، حتى تمّت منتصف ليل الأحد - الإثنين".
وكشف المصدر أن اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي بالرئيس المصري "تناول 4 ملفات رئيسية، أولها الوضع الاقتصادي والاستثمارات السعودية في مصر"، كاشفاً أنه "جرى التوافق على تقديم المملكة دعماً اقتصادياً عاجلاً للقاهرة، يقدر بثلاثة مليارات دولار، وذلك في إطار كون السعودية إحدى شركاء التنمية الذين أشار إليهم صندوق النقد الدولي بشأن القرض المقدم لمصر من الصندوق".
من الاستثمار إلى تيران وصنافير
وقال المصدر إنه "على مدار شهر كانت هناك لقاءات واتصالات قام بها وسطاء مصريون يحظون بعلاقات وثيقة واحترام من جانب قادة المملكة"، لافتاً إلى أن عضواً في مجلس الشيوخ الحالي، كان رئيساً لأحد المراكز البحثية، "لعب الدور الأكبر في الترتيبات في إطار ما يتمتع به من ثقة لدى الجانبين".
جرى التوافق على تقديم المملكة دعماً اقتصادياً عاجلاً للقاهرة، يقدر بـ3 مليارات دولار
من جهته، أوضح مصدر آخر أن "اللقاء بين السيسي وبن سلمان، جرى خلاله التأكيد على ما تمّ حسمه من رؤى بين مسؤولي البلدين، حيث كان اللقاء بمثابة اعتماد لتلك الاتفاقات، والتي جاء في مقدمتها موافقة القاهرة على أن يكون مقر مركز الدراسات والعمليات العسكرية لمنتدى الدول المشاطئة للبحر الأحمر في الرياض كما كان يرغب قادة المملكة". ولفت المصدر إلى أن هذا الملف "كان أحد المواضيع التي كانت سبباً في توتر العلاقات بين البلدين أخيراً، في وقت كان يتمسك فيه المسؤولون المصريون بأن يكون مقر المركز في القاهرة، بدل الرياض".
وأوضح المصدر أن الملف الآخر الذي جرى اعتماده خلال اللقاء في جدة، هو "ملف استكمال ترتيبات وإجراءات تسليم وتسلم جزيرتي تيران وصنافير، اللتين تنازلت عنهما القاهرة للرياض، وذلك بعدما عطلت مصر استكمال الإجراءات التي كانت مقررة في يوليو/تموز 2022".
وكشفت تقارير نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي عن إبداء مصر "تحفظات" معظمها ذات طبيعة فنية، بما في ذلك بشأن تركيب كاميرات في الجزر التي كانت جزءاً من الاتفاق، مشيرةً إلى أنه "من المفترض أن تراقب الكاميرات النشاط في تيران وصنافير، وكذلك في مضيق تيران".
وأكّد مسؤولون إسرائيليون بحسب تقرير نشره موقع "أكسيوس" الأميركي حينها أن "الاتفاق، بما في ذلك انسحاب القوة متعددة الجنسيات من الجزر، توقف بسبب التحفظات المصرية".
وعن الملف الرابع الذي كان محل نقاش واسع بين الرئيس المصري وولي العهد السعودي، بحسب المصدر، فهو "الملف الخاص بترتيبات القمة العربية التي من المقرر أن تستضيفها المملكة في 19 مايو/أيار المقبل".
وقال المصدر إن ولي العهد السعودي "يرغب في أن تكون القمة التي ستستضيفها بلاده، مختلفة عن سابقاتها من القمم من حيث مستويات التمثيل، وكذلك الملفات التي ستخترقها"، مؤكداً أنه "خلال الشهر الحالي، سيتم حسم أمر عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، حيث من المقرر أن تلعب مصر دوراً في هذا الإطار".
تنسيق لإنجاح القمة العربية
وفي السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي، إن "زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السعودية، مهمة، ومن الواضح أن القاهرة والرياض تنسقان الآن قبل عقد القمة العربية في مايو المقبل، وطبعاً ملف سورية هو الحاضر، من خلال دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور هذه القمة العربية، وصدور قرار من مؤسسة القمة العربية بعودة سورية، مثلما حدث مع مصر بعدما تم تجميد عضويتها في الجامعة العربية بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، فبالتالي هناك قرار من مؤسسة القمة لا بد أن يصدر قبل دعوة بشار وما إلى ذلك".
بن سلمان يرغب أن تكون القمة العربية التي ستستضيفها بلاده مختلفة من حيث التمثيل والملفات
ويضيف فهمي أن "عودة سورية إلى الجامعة العربية ملف مهم، لكن هناك قضايا أخرى متعلقة بالبلدين، سواء الملف الإيراني بالنسبة للسعودية، أو الملف التركي بالنسبة لمصر". ويلفت فهمي في هذا السياق إلى "وجود معادلات كبيرة تتشكل الآن وهناك تغيرات بنيوية هيكلية في مجرى العلاقة تتطلب تنسيقاً مباشراً في هذا الإطار، خصوصاً أن استئناف العلاقات بين السعودية وإيران سيرتب ارتدادات إقليمية وعربية كبيرة، لا سيما أن إيران مشتبكة في ملفات كثيرة في الإقليم، في سورية واليمن وفي أمن الخليج وفي الاشتباك المحتمل مع إسرائيل".
ويتابع أستاذ العلوم السياسية المصري بقوله إنه "بالنسبة للعلاقات التركية مع مصر، فهناك الملف الليبي والملف السوري وشرق المتوسط، وهناك جملة من التقاطعات التي تتطلب تنسيقاً مباشراً بين الرياض والقاهرة، وهو أمر مهم بالنسبة للطرفين". وفي تقديره، فإن "هذا التنسيق سيأخذ بعض الوقت، ولكن هناك رغبة من القاهرة والرياض بتطوير مجالات التعاون المشتركة".
ويضيف فهمي أن "التعاون الثنائي مستقر بين البلدين، والاستثمارات السعودية مقدرة في مصر، لكن ستبقى القضايا الإقليمية، والقضايا محل الاشتباك المشترك في الإقليم هي الأهم"، معرباً عن اعتقاده بأن "هناك توافقات كبيرة وإرادة سياسية تتشكل بين البلدين، هدفها الرئيسي المصالح المشتركة في ظلّ المعادلات الكبرى التي تجري في الإقليم في هذا التوقيت".
من جهته، يرى أستاذ العلاقات الدولية محمد نشطاوي أن زيارة السيسي إلى السعودية "تأتي في سياق متسم بعدد من التطورات، أولها السياق الداخلي وهو أن هذه الزيارة تأتي بعد كثير من اللغط الذي راج في الأسابيع الماضية بين عدد من الإعلاميين المصريين ونظرائهم السعوديين، خصوصاً في ظل رفض المملكة العربية السعودية تزويد مصر أو منحها أموالاً من أجل تجاوز صعوبات الأزمة الاقتصادية، فالمواطن المصري يعيش موجة تضخم كبيرة، صاحبها عدد من التوترات التي تمس الطبقة الفقيرة التي تأثرت بموجات الغلاء، وترى أن الحكومة لم تقم بأي تدابير اجتماعية تخفف وطأة هذا الغلاء".
طارق فهمي: توافقات كبيرة وإرادة سياسية تتشكل بين البلدين في ظلّ معادلات كبرى تجري في الإقليم
ويضيف أستاذ العلاقات الدولية أن "السياق الثاني هو أن هذه الزيارة تأتي بعد الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية، وحتى الآن لم يتم الإفصاح عن فحوى هذا الاتفاق". ويلفت إلى أنه "صحيح أن المملكة العربية السعودية وجدت في هذا الاتفاق تخفيفاً من حدة الانتقادات التي لزمتها في ما يتعلق بالحرب في اليمن، وكذلك ما عاشته عدد من المنشآت السعودية نتاج الهجوم المتكرر من الطائرات المسيرة أو الصواريخ الحوثية، وهذا ما دفعها إلى محاولة تخفيف هذه العمليات بوساطة صينية مع إيران، لكن بعض مضامين هذا الاتفاق لم تخرج إلى حيز الوجود بعد". ويشدد على أن "الكل يحاول البحث عما يمكن أن يسفر عنه هذا الاتفاق الذي لا نعرف ما هي أبعاده حتى الآن، خصوصاً في ما يتعلق الدور الصيني المستقبلي في المنطقة، وهل الولايات المتحدة سترضى عن هذه الوساطة، وبمزاحمة الصين لها في المنطقة؟".
ويقول أستاذ العلاقات الدولية إن "هناك أيضاً المناقشات حول القمة العربية المقبلة في الرياض، وبعض المواقف التي يجب تبنيها، لا سيما الموقف من دعوة سورية إلى القمة، وإلى أي حد هناك تنسيق في ما يتعلق بالقضايا المدرجة، مثل كيفية التعامل مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي تتبنى مبدأ التغول الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، والحراك الإسرائيلي، وإلى أي حد يمكن أن تكون هناك مساهمة عربية من أجل العمل على الضغط عليها".
ويضيف نشطاوي أن "هناك أيضاً العلاقات العربية - العربية في ظل التوتر بين المغرب والجزائر، والتعيين الجديد لولي العهد في الإمارات (تعيين خالد بن محمد بن زايد ولياً للعهد في أبوظبي)، وأبعاد ذلك، كلّها قضايا يجب التباحث فيها". وبرأيه، فإنه "لا يجب أن ننسى كذلك بأن حتى الوضع الاقتصادي والاجتماعي في مصر هو محل بحث لأن الرئيس المصري ما انفك يبحث عن دعم خليجي، ورأينا كيف ذهب إلى قطر والإمارات بحثاً عن ذلك، لا سيما أن الاحتقان وصل إلى مرحلة تنبئ بانفجار".