توقع مراقبون وخبراء في مجال المياه أن تبدأ عملية الملء الرابع لسد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل الأزرق، ويقول كل من السودان ومصر إنه يهدد نصيبهما من مياه النيل، في شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، وذلك على الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث لإنهاء الأزمة المستمرة بينها منذ أكثر من عشر سنوات.
وقالت مصادر دبلوماسية غربية وأفريقية لـ"العربي الجديد"، إن المحادثات التي أجراها المسؤولون المصريون في العاصمة الأميركية واشنطن، الشهر الماضي، في أثناء مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة القادة الأميركيين والأفارقة برئاسة جو بايدن، مع المسؤولين الأميركيين، والتي تناولت أزمة سد النهضة، لم تسفر في الواقع عن أي جديد في الأزمة، وذلك على الرغم من التصريحات الأميركية الداعمة لموقف مصر.
السيسي يطالب بـ"حل الأزمة الوجودية"
وكان السيسي قد طالب خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن بضرورة تدخل الإدارة الأميركية لحل ما وصفها بـ"الأزمة الوجودية"، والضغط مجدداً على إثيوبيا من أجل التوصل إلى اتفاق عاجل بين كل الأطراف، والتوصل إلى "اتفاق قانوني شامل وملزم" يمكن أن يحقق شيئاً جيداً وفقاً للمعايير والأعراف الدولية.
وهو ما أكدت عليه وزارة الخارجية الأميركية بضرورة "التوصل إلى تسوية دبلوماسية تحمي مصالح جميع الأطراف"، وردت عليه وزارة الخارجية الإثيوبية مؤكدة أن أديس أبابا "ملتزمة بالمفاوضات الثلاثية، وأنها تراعي مخاوف مصر من أزمة نقص المياه".
خبير فني: مصر لا يمكن أن تتنازل عن حصتها في مياه النيل
وكان البيت الأبيض قد أعلن في 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بحث مع السيسي الشراكة الاستراتيجية متعددة الأوجه بين واشنطن والقاهرة، وأكد دعم الولايات المتحدة للأمن المائي لمصر، وكذلك القرار الدبلوماسي بشأن سد النهضة الإثيوبي الذي من شأنه حماية مصالح جميع الأطراف.
يقول أحد الخبراء الفنيين في مجال المياه، ومطلع على ملف المفاوضات مع إثيوبيا، إن أديس أبابا "تستعد حالياً لعملية الملء الرابع لسد النهضة في شهر يناير الحالي، من دون إبداء أي بادرة حسن نية للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وشامل مع مصر والسودان، يراعي مصالح الدول الثلاث، ويحفظ الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل والمقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه، وأيضاً حقوق السودان المقدرة بـ18 ملياراً". ويضيف المصدر أن "مصر، التي تعاني شحاً في المياه يصل إلى درجة الفقر المائي، لا يمكن أن تتنازل عن حصتها في مياه النيل".
دبلوماسي مصري سابق وخبير بالشؤون الأفريقية قال إن "التعويل على الدعم الأميركي لقضية مصر الخاصة بمياه النيل، لن يؤدي إلى أي فائدة، ذلك لأن الاتحاد الأفريقي هو المخول قانوناً بالتدخل في الأزمة، بموجب بيان مجلس الأمن الدولي، وبموجب موافقة الدول الثلاث".
وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "على الرغم من أن الاتحاد الأفريقي فشل على مدار السنوات الماضية في الوصول إلى إحراز أي تقدم، إلا أن القاهرة لا يمكن أن تلجأ إلى أي طرف خارجي آخر للتوسط في الأزمة، لأن إعلان المبادئ الذي وقعت عليه مصر والسودان وإثيوبيا عام 2015 في العاصمة السودانية الخرطوم، يشترط في حال اللجوء إلى الوساطة، أن توافق الدول الثلاث عليها، وهو ما ترفضه إثيوبيا دائماً متمسكة برعاية الاتحاد الأفريقي فقط للمفاوضات دون غيره من الجهات".
إثيوبيا تستعد للملء الرابع
وتوقع الدبلوماسي المصري السابق "مع اقتراب الملء الرابع لسد النهضة الإثيوبي، أن تثور الأزمة مجدداً بين البلدان الثلاث، لكنها ستكون ثورة كلامية فقط مثل المرات الماضية التي أعلنت خلالها أديس أبابا عن انتهاء عمليات الملء السابقة، وذلك لأنه لا يوجد شيء جديد في القضية".
وأضاف أن "الدبلوماسية المصرية تسعى دائماً لإقناع المجتمع الدولي، خصوصاً دول العالم الكبرى، بأن السد الإثيوبي مشكلة تهدد الأمن والسلم الدوليين، لأنها تشكل خطراً على حياة الملايين في مصر، ولكن كل ذلك لن يؤدي إلى نتيجة، إلا في حال أثبتت القاهرة بالأدلة القاطعة أن السد تسبب في ضرر جسيم لها، بحسب إعلان المبادئ".
دبلوماسي مصري سابق: التعويل على الدعم الأميركي لمصر لن يؤدي إلى نتيجة
وينص إعلان المبادئ بشأن سد النهضة في المبدأ الثالث وهو "عدم التسبب في ضرر ذي شأن" على أنّه "ستتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق/ النهر الرئيسي"، و"على الرغم من ذلك، ففي حال حدوث ضرر ذي شأن لإحدى الدول، فان الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر عليها، في غياب اتفاق حول هذا الفعل، اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً".
وحول هذا البند، اعتبر الدبلوماسي المصري السابق أنّ "البند يشترط أن يكون الضرر (ذا شأن)، وهي جملة مطاطة لا يمكن إثباتها بسهولة، كما أن إثبات الضرر يقع على عاتق الدول المتضررة بطبيعة الحال، وهو ما يتطلب أدلة قاطعة تقدمها هذه الدولة إلى العالم، وبناء عليه يمكنها أن تطلب تدخل مجلس الأمن، وهو الأمر المستبعد في الوقت الحالي".
وكان أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة عباس شراقي قد كتب في منشور على صفحته في "فيسبوك": "لا أحد يعلم بالتحديد كمية التخزين التي ستتم في عملية الملء الرابع لسد النهضة"، مضيفاً أنّ "إثيوبيا أيضاً لا تعلم كمية التخزين في الملء الرابع".
وأشار إلى أنه "يتم رصد سد النهضة وجميع المتغيرات التي تحدث فيه، من خلال أقمار اصطناعية قادرة على رصد الأهداف بدقة كبيرة على سطح الأرض"، وذكر أن الأقمار الاصطناعية "رصدت بدقة ما يحدث في سد النهضة، ورصدت في 20 ديسمبر الماضي عودة دوامات خفيفة بالسد، ما يدل على تشغيل ضعيف لأحد التوربينين والمياه القليلة التي تأتي لسد النهضة من بحيرة تانا وبعض الأمطار".