بعثت مصر قبل أيام، بخطاب إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، أكدت فيه رفضها مواصلة إثيوبيا الملء الثالث لسد النهضة، محل النزاع بينها وبين مصر والسودان.
الخارجية المصرية تعترض لدى مجلس الأمن
وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، في بيان يوم الجمعة الماضي، أن وزير الخارجية سامح شكري "وجّه خطاباً إلى رئاسة مجلس الأمن الدولي لتسجيل اعتراض مصر ورفضها التام لاستمرار إثيوبيا في ملء سد النهضة بشكل أحادي من دون اتفاق مع مصر والسودان حول ملء وتشغيل هذا السد".
وأشار البيان المصري إلى أن "مواصلة أديس أبابا للملء بمثابة مخالفة صريحة لاتفاق إعلان المبادئ المبرم عام 2015، وانتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، والتي تلزم إثيوبيا، بوصفها دولة المنبع، بعدم الإضرار بحقوق دول المصب".
وذكر وزير الخارجية المصري في الخطاب أن بلاده "سعت خلال المفاوضات التي جرت على مدار السنوات الماضية، للتوصل إلى اتفاق عادل ومنصف حول سد النهضة، إلا أن إثيوبيا أفشلت كافة الجهود والمساعي التي بذلت من أجل حل هذه الأزمة".
دبلوماسي مصري في واشنطن: الخطاب الموجه من شكري إلى مجلس الأمن اقترحته البعثة الدبلوماسية المصرية في الأمم المتحدة منذ 4 أشهر
وأكدت القاهرة في خطاب شكري إلى مجلس الأمن "أن الدولة المصرية لن تتهاون مع أي مساس بحقوقها أو أمنها المائي، أو أي تهديد لمقدرات الشعب المصري الذي يمثل نهر النيل شريان الحياة الأوحد له".
ودعا الخطاب مجلس الأمن الدولي إلى "تحمل مسؤولياته في هذا الشأن، بما في ذلك من خلال التدخل لضمان تنفيذ البيان الرئاسي الصادر عن المجلس (سبتمبر/أيلول 2021) والذي يلزم الدول الثلاث بالتفاوض من أجل التوصل لاتفاق حول سد النهضة في أقرب فرصة ممكنة".
ووصف دبلوماسي رسمي مصري في حديث مع "العربي الجديد" الخطوة بأنها "تحصيل حاصل" و"إثبات حالة".
من جهته، كشف دبلوماسي رسمي مصري آخر موجود في واشنطن، لـ"العربي الجديد" أن الخطاب الموجه إلى مجلس الأمن أخيراً، كان مقترحاً من البعثة الدبلوماسية المصرية في الأمم المتحدة منذ أربعة أشهر، مضيفاً أن مقترح البعثة "كان أن يتم التقدم بالخطاب عقب الإعلان الرسمي عن استعدادات إثيوبيا للملء الثالث بشكل أحادي". وأشار إلى أنه "تمّ تجديد التوصية بعد تصريحات صدرت عن مسؤول رسمي إثيوبي، اعترف خلالها بآثار جانبية للسد على السودان ومصر".
وأقر المدير العام لسد النهضة الإثيوبي، كيفلي هورو، نهاية مايو/أيار الماضي، للمرة الأولى، بوجود آثار جانبية على مصر والسودان من عملية الملء، مشيراً إلى التخزين الثالث. وقال هورو في لقاء تلفزيوني: "قد تكون هناك آثار جانبية لسد النهضة، لا يمكن إنكار ذلك، لكنها ليست بمثابة الضرر الحقيقي، وهذه الآثار الجانبية تكون في فترات الملء، ولهذا تملأ إثيوبيا سد النهضة على مراحل، لمراعاة شؤون الدول الأخرى".
وأضاف الدبلوماسي المصري: "لسبب غير مفهوم للمسؤولين عن الملف في الخارجية المصرية، تأخرت مصادقة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي على التوصية، ليتم تنفيذها بعد أربعة أشهر من صدورها، ما جعل القاهرة تبدو في موقف رد الفعل، خصوصاً أن عملية الملء الثالث قاربت على الانتهاء".
من جهته، وصف دبلوماسي مصري سابق، كان معنياً بالشأن الأفريقي في وزارة الخارجية المصرية، الإجراء، بـ"قلة الحيلة"، قائلاً: "هذا الخطاب في التوقيت الراهن هو لإثبات حالة فقط، خصوصاً أن عدم إرساله يعني موافقة وترحيباً ضمنياً من جانب مصر بالخطوة".
وبدأت أديس أبابا الملء الثالث لسد النهضة رسمياً في 11 يوليو/ تموز الماضي، ضاربة عرض الحائط بالملاحظات المصرية الرافضة لاستكمال عملية الملء، وكذا التشغيل، دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لجميع الأطراف.
وكشفت صور التقطت عبر الأقمار الاصطناعية، في 23 يوليو الماضي، أن منسوب بحيرة السد ارتفع إلى 585 متراً فوق سطح البحر بعد مرور 12 يوماً من بدء التخزين، فيما قاربت أديس أبابا على الوصول إلى المليار الرابع من الكيلومترات المربعة من المياه المخزنة خلال الملء الثالث.
نقل السيسي أخيراً طلباً لبايدن لاستضافة واشنطن لقاء لقادة الدول الثلاث
من جهته، قال أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة، في حديث مع "العربي الجديد" إن الإحاطة الموجهة من مصر عن طريق البعثة الدائمة المصرية بالأمم المتحدة في نيويورك إلى مجلس الأمن بشأن ملف سد النهضة، تهدف إلى "تنبيه" المجلس لأن الأزمة "تهدد السلم والأمن الدوليين"، وفقاً للمصطلح الوارد في المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة.
وأكد سلامة، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "مصر يجب أن تبحث عن حلول إبداعية للمشكلة من خارج الصندوق، وبعيداً عن لغة القانون الدولي، لإيصال رسالة قوية إلى إثيوبيا، عن طريق أصدقاء مصر والسودان في المنطقة وخارجها، بأن النهج الإثيوبي الانفرادي المتعنت لن يفلح، ولا بد من وجود آليات محددة وسلمية دبلوماسية".
وأوضح سلامة أن مصر "تلجأ للوسائل الدبلوماسية والقانونية والسلمية، لتسوية النزاع في إطار ميثاق الأمم المتحدة". واعتبر أن "الأسهل والأجدى أن تقف مصر وقفة استراتيجية وتعيد المواقف وتراجع الآليات التي تُركت بالكامل، وتحاول اتباع وسائل سلمية أخرى في حلحلة الموقف المأزوم منذ عام 2011".
السيسي يطلب لقاء ثلاثياً في واشنطن
في غضون ذلك، كشف المسؤول الدبلوماسي المصري في واشنطن أن "المبعوث الأميركي الخاص بمنطقة القرن الأفريقي مايك هامر، تلقى خلال زيارته أخيراً العاصمة المصرية، مطلباً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، متعلقاً بأزمة سد النهضة".
وأوضح المسؤول المصري أن السيسي "طالب هامر بنقل مطلب للرئيس الأميركي جو بايدن يدعوه خلاله لاستضافة لقاء ثلاثي بين قادة الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا برعايته للتباحث بشأن الأزمة، على هامش القمة الأميركية الأفريقية على مستوى القادة، والتي ستنعقد في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر/كانون الأول المقبل".
وزار هامر القاهرة الأسبوع الماضي، ضمن جولة تشمل الإمارات وإثيوبيا (تنتهي اليوم الإثنين بحسب الخارجية الأميركية) لتحريك ملف أزمة سد النهضة وتشجيع البلدان الثلاثة على التوصل لحل.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جيرالدين غريفيث، قالت أخيراً إنه "لا يمكن فرض حل من أي طرف خارجي بشأن أزمة السد"، مشيرة إلى أن "الولايات المتحدة تتفهم أهمية مياه نهر النيل لجميع البلدان الثلاثة، وتشجع الدول الثلاث على استئناف الحوار لأن الحل لن ينتج إلا عبر المحادثات بين الدول الثلاث".
سد النهضة في كواليس قمة جدة
وسعى المسؤولون المصريون إلى إدراج قضية سد النهضة على أجندة قمة جدة التي عُقدت الشهر الماضي، بين الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة دول الخليج ومصر والأردن والعراق، باعتبارها أزمة تخص منطقة مؤثرة في محيط علاقات الدول المشاركة بها. لكن الأمر "قوبل برفض من جانب المسؤولين الأميركيين، الذين اقترحوا أن يتم ذكر القضية في اللقاء الثنائي بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي فقط، مع رفض الإشارة إليها أيضاً في البيان الختامي للقمة الموسعة"، بحسب مسؤول غربي مطلع على كواليس القمة.
أطراف عربية رفضت دعم المقترح المصري بإدراج أزمة السد في أجندة موضوعات قمة جدة
المسؤول الغربي نفسه أشار في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أطرافاً عربية رفضت دعم المقترح المصري بإدراج أزمة السد على أجندة موضوعات قمة جدة"، مرجعاً ذلك إلى أن "إضافة الأزمة ستؤدي إلى تشتيت الانتباه عن قضايا أكثر إلحاحاً في الوقت الراهن".
إلا أن دبلوماسياً مصرياً اعتبر أن "السبب الحقيقي وراء عدم إدراج أزمة السد، ربما يرجع إلى رغبة بعض الأطراف الخليجية التي تملك مصالح واسعة مع إثيوبيا، في عدم افتعال أزمة معها، بخلاف الإدارة الأميركية التي تتبنّى موقفاً محايداً في الأزمة".
واستقبلت مصر بدء إثيوبيا الملء الثالث لسد النهضة، بسكون، وذلك على الرغم من تصريحات سابقة للسيسي في 13 يونيو الماضي حذر فيها من المساس بحصة بلاده.
وأشار الدبلوماسي المصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى خلافات بين المستويين الدبلوماسي والاستخباري الذي يعد المشرف الرئيسي على ملف أزمة سد النهضة. وقال المصدر إنه "طوال الفترة الماضية، كانت هناك ملاحظات لمسؤولين في وزارة الخارجية بشأن التعامل مع ملف الأزمة، إلا أن تلك الملاحظات كانت تذهب إلى المسؤولين في جهاز المخابرات العامة، ثم تعود إما بعد حذف أجزاء كبيرة منها، أو معدلة بشكل يخل بمضمونها وتأثيرها".
تمسك غير ذي جدوى بالمسار التفاوضي
في مقابل ذلك، قال مسؤول دبلوماسي آخر إن "التعويل على أي مسار تفاوضي مع إثيوبيا لن يكون ذا جدوى"، متسائلاً: "ما هي الجدوى ولماذا الإصرار على العودة إلى طاولة المفاوضات مجدداً؟".
ولفت المصدر إلى أن "هناك اتفاقية شاملة بشأن ملء وتشغيل السد تم التوافق عليها خلال مفاوضات واشنطن عام 2020 برعاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وبمشاركة ممثلي الدول الثلاث، وهي الاتفاقية التي تنصّلت منها أديس أبابا ورفضت الالتزام بها أو إدخالها حيز التنفيذ، على الرغم من أنها برعاية أكبر دولة في العالم".
وأكد المسؤول أن "التعامل في إطار الحلول الدبلوماسية، أو ممارسة أو مطالبة ضغط هنا أو هناك من جانب أي من القوى الدولية الكبرى، لن يكون ذا جدوى". وأضاف أن "القاعدة تقول: إذا قمنا بتجربة نفس الطريقة أو الأسلوب فلن يؤدي إلا إلى نفس النتيجة".
وتابع: "لا بد للقيادة السياسية المصرية أن تتبع أساليب جديدة، سواء للضغط على إثيوبيا أو للضغط على القوى الدولية للقيام بواجباتها، خصوصاً أن مصر دولة ليست قليلة في المنطقة، وأي مساس بأمنها سيؤدي إلى كارثة عالمية".
ولفت المسؤول إلى أنه "دائماً ما تُردد القيادة السياسية ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني شامل وملزم، وفي المقابل تمسكت أديس أبابا برفض تلك الصيغة خلال كل جولات التفاوض الرسمية وغير الرسمية، لاعتبار أن ذلك يعد مساساً بسيادتها على مورد ينبع من أراضيها". واستطرد أن "المعضلة الأساسية تكمن في رفض إثيوبيا للاتفاق الملزم وكذلك رفضها للمحاصصة القديمة بين مصر والسودان لمياه النيل ومطالبتها بالحصول على حصة واضحة، في الغالب لن تقل عن 25 مليار متر مكعب".
وحول الدور المصري بشأن منع قوارب الهجرة غير النظامية من أفريقيا إلى أوروبا، واستخدام ذلك كورقة ضغط على الأوروبيين، قال الدبلوماسي المصري: "للأسف هناك عدم إدراك كافٍ بتلك الخطوة، لأن من يردد ذلك، لا يعلم أن مصر تحصل من الأوروبيين على ملايين الدولارات في صورة مساعدات من أجل أداء هذا الدور، بخلاف تسهيلات كبيرة تقدّمها تلك الدول لمصر لدى المؤسسات الدولية المانحة".
وأضاف: "على أرض الواقع كل المحاولات الدولية بشأن الوساطة أو لعب دور نحو العودة للمفاوضات، لم تكن بالجدية الكافية، والجميع كان يتحرك من منطلق ضمان عدم انزلاق الأوضاع إلى الأسوأ". ورأى أنه "طالما أن الأمور تسير على ما يرام، ولا تثير مصر أي أزمات، فسيبقى الوضع على ما هو عليه، خصوصاً أن النهج الإثيوبي يعمل في المقام الأول على كسب الوقت واللعب على عنصر الزمن حتى ينتهي تماماً من عمليات الإنشاء والملء.