سراقب.. مدينة استراتيجية خسرها النظام السوري في عمق إدلب

30 نوفمبر 2024
فصائل المعارضة السورية تدخل مدينة سراقب الاستراتيجية، 29 نوفمبر 2024 (بكر قاسم/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- السيطرة الاستراتيجية على سراقب: تمكنت المعارضة السورية من السيطرة على سراقب، المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، لوقوعها عند تقاطع الطريقين الدوليين "إم 5" و"غم 4"، وقربها من المطارين العسكريين أبو الظهور وتفتناز.

- الحراك المدني والثقافي: اشتهرت سراقب بالحراك المدني النشط وفن "الغرافيتي"، وشهدت حركة فنية ومسرحية من خلال "تجمع شباب سراقب"، وكانت رائدة في تنظيم أول انتخابات ديمقراطية للمجلس المحلي.

- التدمير والنهب الممنهج: تعرضت سراقب لقصف وتدمير ممنهج من قوات النظام، وحملات نهب واسعة عُرفت بـ"التعفيش"، مما أدى إلى زيادة الفقر والتشرد بين السكان.

شجعت الانهيارات الكبيرة في صفوف قوات النظام السوري على جبهات حلب قيادة ومقاتلي عمليات معركة "ردع العدوان" لتفتح في اليوم الثاني للمعركة محوراً للقتال شرقي إدلب، شمال غربي سورية، هدفه الوصول إلى مدينة سراقب والسيطرة عليها، وهذا ما حصل يوم أمس الجمعة، حين أعلنت عمليات "ردع العدوان" السيطرة الكاملة على المدينة الاستراتيجية والمهمة.

وانسحبت قوات النظام والمليشيات الموالية لها، لا سيما المدعومة من روسيا وإيران، تحت ضربات المعارضة وزحف المقاتلين إليها، بعد مقاومة لا تذكر، لتقف بذلك المعارضة على عقدة تقاطع الطريقين الدوليين: حلب - دمشق المعروف بطريق "إم 5"، والحسكة - حلب - اللاذقية المعروف بطريق "غم 4"، وهما الشريانان الحيويان في البلاد.

في العمليات التي سبقت وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه كل من روسيا وتركيا في ربيع العام 2020، كان الوصول إلى سراقب الهدف الرئيسي لقوات النظام والمليشيات المساندة له، نظراً إلى أهمية المدينة كونها عقدة الطريقين التجاريين الأساسيين في البلاد، وأيضاً لقربها من المطارين العسكريين: مطار أبو الظهور، الذي استعاد النظام السيطرة عليه بعد أن كان تحت قبضة المعارضة، والثاني مطار تفتناز الذي لا يزال تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وتوجد داخله حالياً قاعدة تركية كبيرة.

في تلك العمليات، وقبل ساعات قليلة من إعلان وقف إطلاق النار الذي وقعه الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، استعاد النظام السيطرة على المدينة، بعد أن كان قد سيطر عليها في بداية فبراير/ شباط 2020 ثم استعادتها المعارضة بعد أيام، قبل أن تميل الكفة في النهاية للنظام في ظل القصف الروسي، وتدخل المليشيات المدعومة من روسيا وإيران، وحزب الله إلى جانبه، ما يشير إلى أهمية المدينة عند كل الأطراف.

سراقب في ذاكرة الثورة

ارتبط اسم مدينة سراقب، شرق مركز محافظة إدلب، والواقعة في ريف المحافظة الأوسط، في ذاكرة الثورة بألوانها والحراك المدني النشط فيها، حيث اشتهرت منذ بداية الثورة على النظام في ربيع العام 2011 بجدرانها الملونة، أو ما عرف بظاهرة "حيطان سراقب"، التي حملت على أحجارها عبارات ورسومات باستخدام فن "الغرافيتي"، لتوجيه بوصلة الثورة في المدينة نحو السلمية والتآخي وتعزيز قيم التعايش، إلا أن تلك الرسومات والعبارات اخترقت جدران سراقب، حتى وصلت، من خلال وسائل التواصل، إلى السوريين جميعاً، بل وحتى العالم.

كما عرفت المدينة، خلال سيطرة المعارضة عليها في السابق، حركة نشطة للمسرح، من خلال عشرات الأعمال الفنية التي كان أبطالها شباب المدينة المحترفون أو الهواة في هذا المجال، والذين لم يحصروا نطاق فنهم بمدينتهم، بل جالوا به في كافة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، سواء من خلال تقديم العروض المسرحية أو انتشار الأعمال الدرامية على وسائل التواصل، ومعظم هؤلاء ينضوون تحت منصة أسموها "تجمع شباب سراقب" التي تنشط بقوة في المجال الفني.

كما شهدت سراقب حراكاً مدنياً ومجتمعياً فاعلاً، ليس على مستوى المنظمات العاملة فيها وحسب، وإنما على المستوى الشعبي، فقد عرفت أول انتخابات عامة وديمقراطية لاختيار المجلس المحلي فيها، وشارك فيها معظم الأهالي في المدينة، في تجربة كانت رائدة على مستوى المدن والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام. ووُصفت تجربة الانتخابات، من مراقبين خارج سورية، بأنها الأولى من نوعها بشكل ديمقراطي حقيقي في سورية منذ تولي النظام السلطة قبل 50 عاماً، حيث جاءت انتخابات سراقب عامة، وأتاحت المشاركة لجميع السكان، وشهدت حالة تنافس كبيرة بكافة الوسائل التنافسية المتبعة في الانتخابات، واستخدمت أساليب إيجابية وأخرى سلبية من قبل المرشحين للوصول إلى النجاح، وصنعت تلك الانتخابات جواً إيجابياً قل مثيله داخل المدينة وخارجها، لدرجة أنه جرى التطرق إليها بإيجابية داخل الكونغرس الأميركي بالحديث عن أول تجربة ديمقراطية في مدينة خارجة عن سيطرة النظام بالمشاركة مع منظمات دولية".

تدمير ونهب ممنهج

خلال عمليات السيطرة على سراقب من قبل النظام في معارك العامين 2019 - 2020، وحتى ما قبل ذلك حين كانت المعارضة تسيطر على المدينة، تعرضت سراقب لقصف عنيف وتدمير كبير طاولا أحياءها ومنازلها ومرافقها العامة، لكن الأبرز هو لجوء قوات النظام والمليشيات إلى عملية طويلة من نهب المدينة، ضمن حملات عُرفت بـ"التعفيش"، أي سرقة الأثاث وملحقات المنازل، وتلك الحملات طاولت بشكل ممنهج كل المدن والبلدات التي سيطرت عليها قوات النظام شمال غربي سورية.

وفي تقرير صدر عن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في مايو/ أيار من العام 2020، أي بعد نحو شهرين من السيطرة على سراقب وجارتها معرة النعمان، كبرى مدن إدلب من جهة الجنوب، قالت الشبكة إن "تدمير مدينتي معرة النعمان وسراقب (جنوبي ووسط إدلب) وتشريد السكان، نموذج واضح عن تكتيك النظام السوري الذي اتبعه ضمن الحملة العسكرية الأخيرة التي بدأت منذ مطلع ديسمبر/ كانون الأول من العام 2019 واستمرت حتى مارس/ آذار 2020"، مشيرة إلى أنَّ "تدمير المدن وما حولها، وتشريد أهلها، والسطو على ممتلكاتهم، ثلاثية النظام السوري الخبيثة لمعاقبة المطالبين أو الحالمين بالتغيير السياسي".

وطبقاً للتقرير حينها، فإن "تشريد أهالي مدينتي معرة النعمان وسراقب مرتبط بشكل عضوي بعملية الدمار، لأن عمليات تدمير المدن والبلدات كانت هدفاً مقصوداً من أجل دفع الأهالي نحو الاستسلام والتشرد والذل"، واعتبر التقرير أن "المشردين عادة ما يكونون أكثر فئات المجتمع فقراً، نظراً لخسارة منازلهم ومحتوياتها، ومحالهم التجارية".

كما تُعدّ سراقب قلب "منطقة خفض التصعيد" الرابعة التي أُقرّت ضمن تفاهمات مسار أستانة (الروسي، الإيراني، التركي)، والتي قضم النظام ثلاثة أجزاء منها في جنوب سورية، وريف دمشق، وحمص، وأوقف اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020 ابتلاع النظام وروسيا منطقة خفض التصعيد الرابعة، التي تضم كامل محافظة إدلب، وأجزاء من أرياف حماه الغربي والشمالي وحلب الجنوبي والغربي واللاذقية الشرقي، وخضعت تلك المنطقة لتفاهمات مباحثات أستانة، وبعدها اتفاق سوتشي بين الرئيسين بوتين وأردوغان في سبتمبر/ أيلول 2018، إلا أن قوات النظام تقدمت بدعم روسي وإيراني في جنوبها، في معارك امتدت بين إبريل/ نيسان وأغسطس/ آب من العام 2019، وقضمت جزءاً كبيراً من ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي الواقعين ضمن حدود المنطقة، واستأنفت معاركها في أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه جنوب شرقي إدلب، وسيطرت على أكثر من 50 مدينة وقرية، أهمها مدينة معرة النعمان، ووصلت إلى عمق المحافظة بالسيطرة على مدينة سراقب.

المساهمون