على الرغم من الهدوء النسبي الذي شهده ريف حماة الشرقي خلال الأيام الماضية، بعد استعادة قوات النظام السيطرة على حاجزي الدلاك والمزيرعة، إثر اقتحامهما من فيلق الشام التابع لتنظيم "داعش"، يوم السبت الماضي، إلا أن التطورات في تلك المنطقة تشير، إلى استجابة تنظيم "داعش" لمحاولات النظام جرّه في اتجاه مدينة سلمية التي تقطنها أغلبية من الطائفة الإسماعيلية.
ويبدو أن النظام يحاول كسب ود التحالف الدولي من أجل اعتماده رسميّاً كشريك في محاربة الإرهاب، من خلال استنساخ تجربة شنكال في إقليم كردستان العراق، وتطبيقها على مدينة سلمية وريفها، عبر جرّ "داعش" لاجتياح المنطقة وتهجير سكانها الذين يعتبرهم التنظيم "روافض يجب قتلهم وسبي نسائهم".
وتجربة شنكال في شمال العراق، التي انسحبت خلالها قوات البشمركة أمام تنظيم "داعش" الذي اقتحم المنطقة، وهجّر سكانها من الطائفة الأزيدية، ساهمت في تسريع اعتماد البشمركة كشريك أساسي في محاربة التنظيم وتزويدها بسلاح وعتاد، الأمر الذي أغرى وحدات حماية الشعب الكردية في عين العرب لتكرار السيناريو نفسه حين انسحبت من قرى عين العرب وتركت "داعش" يدخلها ويهجّر أهلها، إلا أنها أتت بردود سلبية على تلك الوحدات ودفعت بالتحالف إلى استجلاب قوات من البشمركة للمؤازرة.
إلا أن ما يساعد النظام في حالة سلمية، تواجد مؤسسات للأغا خان، المرجع الروحي للطائفة الإسماعيلية، في معظم دول العالم، ما يساهم في تجييش الرأي العام الدولي ضد التنظيم. وفي ظل عدم وجود قوة معارضة معتدلة تسد الفراغ في حال طرد "داعش" من المنطقة، فهذا الأمر قد يدفع بالتحالف إلى إعطاء شرعية للنظام والتنسيق معه بشكل علني ورسمي.
لكن وجود خط الإمداد العسكري الوحيد للنظام في شرق سلمية، والذي يصل العاصمة بشمال سورية، يجعل موضوع المغامرة بترك سلمية لـ"داعش" أمراً صعباً ما لم يفتح النظام خط إمداد آخر، وهو ما يعمل عليه النظام من خلال جبهة مورك في ريف حماة الشمالي، الذي استمات في استعادة السيطرة عليها تمهيداً لفك الحصار عن معسكري وادي الضيف والحامدية، مستغلاً تشتّت المعارضة في المنطقة والاقتتال الداخلي بين فصائلها.
وكان النظام قد سحب نحو 30 آلية ثقيلة وعتاداً من قطعاته العسكرية في شرق حماة لتدعيم جبهة مورك، الأمر الذي سمح لـ"داعش" القيام بعمليات عسكرية محدودة في المنطقة سبّبت هلعاً لدى السكان، وتخوّفاً من اجتياح التنظيم لمناطقهم.
كما تم الحديث عن امتعاض قيادات من الصف الأول في النظام من تخلّف عدد كبير من سكان سلمية عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية ودعوتهم إلى تجنيد شباب سلمية للدفاع عنها ضد "داعش".
وكانت الطائفة الإسماعيلية هي الطائفة الوحيدة من الأقليات التي ثارت على النظام منذ بداية الثورة السورية، لذلك اتّبع النظام سياسة إخافتها من القوى المتطرفة وتحويل موضوع الثورة إلى مقارنة بينه وبين "داعش"، حتى أن عبارة "أنتم تحتاجون داعش ليربيكم" صارت لازمة على لسان معظم المسؤولين الأمنيين في مدينة سلمية.
ويسيطر "داعش" على غرب مدينة سلمية ضمن مثلث يقع بين مدن الرستن وتلبيسة وعز الدين، وينسّق مع قرية الكرين الموالية له لتنسيق هجمات في ريف سلمية الغربي. كما يسيطر التنظيم على مناطق واسعة شرق سلمية تمتد حتى الرقة، تبدأ من منطقتي شاعر وعقيربات اللتين يقوم التنظيم انطلاقاً منهما بعمليات على خط الإمداد العسكري للنظام (إثرية، الصبورة، السعن، الشيخ هلال) وهو خط عسكري يصل بين أماكن سيطرة النظام في المنطقة الجنوبية من سورية والمنطقة الشمالية.
كما يعمل "داعش" على استمالة القرى البدوية في ريف سلمية من أجل الاعتماد عليها كمنطلق لعملياته، من خلال اتباع أسلوب النظام بالعزف على الوتر الطائفي.
ويعتمد التنظيم أيضاً على بعض الكتائب العسكرية المعارضة الموجودة في المنطقة التي يبدو أنها بايعته في السر، كلواء العقاب الإسلامي الذي يتخذ من منطقة "قصر ابن وردان" شرق مدينة السلمية مركزاً له. وسيطر الأخير، السبت الماضي، على منطقة جبل سنجار في ريف إدلب الشرقي القريب من مدينة سلمية، بعدما انضم إليه خلال الأيام القليلة الماضية حوالي 300 عنصر من ريف حماة الشرقي، ليصبح تعداده حوالي 500 عنصر، بقيادة صدام خليفة الملقّب بـ"أبي إسلام"، والذي يتحدر من عشيرة "موالي الخليفة" من مدينة حماة.