لم تكد تهدأ الضجة التي أثارها وزير المالية الإسرائيلي، رئيس حركة "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، بعد دعوته إلى محو بلدة حوارة الفلسطينية أواخر فبراير/ شباط الماضي، حتى فجّر ضجة جديدة عندما تحدث الأحد الماضي أمام مؤتمر ضم عدداً من قادة اليهود الفرنسيين في باريس، منكراً وجود الشعب الفلسطيني واعتبره "مجرد اختراع وهمي لم يكن قائماً قبل 100 عام".
وفيما سبق لسموتريتش أن عبّر عن موقفه هذا، إلا أنه كرره هذه المرة مع عرضه أثناء كلمته أمام المؤتمر خريطة "إسرائيل الكبرى"، وشملت: فلسطين، الأردن، أجزاء من لبنان وأجزاء من سورية.
وعلى الرغم من أن الأدبيات اليهودية والإسرائيلية تزخر بالكثير من الرؤى الدينية والأيديولوجية المتفاوتة، التي حاججت بأن "إسرائيل الكبرى" يجب أن تضم مناطق عربية واسعة خارج حدود فلسطين التاريخية، إلا أنها المرة الأولى التي تصدر فيها هذه المزاعم عن وزير مهم، عضو في المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، ويتزعم حركة "الصهيونية الدينية" التي تعد ثاني أكبر مكون داخل حكومة بنيامين نتنياهو.
دعم من نخب يمينية لسموتريتش
وسارعت إسرائيل الرسمية للتنصل من تصريحات سموتريتش، إذ اتصل رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي بوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، مؤكداً أن إسرائيل تعترف بالمملكة الأردنية.
لكن نخباً في اليمين الديني اليهودي في إسرائيل سارعت إلى دعم سموتريتش والمحاججة بأن الأردن بالفعل يعد جزءاً من "إسرائيل الكبرى".
فقد ادعى النائب الإسرائيلي السابق ميخائيل بن آري، على حسابه في "تويتر"، أن الأردن هو موطن القبائل التي شكّلت ثلاثة أسباط من أسباط بني إسرائيل وهي: رؤوبين، جاد، ونصف قبائل سبط منسي. ولم يفت بن آري أن يوبّخ الأردنيين على غضبهم مما عرضه سموتريتش في خريطته.
ويستند ما كتبه بن آري إلى الأدبيات اليهودية التي تحكي أن قبائل أسباط رؤوبين، جاد، ومنسي، استوطنت قبل ألفي عام نصف مساحة الأردن، قبل أن يقتحم يوشع بن نون فلسطين، إذ تزعم أن هذه القبائل هي التي اكتشفت فلسطين وساعدت بن نون في غزوها.
دوافع سموتريتش الأيديولوجية
لم يكن سموتريتش أول من روّج لخريطة "إسرائيل الكبرى" التي تضم فلسطين والأردن وأجزاء من لبنان وسورية. فبعيد شنّ إسرائيل حربها الأولى على لبنان في 1982، بادر عدد من الحاخامات إلى إعداد خريطة لإسرائيل الكبرى تظهر فيها الأسماء العبرية لعدد من المدن اللبنانية والأردنية ومناطق في سورية.
وعلى الرغم من تنصّل الحكومة الإسرائيلية من تصريحات سموتريتش، إلا أن الخريطة التي طرحها لإسرائيل الكبرى تنسجم مع منطلقاته الأيديولوجية.
لم يكن سموتريتش أول من روّج لخريطة "إسرائيل الكبرى" التي تضم فلسطين والأردن وأجزاء من لبنان وسورية
ويدرك سموتريتش أن إسرائيل التي تستنفد أقصى طاقتها العسكرية والأمنية من أجل ضمان أمنها وبقائها، غير قادرة على احتواء الأردن، عوضاً عن أجزاء من لبنان وسورية.
لكن هذه الخريطة تنسجم مع خطة "الحسم" التي طرحها في مقال تضمّن حوالي عشرة آلاف كلمة، نشره في مجلة "شيلوح" التابعة للتيار الديني القومي في 2017، كرؤية حاجج بأنه يتوجب على إسرائيل تبنّيها لضمان حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني.
هذه الخطة تطرقت للإجراءات التي يتوجب على إسرائيل اتّباعها لحسم الصراع و"استئصال الوطنية الفلسطينية"، ومن ضمنها أن تضم إسرائيل كل المناطق غير المأهولة بالسكان في الضفة الغربية، والتي تشمل مناطق "ج" التي تشكل أكثر من 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية، على أن يتنازل الفلسطينيون عن تطلعاتهم السياسية والوطنية من خلال الموافقة على اتحاد كونفدرالي مع الأردن. وحسب الخطة، فإن الفلسطينيين الذين يقطنون المناطق المأهولة بالسكان في الضفة سيصوّتون في الانتخابات التي تجرى لانتخاب البرلمان الأردني لضمان تنازلهم عن تطلعاتهم الوطنية والسياسية.
ومن خلال طرح الخريطة التي تضم الأردن إلى "إسرائيل الكبرى"، يحاول سموتريتش التمهيد لمقايضة مع المملكة مفادها أن تنازل اليهود عن حقوقهم التاريخية في الأردن مشروط بموافقة عمّان على صيغة "الاتحاد الكونفدرالي" مع فلسطينيي الضفة الغربية.
لم يكن سموتريتش الوحيد من قادة التيار الديني المتطرف، الذين استهدفت رؤاهم الأردن لحل الصراع. فعلى الرغم من أن البرنامج السياسي لحركة "القوة اليهودية" التي يقودها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير تحدثت عن طرد الفلسطينيين إلى دول عربية، إلا أن المقصود هو الأردن، إذ تعتبر قيادات اليمين الديني في إسرائيل أنه نظراً لأن الفلسطينيين يشكلون الأغلبية الساحقة من سكان الأردن فإنه من السهل طرد الفلسطينيين في الضفة إلى هناك.
وتنضم تصريحات سموتريتش الأخيرة إلى جملة من المواقف بالغة التطرّف التي عبّر عنها في الماضي. فقبل خمس سنوات، نشرت صحيفة "هآرتس" محضر لقاء جمعه بعدد من قادة "الصهيونية الدينية"، وقال لهم إن هناك ثلاثة خيارات أمام الفلسطينيين: المغادرة، أو العمل كخدم لليهود، أو القتل. وحسب سموتريتيش فإن ما دفعه لهذا الطرح هي الفتوى التي أصدرها الحاخام موشي بن ميمون الذي عاش في القرن الثاني عشر في مصر والأندلس حول كيفية التعامل مع غير اليهود في أرض إسرائيل.
تاريخ إسرائيلي حافل بالإساءات
وعلى الرغم من مسارعة إسرائيل إلى التنصل من كلام سموتريتش الأخير حول الأردن، إلا أن للحكومات التي قادها نتنياهو تحديداً تاريخاً حافلاً بالإساءات وتعمّد خلق الأزمات مع المملكة الأردنية. ففي أغسطس/ آب 2017 استقبل نتنياهو استقبال الأبطال حارس السفارة الإسرائيلية في عمّان الذي قتل أردنيين اثنين، في تحدٍ واضح للقيادة الأردنية.
للحكومات التي قادها نتنياهو تحديداً تاريخ حافل بالإساءات وتعمّد خلق الأزمات مع المملكة الأردنية
وفي مارس/ آذار 2021 رفضت إسرائيل بقيادة نتنياهو السماح لولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله بزيارة المسجد الأقصى. كذلك تنصّل نتنياهو من الاتفاق الذي توصل إليه مع ملك الأردن عبد الله الثاني في 2015 برعاية وزير الخارجية الأميركي حينها جون كيري، والذي ينظم اقتحام المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى.
فقد التزم نتنياهو بعدم السماح لليهود بأداء الصلوات اليهودية في المسجد الأقصى وتعهد بحظر دخول قادة وعناصر حركات الهيكل التي تطالب بتدميره إلى باحاته. لكن سرعان ما ضربت إسرائيل بهذه التعهدات عرض الحائط.
كما تحدى رئيس الوزراء السابق نفتالي بينت الأردن، على الرغم من مسارعة الملك عبد الله الثاني لاستقباله بعيد تعيينه، عندما رفض أي مظهر من مظاهر السيادة للأردن داخل الأقصى.
لكن على الرغم من أنماط السوك الإسرائيلي المتحدية، فإن ركائز التعاون بين عمّان وتل أبيب لم تتأثر بشكل كبير. فالإسرائيليون يتحدثون عن تواصل التعاون الأمني والعسكري والاستخباري مع الأردن بشكل مكثف؛ فضلاً عن مشاركة الجيش الأردني في مناورات عسكرية أجريت داخل إسرائيل أو بمشاركتها في الخارج. كما طوّر الأردن أنماط شراكاته الاقتصادية مع إسرائيل، إذ وقّع على عقد لشراء الغاز منها بقيمة 10 مليارات دولار، فضلاً عن التوقيع على اتفاق "الكهرباء مقابل الماء"، والذي بموجبه سيزود الأردن إسرائيل بالكهرباء مقابل حصوله على الماء منها.