فور إعلان "المحكمة الدستورية العليا"، التابعة للنظام السوري، عن القائمة النهائية للمرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، في الانتخابات التي سيجريها النظام في 26 مايو/أيار الحالي، وفق دستور 2012، بدأ رئيس النظام بشار الأسد بإصدار قرارات ومراسيم تندرج في سياق محاولاته إضفاء شرعية على هذه الانتخابات، التي ترفضها المعارضة السورية، ويعتبرها المجتمع الدولي مزيفة وبلا قيمة سياسية.
ونصّ مرسوم جديد على تسريح فئات محددة وفقاً لإمكانية الاستغناء عن خدماتهم. وشمل الضباط المحتفظ بهم الملتحقين بالخدمة الاحتياطية ممّن بلغت خدمتهم الاحتياطية الفعلية سنتين فأكثر حتى نهاية مايو الحالي، والأطباء البشريين الاختصاصيين في إدارة الخدمات الطبية ممّن بلغت خدمتهم الاحتياطية الفعلية سنتين فأكثر حتى نهاية الشهر الحالي، وصف الضباط والأفراد المحتفظ بهم والملتحقين بالخدمة الاحتياطية ممّن بلغت خدمتهم الاحتياطية الفعلية ليس أقل من سبع سنوات ونصف السنة.
سبق قرار إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء لقوات النظام عملية ضبط قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي
وكان رئيس "المحكمة الدستورية العليا" محمد جهاد اللحام أعلن، الإثنين الماضي، أنّ المحكمة قررت اعتماد المرشحين النهائيين للانتخابات الرئاسية من دون تغيير. وأقرّ الإعلان النهائي للمحكمة، التي يعيّن بشار الأسد رئيسها وأعضاءها، قائمة المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، وهم: عبد الله سلوم عبد الله، وبشار حافظ الأسد، ومحمود أحمد مرعي. وأصدر الأسد، الإثنين، أمراً إدارياً بإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للضباط، وصف الضباط، والأفراد الاحتياطيين العاملين في جيش النظام اعتباراً من بداية يونيو/حزيران المقبل، بشرط توفر الإمكانية للاستغناء عن خدماتهم، وفق ما نقلت صفحة "رئاسة الجمهورية" التي يديرها المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري.
وسبق قرار إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء إلى قوات النظام عملية ضبط قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، فاستقرت عند سقف الـ 3000 ليرة مقابل الدولار الواحد. وكانت الليرة السورية شهدت تراجعاً غير مسبوق أمام الدولار الأميركي في الربع الأول من العام الحالي، وهو ما أدى إلى ارتفاع وُصف بـ"الجنوني" في أسعار المواد الغذائية.
وأكدت مصادر مطلعة في دمشق، لـ "العربي الجديد"، أن النظام "تعمّد اختلاق أزمات معيشية قبيل الانتخابات، ومن ثم حلّ جانبٍ منها لإقناع الشارع الموالي أنه لا يزال قادراً على التصدي للمشاكل، لدفع هذا الشارع إلى التصويت". وأشارت إلى أنه "على الرغم من أن نتائج الانتخابات محسومة لصالح بشار الأسد، إلا أن الأخير يريد طوابير أمام صناديق الانتخاب، في محاولة تبدو غير مجدية لإقناع المجتمع الدولي بنتائج هذه الانتخابات". وبيّنت أن النظام "شرع في الدعاية لهذه الانتخابات في المدن الكبرى الخاضعة له"، مضيفة: أغلب السوريين في هذه المدن غير مكترثين بها، لأنهم يعلمون أنها لن تكون خطوة في طريق حل أزمة تطحنهم منذ أكثر من 10 سنوات.
وكانت المناطق الخاضعة لسيطرة النظام قد عاشت أزمات معيشية متلاحقة، من تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، إلى ارتفاع الأسعار وانعدام المحروقات. وشهدت هذه المناطق، خصوصاً في المدن الكبرى، طوابير أمام الأفران ومحطات الوقود، تناقلت صورها وسائل الإعلام. ويحاول النظام بين فترة وأخرى تخفيف الأعباء المعيشية عن الموظفين في حكومته من خلال إعطاء "منح مالية" لهم لا تتعدى العشرين دولاراً أميركياً.
وائل علوان: قرار إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء إلى الجيش مرتبط بالعجز الحكومي
ولا يعترف المجتمع الدولي بهذه الانتخابات ونتائجها، لأنها تتجاوز قرارات دولية، أبرزها القرار 2254 الذي صدر أواخر 2015، وحدد خريطة طريق للحل السياسي في سورية تنهض به هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات. واستبقت الولايات المتحدة هذه الانتخابات بالتأكيد على لسان مندوبتها لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي أخيراً، أن "ما تُسمى الانتخابات الرئاسية، التي يخطط نظام الأسد لإجرائها، لن تكون حرة ولا نزيهة، بل مزيفة ولا تمثل الشعب السوري". ووضع النظام العراقيل أمام الأمم المتحدة كي لا تنجح المفاوضات بينه وبين المعارضة، التي تؤكد من خلال تياراتها المختلفة أن هذه الانتخابات لا قيمة سياسية أو قانونية أو شرعية لها، لأنها لا تجري في السياق الذي نص عليه قرار مجلس الأمن 2254.
من جهته، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات" وائل علوان أنه "لا يوجد رابط مباشر بين قرار إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء إلى الجيش وبين المسرحية الانتخابية التي يستعد النظام لإجرائها". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد": "هذا القرار مرتبط بالعجز الحكومي الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق". وتابع: صحيح أن جانباً من أزمة المحروقات حُلّ بعد وصول ناقلات نفط إيرانية إلى السواحل السورية، وصحيح أن النظام يوهم الناس أنه ضبط سعر الصرف، ولكن هناك عجز اقتصادي يصل إلى حد الانهيار، وعجز حكومي لم تستطع روسيا إيجاد حلول له.
ورأى علوان أن قرار إنهاء الاحتفاظ أو الاستدعاء إلى قوات النظام "محاولة لتخفيف العبء عن هذه القوات"، مضيفاً: لم يعد هناك دور وقيمة لجيش النظام، إنما تقوم بالمهام القتالية على الأراضي السورية قوات خاصة روسية ومليشيات محلية تابعة لوزارة الدفاع الروسية، إضافة إلى "حزب الله"، والمليشيات الإيرانية وبعض المجموعات المحلية المرتبطة بها والرديفة لها. كما يندرج القرار، وفق علوان، ضمن محاولات النظام الإيحاء بأن هناك استقراراً أمنياً وعسكرياً في المناطق الخاضعة له، مرجحاً قيام الأسد بإصدار قرارات عفو عن معتقلين ومساجين قبيل الانتخابات في 26 الشهر الحالي. وأضاف: ترتبط مسرحية الانتخابات عادة بقرارات إطلاق معتقلين، ولكنها تضبط بحيث يبقى معتقلو الرأي في السجون، ويطلق سراح المجرمين.
وكان الأسد قد أصدر، مطلع الشهر الحالي، "عفواً" عن مرتكبي جرائم المخالفات والجنح والجنايات، في سياق التحضير للانتخابات الرئاسية، بينما لا يزال عشرات آلاف المعتقلين السياسيين، على خلفية المشاركة في الثورة السورية التي كانت بدأت في ربيع عام 2011، في سجون النظام المختلفة، ويرفض الأخير الإفراج عنهم، بل لا تزال أجهزته الأمنية تقتل عدداً منهم تحت التعذيب. وأغلب توثيقات المنظمات المختصة تتحدث عن 125 إلى 140 ألف معتقل في سجون النظام، بينهم آلاف النساء والأطفال.