لا يكاد يمر يوم من دون أن يشهد الشمال الشرقي من سورية تسيير دوريات من ثلاث قوى لها نفوذ كبير في المنطقة تتنافس علناً من أجل ترسيخ وجودها العسكري، خصوصاً في محافظة الحسكة الغنية بالثروات البترولية والزراعية وذات الموقع الاستراتيجي والتي يتاخمها العراق شرقاً وتركيا شمالاً.
ومنعت قوات التحالف الدولي أمس الثلاثاء دورية روسية من الدخول إلى قرية حمزة في ريف الحسكة، وفق مصادر محلية، أشارت لـ"العربي الجديد" إلى أن طيران التحالف الدولي حلّق في سماء المنطقة، موضحة أن القرية باتت نقطة تمركز لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. ويؤكد هذا الحادث وما سبقه من حوادث مماثلة أن الجانب الأميركي لا يتساهل مع الدوريات الروسية التي تحاول اختراق منطقة نفوذ واشنطن في محافظة الحسكة.
منعت قوات التحالف الدولي أمس دورية روسية من الدخول إلى قرية حمزة في ريف الحسكة
وفي الشمال الشرقي من سورية الذي تسيطر على معظمه "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، توجد 3 دول هي روسيا وتركيا والولايات المتحدة، بينما لا تملك قوات النظام السوري حضوراً عسكرياً يمكّنها من القيام بدور مهم، فاكتفت بالفرجة على التنافس الكبير المحتدم بين الدول المذكورة. ويسيّر الطرفان التركي والروسي دوريات مشتركة في الشمال الشرقي من سورية، وفق تفاهم أبرمه الروس والأتراك في مدينة سوتشي الروسية في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أنهى عملية عسكرية تركية بدأت في أوائل الشهر نفسه. ونصّ التفاهم على تسيير دوريات مشتركة بعمق عشرة كيلومترات غرباً وشرقاً على الجانب السوري من الحدود باستثناء مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة السورية. ومنحت الاتفاقية الجانب التركي سيطرة مطلقة على الشريط الحدودي ما بين مدينتي تل أبيض ورأس العين على طول نحو 100 كيلومتر وعمق نحو 30 كيلومتراً، وهي المنطقة التي سيطر عليها الجيش التركي وفصائل سورية معارضة تابعة له من خلال العملية العسكرية. ونصّ الاتفاق على أن تنشر روسيا قواتها على الحدود السورية المتبقية، والبالغة نحو 300 كيلومتر في ريف الحسكة، شرق مدينة رأس العين وفي ريف حلب الشمالي الشرقي غرب مدينة تل أبيض. ووفق التفاهم نفسه، نشرت قوات النظام وحدات لها على محور بطول 90 كيلومتراً يبدأ من ريف رأس العين الشرقي غرباً، وصولاً إلى القامشلي شرقاً، غير ان هذه الوحدات بلا فعالية عسكرية على الأرض.
وسيّر الأتراك والروس منذ دخول التفاهم حيّز التطبيق أواخر العام الماضي العديد من الدوريات في منطقة عين العرب (كوباني) ذات الغالبية الكردية من السكان في ريف حلب الشمالي الشرقي وفي ريف الحسكة الشمالي. ومن الواضح أن الجانب التركي يهدف من وراء الدوريات للتأكد من خلو الحدود السورية التركية شرقي الفرات والبالغة 440 كيلومتراً من أي وجود لقوات "قسد"، التي يشكّل الأكراد ثقلها الرئيسي. وكان الاتفاق العسكري بين الجانب الروسي وقوات "قسد" في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي من أجل إيقاف العملية العسكرية التركية، قد شكّل بوابة واسعة للروس لترسيخ وجودهم في الشمال الشرقي من سورية والذي بات يُعرف بـ"شرقي الفرات"، حيث نشروا قوات في عدة نقاط، وأقاموا قواعد خاصة في مطار القامشلي في محافظة الحسكة في سياق تنافس محموم مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ويسيّر الروس بين الآونة والأخرى دوريات في ريف الحسكة، ولكن الجانب الأميركي يعترض بشكل شبه دائم هذه الدوريات، إذ لم يبرم الطرفان أي اتفاق لتنظيم العلاقة بينهما في أقصى الشمال الشرقي من سورية.
وحاول الروس عدة مرات خلال هذا العام الوصول إلى المثلث الحدودي بين سورية وتركيا والعراق عند منطقة "عين ديوار"، ولكنهم فشلوا بسبب رفض شعبي عارم لأي وجود روسي في تلك المنطقة القريبة جداً من الحدود السورية العراقية، فضلاً عن رفض أميركي يتجسد في اعتراض الدوريات وإجبارها على العودة إلى قواعدها في مطار القامشلي. ويحاول الروس الوصول إلى المعابر الحدودية غير النظامية بين سورية والعراق التي تشرف عليها "قسد" وتربط بين الشمال الشرقي من سورية وإقليم كردستان العراق. ويأتي في مقدمة هذه المعابر معبر سيمالكا الذي يُعد اليوم الشريان الرئيسي لمنطقة شرقي الفرات مع الإقليم الكردي في شمال العراق. ووفق مصادر محلية، يسيّر الروس في بعض الأحيان دوريات مشتركة مع "قسد" أو قوات النظام السوري في ريف الحسكة الشمالي بهدف مزاحمة الأميركيين في محافظة الحسكة التي تعد المحافظة الأهم في سورية من الجانب الاقتصادي. وبحسب المصادر، فإن الجانب الأميركي يمنع الروس من التمركز بالقرب من حقول وآبار النفط والغاز، ومن الوصول إلى الحدود السورية العراقية.
ويعتبر ريفا الحسكة الشرقي والجنوبي منطقة نفوذ أميركي بلا منازع، كونهما يضمان جانباً كبيراً من ثروة سورية البترولية، حيث حقول رميلان الشهيرة التي تضم مئات آبار النفط والغاز، وحقول الغاز في منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي والمتصلة جغرافياً بريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات والغني هو الآخر بحقول النفط لعل أشهرها حقل العمر، وحقل كونيكو للغاز. ويسيّر الأميركيون دوريات في محيط قواعدهم في محافظة الحسكة، وفق مصادر محلية، أشارت إلى أن هذه الدوريات تسير في المناطق الحدودية مع تركيا والعراق بالقرب من بلدة المالكية ومعبري الوليد وسيمالكا الحدوديين مع العراق، إضافة إلى منطقتي الجوادية والقحطانية وبلدة رميلان.
وأشارت المصادر إلى أنّ الدوريات الأميركية تتقاطع أحياناً مع دوريات روسية في هذه المناطق وهو ما يتسبّب بتوتر ينتهي بتراجع الدوريات الروسية إلى قواعدها. وبيّنت المصادر أن الأميركيين يسيّرون دوريات أحياناً داخل مدينة الحسكة التي لا يزال يحتفظ النظام بوجود محدود داخلها، مشيرة إلى أن الدوريات الأميركية تصل أحياناً إلى منطقة تل تمر وريفها. كما تسيّر القوات الأميركية دوريات في ريف دير الزور الشرقي الخاضع لسيطرة "قسد" وهو منطقة نفوذ أميركي لا وجود روسياً أو تركياً أو للنظام فيه. وأقام الأميركيون أكثر من قاعدة في هذا الريف خصوصاً في حقل العمر النفطي الذي يعد من كبريات الحقول النفطية في سورية.
حاول الروس عدة مرات الوصول إلى المثلث الحدودي بين سورية وتركيا والعراق عند منطقة "عين ديوار"، ولكنهم فشلوا
وسرت أنباء في الآونة الأخيرة تشير إلى احتمال انسحاب القوات الأميركية من الشمال الشرقي من سورية، قبيل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب، ولكن لا مؤشرات على الأرض حول نيّة التحالف الدولي الانسحاب. وكانت تقارير إعلامية قد زعمت أن قافلة أميركية مكوّنة من 50 عربة مصفحة قد انسحبت من شمال شرق سورية إلى العراق يوم الأحد الماضي. ولكن المتحدث باسم التحالف الدولي ضد "داعش"، الكولونيل واين ماراتو، أشار في تصريحات صحافية الإثنين إلى ان "التحالف يواصل مهمته بالتنسيق مع القوات الشريكة لهزيمة داعش في مناطق محددة في العراق وسورية"، مؤكداً أن "قوات التحالف تتحرك بشكل روتيني حول شمال شرق سورية في دوريات وقوافل إعادة الإمداد".