عادت أجواء الاحتقان إلى محافظة درعا جنوبي سورية، وخاصة منطقة درعا البلد، وذلك بعد يومين من الانفراج الذي حصل إثر التوصل إلى اتفاق بين ممثلي الأهالي والنظام السوري برعاية روسية، حيث يقول الأهالي إن النظام، انقلب على الاتفاق بدعم روسي.
وذكر الناشط أبو محمد الحوراني لـ"العربي الجديد"، أن "مليشيات الفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانية عاودت أمس الجمعة، استهداف الأحياء السكنية في درعا البلد، بعد نجاحها في نسف الاتفاق"، مشيرا إلى أن "المليشيات التي تحاصر درعا البلد منذ نحو 75 يوماً، قصفت ليلاً الأحياء السكنية بالأسلحة الرشاشة، بعد يومين من الهدوء الحذر أثناء تطبيق بنود من الاتفاق الأخير".
وأضاف الحوراني أن النظام "جهز نفسه كما يبدو للانقضاض على الاتفاق، حيث تقوم طائرات استطلاع تابعة له بالتحليق في سماء درعا البلد والمناطق المحاصرة المحيطة بها، فيما أحضرت قوات النظام حافلات مع عناصر من الهلال الأحمر السوري التابع للنظام، استعدادا لتهجير الأهالي".
وشهد بعد ظهر أمس الجمعة انهيار المفاوضات التي ترعاها روسيا بين لجان التفاوض في درعا واللجنة الأمنية التابعة للنظام، وسط اتهامات متبادلة بين الجانبين حول فشل هذه المفاوضات، وذلك بسبب رفض لجان درعا تسليم كامل السلاح والسماح لقوات النظام بالدخول وتفتيش أحياء درعا بشكل عشوائي، بينما اتهم الجانب الروسي لجان درعا بالإخلال بالاتفاق الذي يقضي بتسليم كامل السلاح والعمل على تسويات جديدة لجميع المسلحين المحليين.
خيارات محدودة
ولدى سؤال "العربي الجديد" المحامي عدنان المسالمة، الناطق باسم لجنة التفاوض المركزية الممثلة لأهالي درعا عن سبب هذه التعقيدات، وهل كان الاتفاق واضحا وتراجع عنه النظام أم هناك اختلاف بالتفسير، أجاب "السبب أن الخيارات أمامنا كانت محدودة. إما قبولنا أن تصبح درعا البلد ثكنة عسكرية لكثرة النقاط الأمنية فيها، أو أن نخوض حربا يتم فيها تدمير كل ما تبقى من بيوت بعد القصف الشديد الذي تعرضت له درعا البلد من بداية الحصار ومقتل الأبرياء، أو أن نترك بيوتنا وأرضنا للحفاظ على أرواحنا".
وأكد المسالمة أن اللجنة المركزية حددت للروسي أن تكون وجهة التهجير حصراً إلى داخل الأراضي الأردنية أو التركية. وأعلن قبل ذلك أنهم وصلوا إلى طريق مسدود في التفاوض مع النظام بشأن درعا البلد، بسبب "الشروط التعجيزية التي طرحتها اللجنة الأمنية التابعة للنظام وهي تسليم السلاح بشكل كامل وتفتيش منازل المدنيين".
ويقول ممثلو الأهالي، إن الاتفاق كان ينص على تسوية أوضاع نحو 40 مطلوباً للنظام وتسليم أسلحتهم وإنشاء أربع نقاط عسكرية يتبع عناصرها لأحد الأفرع الأمنية دون دخول أي قوات من الجيش أو آليات عسكرية ثقيلة.
ووفق شبكات محلية، فقد طلب الضباط الروس ورئيس اللجنة الأمنية التابعة للنظام اللواء حسام لوقا، زيادة عدد النقاط العسكرية إلى تسع، وقدموا خارطة تموضع للنقاط وجميعها تقع ضمن الأحياء السكنية، وتضم أحياء المسلخ البلدي ومدخل حيي الكرك ودوار الكازية ومسجد بلال ومبنى البريد في درعا البلد، إضافة إلى مدرسة القنيطرة وموقع القبة والحرش ومبنى الشبيبة في حي طريق السد.
كما طالبت روسيا والنظام مجددا بتسليم كامل السلاح في الأحياء المحاصرة بخلاف ما اتفق عليه الطرفان قبل يومين، إضافة إلى القيام بحملة تفتيش واسعة في الأحياء المحاصرة. وحسب المصادر، فقد حاول الضباط الروس والتابعون للنظام خلال اجتماع يوم أمس الجمعة حصر الاتفاق بدرعا البلد فقط دون الأحياء الأخرى، بهدف القيام بحملة عسكرية تستهدف حيي المخيم وطريق السد بذريعة وجود مطلوبين للنظام.
ومع انهيار الاتفاق، طالبت لجنة التفاوض، الجنرال الروسي واللجنة الأمنية بتأمين تهجير لكل من يرغب بالخروج من مدينة درعا إلى مكان آمن في تركيا أو الأردن، بحسب الناطق الرسمي عدنان المسالمة، الذي أكد رفض أهالي درعا البلد وجود نقاط عسكرية داخل الأحياء السكنية، وتسليم جميع الأسلحة الفردية، وموافقتهم على تسوية أوضاع عدد من الشبان في درعا البلد.
نقطة خلاف رئيسية
ورأى الناشط محمد الحوراني في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "نقطة الخلاف الأساسية تتمثل في طلب زيادة الحواجز والنقاط العسكرية داخل درعا البلد، والتي يريد النظام من خلالها فرض رقابة لصيقة على الأهالي ومحاصرة حركتهم وابتزازهم، إضافة إلى فصل منطقة درعا البلد عن حي طريق السد ومخيم درعا، وذلك تمهيداً لشن حملة تفتيش واعتقالات في المنطقة للبحث عن المطلوبين للنظام".
من جهتها، اتهمت وكالة "سانا" التابعة للنظام من وصفتهم بالمسلحين بتعطيل تطبيق الاتفاق الأخير، بسبب تراجعهم عن تنفيذ شروط قبلوا بها سابقاً وفي مقدمتها تسليم الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وكان الجانبان توصلا مطلع الشهر الجاري إلى اتفاقٍ جديد قضى بوقف إطلاق النار لمدة 3 أيام، يتم خلالها إجراء تسويات وتسليم قسم من السلاح إضافةً إلى إنشاء نقاط عسكرية يشارك بها اللواء الثامن المدعوم من روسيا، على أن يتم بعد ذلك فك الحصار عن الأحياء المحاصرة، دون دخول النظام إليها.
الى ذلك، قتل شخصان وأصيب آخر، جراء عملية اغتيال بالرصاص نفذها مجهولون، بالقرب من معصرة "الجهماني" بين بلدتي النعيمة وصيدا شرق درعا. وذكر موقع "تجمع أحرار حوران" أن الشبان الثلاثة يعملون لصالح فرع الأمن العسكري في المنطقة.
كما شنت قوات النظام أمس الجمعة حملة اعتقالات طاولت أكثر من 15 شاباً من أهالي بلدة قرفا بريف درعا، بحجة إحراق ممتلكات وتكسير منازل، وذلك بعد خروج الأهالي بمظاهرات وإغلاق عدد من الطرقات.
إلى ذلك، ناشد أهالي وفعاليات مدينة درعا، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والمبعوث الخاص لها غير بيدرسون، ووزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وسفراء دول أصدقاء سورية، بالتدخل السريع لإنقاذ حياة الأهالي في درعا.
وحث الأهالي في بيان صدر أمس الجمعة على التحرك لإنقاذ أكثر من 50 ألف إنسان "من المدنيين المهددين بإبادة جماعية بعد الحصار القاسي الذي فرضه نظام الأسد على درعا منذ 75 يوماً، في ظل الهجمات العسكرية الهمجية والقصف المدفعي العشوائي على منازل وأحياء المدنيين بمشاركة من المليشيات الإيرانية التي تهدف إلى فرض سيطرة إيران على الجنوب السوري".