استمع إلى الملخص
- يهدف التجمع إلى عقد مؤتمر وطني لتشكيل دستور ديمقراطي لا طائفي، وتعزيز دور المواطنة وبناء دولة قانون تحمي حقوق الأفراد دون تمييز، مع مراقبة الحكومة لضمان عدم ارتكابها أخطاء.
- رغم المخاوف، يرى المشاركون في التجمعات فرصة لطرح المطالب المشروعة وتحقيق تحسينات معيشية، مؤكدين على توحيد الجهود لبناء سورية جديدة خالية من الإقصاء والتقسيم.
يحاول الشباب السوريون بمختلف توجهاتهم وأطيافهم أن يكونوا شركاء ببناء سورية الحديثة، وبالمطالبة بحقوقهم للوصول إلى دولة مدنية تتسع للجميع. وبناءً على تلك التطلعات، أقامت مجموعة من الشباب تجمعاً مدنياً، اليوم الخميس، أمام السيف الدمشقي في ساحة الأمويين في دمشق تحت مسمى "تجمع الشباب المدني" في دعوة إلى الحوار والمشاركة الفاعلة وعدم الإقصاء.
ووفق ما رصده "العربي الجديد"، جرى التجمع في ساحة الأمويين في دمشق في جو من الإيجابية دون أي تدخل من قبل أي طرف مسلّح. وأشار مصدر إلى أن المطالب واللافتات التي رُفعت دعت إلى دولة مدنية، إضافة إلى مطالب المحتجين بتوضيحات حول تصريحات عبيدة الأرناؤوط، المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية التابعة للإدارة العسكرية في سورية، بشأن المرأة، حيث طالبت النساء المشاركات في التظاهرة بتوضيح ما إذا كانت تعبّر عن رؤية شخصية أو أنها تمثل توجه حكومة محمد البشير والإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
"تجمع الشباب المدني" يقود مظاهرة في ساحة الأمويين بـ #دمشق تطالب بدولة ديمقراطية مدنية#تلفزيون_سوريا #نيوميديا_سوريا pic.twitter.com/BhiecvtQHa
— تلفزيون سوريا (@syr_television) December 19, 2024
وكان الأرناؤوط قد أشار في تصريحاته إلى أن المرأة "عنصر مهم ومكرم، ويجب أن تتولى مهام متناسبة مع طبيعتها". وأضاف أنّ "من غير المناسب تسلّم المرأة منصب وزارة الدفاع، على سبيل المثال، لأن هذا الأمر لا يتناسب مع طبيعتها وكينونتها البيولوجية". وأكد أن لـ"المرأة الحق في التعليم والتعلم في أي مجال من مجالات الحياة، لكن تسلّمها ولاية قضائية قد يكون محل بحث أو دراسة من قبل أهل الاختصاص"، وفق تعبيره.
"مؤتمر وطني لتشكيل دستور لا طائفي"
وأعلن التجمع الذي شهدته دمشق وضم أكثر من ألفي شاب وشابة، أهدافه التي يسعى لها، المتمثلة بالمطالبة بمؤتمر وطني لتشكيل لجنة من الكفاءات السورية لتشكيل دستور ديمقراطي مؤسساتي لا طائفي يضمن حقوق المواطن ويعزز دور المواطنة في بناء سورية المستقبل، إضافة إلى المساهمة في تعزيز الوعي والوصول إلى دولة قانون تحمي حقوق المواطنين أفراداً، بناءً على المواطنة دون تفرقة مبنيّة على الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة.
يقول المخرج رامي نضال، وهو أحد منظمي هذا التجمع، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الفكرة جاءت من ملاحظة وجود الكثير من الآراء المختلفة لدى الشباب حول سورية المستقبل، ولكن كان العامل المشترك الدائم بين تلك الأفكار أن سورية للجميع، لذا جرى الاتفاق على توسيع هذا الحوار ليكون للجميع"، وأكد نضال أنه تم إنشاء مناسبة على موقع فيسبوك ليكون الحوار ضمن ساحة دار الأوبرا، ولكن كانت المفاجأة أن عدد المسجلين أكبر مما هو متوقع، فتحول الموضوع إلى تجمع كبير لكل المنادين بأن سورية دولة مدنية.
واعتبر نضال أن هذا التجمع كان بمثابة فرصة لجلوس السوريين مع بعضهم لترتيب حراكات سلمية قادمة. ولم ينفِ نضال وجود الكثير من المخاوف لدى الناس حول هذا النوع من التجمعات، فضلاً عن الكثير من الاتهامات التي وُجِّهَت بأن هذه الأنشطة ستؤثر سلباً بنتائج الثورة، ولكن ما أُكِّد أن هذا التجمع ليس موجهاً ضد أي جهة مهما كانت، بل على العكس هو للبناء وللمساعدة على أرض الميدان، معتقداً أن "الحراك السلمي الدائم يجعل الحكومة مدركة لوجود أشخاص تراقبها في حال قيامها بأي خطأ، وهذا الأمر جديد لم يألفه السوريون في السابق".
وأوضح نضال أن هذا الحراك بُدئ به منذ عام 2011، ولكن توقف عندما تحولت الأمور إلى حراكات غير سلمية، حيث جرى التوقف والانسحاب من أرض المعركة، ولكن الوضع اليوم يتيح الفرصة لهذه التجمعات. وأبدى تفاؤله بإحراز نتائج إيجابية من هذه التجمعات، بدليل الأعداد الكبيرة التي قدمت للوقوف والحوار وسماع الأطراف الأخرى، فهناك الكثير من الشباب يخاف من الخطوة الأولى، وهي النزول إلى الشارع، علماً أن هذه المخاوف مبررة بعد عهد لم تكن فكرة التعبير عن الرأي مطروحة فيه، مدركاً أن منظمي هذه التجمعات قد يتعرضون للكثير من الانتقادات والتوجهات والتخوين بالبداية، لأن الكثير لم يعتد سماع الصوت الآخر في سورية.
من جهتها، تشير منظمة التجمع، الممثلة لمى بدور، في تصريحها لـ"العربي الجديد" إلى أن الإقبال الكبير من قبل الشباب السوري كان مفاجئاً، لافتة إلى أن الأمنيات التي طرحت خلال التجمع كانت موحدة بأن تكون سورية دولة مدنية وموحدة ولا تفرق بين مواطنيها بناءً على العرق أو الطائفة أو الدين وغير ذلك، مؤكدة ضرورة أن تكون النشاطات كافة موجودة على الأرض، ليصل الصوت إلى كل العالم، الذي يراقب اليوم من كثب ما يحدث، لتحديد مستقبل سورية، وآلية التعامل معها.
وأكدت بدور أن غاية التجمع تحقيق بعض المطالب لتحسين معيشة الشعب من خلال حلول سريعة وإسعافية بشكل مؤقت. علماً أن هذا السعي يترافق مع وجود الكثير من الأشخاص الذين يحاولون إحباط هذا التجمع، فهناك اتهامات بالثورة المضادة، وأن الوقت ليس مناسباً، إضافة إلى مخاوف كثيرة، لكون الحرية في المجتمع السوري أمراً جديداً كلياً، معتبرة أنه لا يوجد وقت غير مناسب اليوم، فكل لحظة هي مناسبة لطرح المطالب المشروعة، ومعربة عن قلقها بأن يؤدي الفكر الانتقامي إلى نتائج سلبية، لذلك من المهم المطالبة بدولة قانون تحمي الجميع، كي لا يكون مستقبل سورية بيد أي مستبد مهما كان توجهه.
وحاول "العربي الجديد" لقاء بعض المشاركين في هذا التجمع. إذ يقول السيناريست والصحافي بلال شحادات إن المشاركة في مثل هذه التجمعات يُعَدّ واجباً لتقديم ما لسورية من واجهة ثقافية وأدبية وفنية، لإيصال رسالة بأن السوريين يفتحون صفحة جديدة ومحي كل ما يخص العهد القديم قبل سقوط النظام السابق، لبناء إنسان جديد حر من أي رقابة أو إقصاء أو تقسيم أو عزل، مبيّناً أن كل ما يطرح خلال هذه التجمعات سيقدم إلى حكومة الإنقاذ، ومن ثم إلى الحكومة المؤقتة، فالحكومة الأساسية، دون توقف، للوصول إلى أفضل صيغة لسورية الجديدة.
الصحافي ميار كريدلي، اعتبر في حديثه لـ"العربي الجديد" أن هذا التجمع كان ينقصه الكثير من التنسيق والتوضيح للأهداف والشعارات والمطالب، إذ تبين اليوم وجود الكثير من الأشخاص غير القادرين على التمييز بين العلمانية والمدنية على سبيل المثال، وهناك نوع من الإقصاء الذي لوحظ بين الموجودين. علماً أن هذا التجمع هام جداً لبناء المستقبل.
من ناحيتها، توضح لميس محمد، وهي إحدى المشاركات، أنها شاركت بالتجمع نتيجة تخوفها من تحول سورية إلى دولة إسلامية، وخصوصاً أنه لم يجرِ توضيح الكثير من الأسس التي ستُبنى سورية عليها، لذا يجب التحرك وطرح جميع الآراء على طاولة واحدة للوصول إلى دولة علمانية.
ومن بين المشاركين في التظاهرة، فوزي الإبراهيم، المقيم في دمشق، الذي أشار في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "سورية يجب أن تكون دولة مدنية تضمن حقوق الجميع، ولا تقوم على أي أساس آخر". وأضاف: "لدينا مخاوف بالطبع من أن تتحول الدولة إلى دولة إقصاء للآخر، ولذلك خرجت هذه التظاهرة اليوم". ولم يرصد "العربي الجديد" أي تجاوزات بحق المتظاهرين، على عكس ما كان شائعاً خلال سيطرة نظام بشار الأسد، الذي كان يمنع حدوث هذا النوع من التظاهرات، حيث كانت الأجهزة الأمنية التابعة له تتعامل بالقمع وملاحقة المتظاهرين.