بدأت آثار زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ومن قبله رئيس أركان الجيش المصري، الفريق أسامة عسكر، لشمال سيناء، تظهر للعيان، مع بدء قوات الجيش بفرز قطع أراضٍ لبناء تجمعات سكانية لأبناء سيناء. ويأتي ذلك بعد سنوات من نزوحهم من أراضيهم التي يملكونها منذ عقود، بحجة ملاحقة الإرهاب، وتنفيذ العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش".
خطة الجيش المصري لبناء التجمعات السكانية
وحصلت "العربي الجديد" على معلومات عن وجود خطة لدى الجيش المصري، جاهزة للتنفيذ، تشمل بناء عدد من التجمعات السكانية، لإجبار سكان قرى شمال سيناء على السكن فيها، بدلاً من قراهم الأصلية ومنازلهم وأراضيهم التي رُحِّلوا منها بموجب قرار عسكري، ليتسنى لقوات الجيش ملاحقة تنظيم داعش".
وستُبنى التجمعات في مدينتي رفح والشيخ زويد، خلال الفترة المقبلة، لتحتضن سكان القرى المهجرة، فيما تصبح أراضي القرى وأماكن السكن الأصلية للمواطنين ملكاً لوزارة الدفاع.
وتبلغ مساحة الأراضي التي ستُنزع ملكيتها من المواطنين، أضعاف الأراضي التي ستُبنى عليها التجمعات السكانية. فالمواطنون كانوا يمتلكون آلاف الأفدنة، وكانت المنازل متناثرة في الأراضي، وليست متلاصقة كما تريد الهيئة الهندسية البناء لهم في التجمعات الجديدة، في الوقت الذي لم تُحدَّد فيه طبيعة ملكية التجمعات الجديدة.
كذلك من غير الواضح ما إذا كانت ستُباع للمواطنين بنظام الأقساط، وتُثبَت الملكية في القرى المهجرة للحصول على بيت جديد في التجمعات، أو ستكون منحة من وزارة الدفاع للمواطنين بعد سنوات المعاناة التي عاشوها وشاركوا خلالها قوات الجيش في الدفاع عن أرضهم.
الجيش المصري هجر آلاف المواطنين بحجة إقامة المنطقة العازلة مع قطاع غزة
ووفقاً للمعلومات التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، فإن وزارة الدفاع المصرية، بناءً على تعليمات سيادية، ستبدأ العمل على بناء "التجمعات التنموية" في مدينتي رفح والشيخ زويد على النحو الآتي: تجمع الشيخ زويد السكادرة وأبو طويلة ومكانه بالشيخ زويد، وذلك بإجمالي 8484 أسرة، وتجمع الظهير والمقاطعة بالظهير، وذلك بإجمالي 544 أسرة، وتجمع أبو العراج والتومة بأبو العراج إجمالي 499 أسرة، وتجمع الشلاق بالشلاق إجمالي 832 أسرة، وتجمع قبر عمير بقبر عمير إجمالي 821 أسرة، وتجمع العكور بالعكور 689 أسرة.
أما في مدينة رفح، فستشمل تجمع شبانة والمهدية بالمهدية بإجمالي 802 أسرة، وتجمع الخرافين والطايرة وجوز أبو رعد إجمالي 1957 أسرة، وتجمع الوفاق ورفح الجديدة بإجمالي 12267 أسرة، وتجمع الحسينات والمطلة في منطقة أبو شنار بالحسينات بإجمالي 3024 أسرة.
وكان الجيش المصري قد هجّر آلاف المواطنين المصريين من قراهم في مدينتي رفح والشيخ زويد بحجة إقامة المنطقة العازلة مع قطاع غزة، وكذلك لإتاحة المجال أمام القوات العسكرية لتنفيذ العمليات اللازمة لمكافحة الإرهاب.
فقد باتت مدينة رفح بأكملها بلا سكان، وكذلك هُجِّرت القرى المحيطة بها، رغم عدم وقوعها ضمن المساحة الموضوعة لإنشاء المنطقة العازلة.
وحاول المواطنون العودة إلى قراهم في أعقاب طرد تنظيم "داعش"، إلا أنهم اصطدموا بمعوّقات من قوات الجيش، تتمثل بمنع مصانع الطوب من العمل، وكذلك عدم إمداد القرى بالكهرباء والمياه والاتصالات، ما أجبر الكثيرين على عدم العودة إليها مجدداً.
رفض شعبي لمخطط الجيش المصري
وفي تعقيب على ذلك، أشار أحد مشايخ قبيلة السواركة، فضل عدم الكشف عن هويته، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن ما يحصل يعتبر أكبر عملية سرقة لأراضي المصريين في تاريخ سيناء.
ولفت إلى أنه "يجري استبدال قرانا وأراضينا ومساكننا الأصلية التي ولدنا فيها، بتجمعات سكانية وكأننا لاجئون من دولة أخرى". وشدد على أنه "لا يمكن القبول بذلك مهما كلف الأمر".
وأكد أن "كل أهالي سيناء مجمعون على رفض المخطط الجديد الذي يُروَّج له في أعقاب زيارة رئيس الحكومة وقادة الجيش". وأوضح أن هذا المخطط "لا يلبي الحد الأدنى من حقوق أبناء سيناء الذين دافعوا عن أرضهم جنباً إلى جنب مع قوات الجيش، حتى تمكنوا من طرد تنظيم داعش الإرهابي بشكل كامل من شمال سيناء".
ولفت الشيخ القبلي إلى أن قادة الجيش وعدوا مشايخ سيناء بأن الجميع سيعود إلى أرضه التي خرج منها، وسيتلقى التعويض اللازم الذي يمكّنه من إعمار منزله وأرضه بالشكل الذي كانت عليه قبل دخول الإرهاب إلى المنطقة.
وأكد أن ما يجري الحديث عنه والتخطيط له على الأرض يختلف تماماً عن الوعود، ما يشير إلى نكث العهد الذي قُدّم للمشايخ وقادة المجموعات القبلية المساندة للجيش في سيناء.
وأكد أن لقبائل سيناء موقفاً واضحاً وجازماً لا يمكن التراجع عنه، يتمثل بضرورة عودة كل مواطن مصري إلى أرضه ومسكنه، طالما انتهى السبب الذي أجبره على الخروج منها خلال السنوات الماضية.
شيخ قبلي: القبائل ستعمل على إيصال صوتها مجدداً إلى كل المسؤولين المصريين
وشدد الشيخ القبلي على أن الطبيعة البدوية والمعيشة التي اعتادوها تحول دون قبولهم بالعيش في إطار تجمعات أو مخيمات للاجئين في مساحة ضيقة، وبحدود مغلقة، وعدم السماح بالبناء فيها أو خارجها، أو التبديل بين المناطق.
وأشار إلى أنه ليس هذا التعويض الذي ينتظره سكان سيناء من وزارة الدفاع والحكومة المصرية، عن كل المعاناة التي عاشوها ودفعوها من دماء أبنائهم وأموالهم وضيق حياتهم طوال العقد الأخير.
وأوضح أن القبائل ستعمل على إيصال صوتها مجدداً إلى كل المسؤولين المصريين قبل الشروع بأي خطوة بناء على أرض الواقع في مشروع التجمعات. وشدد على أنه في حال تجاهل الطلبات، سنتجه لتصعيد الموقف على الأرض كما فعلنا ذلك قبل شهر، حينما حاول الجيش تهجير سكان قرية نجع شيبانة مجدداً.
وشهدت محافظة شمال سيناء، خلال الأيام القليلة الماضية، زيارات متتالية لرئيس أركان الجيش ورئيس الوزراء ووفد وزاري رفيع المستوى، بالتزامن مع إجراءات على الأرض لتحسين المشهد في المحافظة، من قبيل إزالة الكمائن والارتكازات الأمنية المنتشرة منذ عام 2013. كذلك شهدت فتح الطرقات ومحطات الوقود، وتخفيف قيود الحركة والتنقل على الأفراد والبضائع.
بدورها، ألمحت مصادر حكومية ومحلية لـ"العربي الجديد" إلى وجود نية لزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لسيناء خلال الفترة القريبة المقبلة، وهي ذاتها المصادر التي كشفت لـ"العربي الجديد" عن الزيارات التي جرت خلال الأيام الماضية.