سيناريوهات الغزو الروسي لأوكرانيا: فقدان عنصر المفاجأة

14 فبراير 2022
مناورات للجيش الأوكراني في ضواحي مدينة خاركيف (سيرغي بوبوك/فرانس برس)
+ الخط -

أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسم الصورة الواقعية والمتخيّلة، لعبارة "الحشود الروسية"، المستمدة من "الحشود السوفييتية" أثناء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، تحديداً في المجر وتشيكوسلوفاكيا (قبل انقسامها إلى دولتي تشيكيا وسلوفاكيا في عام 1993)، وفي أفغانستان.

وإذا كان السوفييت قد نجحوا في إخماد الثورة المجرية في عام 1956 وقمع الحركة التغييرية في براغ في عام 1968، فإنهم واجهوا هزيمة كبرى في أفغانستان (1979 ـ 1989).

وبالتالي، فإن نجاح بوتين في ترهيب جورجيا في عام 2008 وأوكرانيا في عام 2014، حين ضمّ شبه جزيرة القرم، سمح بتفعيل مفهوم "الحشود الروسية"، وفقاً لمبدأ "القوة في إظهار القوة" في الأزمة الأوكرانية الحالية.

لكن التصعيد اتخذ منحى أكثر خطورة، مع بروز نوايا روسية لاجتياح أوكرانيا، بسبب عزم الأخيرة استرداد القرم ودونباس (مناطق الانفصاليين في الشرق الأوكراني) والانضمام لحلف شمال الأطلسي.

وتُرجمت النوايا الروسية بتحشيد غير مسبوق لما بين 100 و150 ألف جندي، شرق كييف وجنوبها وشمالها، بما يشبه الكمّاشة. ووفق هذا الانتشار، باشرت مختلف دوائر الاستخبارات الغربية توقّع سيناريوهات مسار الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا، والخطوات التمهيدية له.

الجيش الروسي يطوّق أوكرانيا

يطوّق الجيش الروسي أوكرانيا حالياً، حتى يوم أمس الأحد، من ثلاث جهات من أصل أربع. ويتمركز الجزء الأكبر من القوات الروسية، في إقليم روستوف، المقابل للشرق الأوكراني، وفي سولوتي وبيلغورود القريبتين من مدينة خاركيف الأوكرانية، وفي كورسك وكلينتسي وكليموفو.

وضمن هذه الجبهة يستند أيضاً إلى دعم مدينتي ييلنيا وفولغوغراد (ستالينغراد سابقاً). أما في الجنوب، فيتحصّن الروس في شبه جزيرة القرم وبحر آزوف، المتفرع من البحر الأسود، والبحر الأسود نفسه، فضلاً عن وجود ألفي جندي روسي في إقليم ترانسنستريا المولدافي، المحاذي لمدينة أوديسا الأوكرانية.

أما في الشمال، فينتشر الروس داخل الأراضي البيلاروسية، تحديداً على الحدود البيلاروسية ـ الأوكرانية، التي تقع على نحو 150 كيلومتراً من كييف.

ويتمركز الروس أيضاً في الغرب البيلاروسي، في مدينة بريست، على مقربة من بولندا، الدولة العضو في الأطلسي. والجبهة البيلاروسية مدعومة من مقاطعة كالينينغراد الروسية الواقعة على بحر البلطيق، والقادرة على حماية ظهر الروس بالمفهوم العسكري من أي محاولة من الأطلسي لضربهم.

في كل تلك الجبهات تنتشر معدات هجومية روسية، بدءاً بسلاح الجو، والصواريخ بعيدة المدى، خصوصاً الجيل الجديد من صواريخ "إسكندر"، والأجيال الجديدة من دبابات "تي 90"، فضلاً عن المستشفيات الميدانية، التي أُنشئت حديثاً.


توحي عملية الانتشار العسكري بأن الروس سيعمدون إلى اجتياح نصف أوكرانيا

وتوحي عملية الانتشار العسكري الروسي، بأن الروس سيعمدون إلى اجتياح نصف أوكرانيا، لا كلها. والتركيز على تحويل كييف إلى برلين جديدة، تفصل بين شرق روسي وغرب أوروبي ـ أميركي. على أن مفهوم الاجتياح، يعني إنهاء السيطرة الأوكرانية على البحر الأسود، وتحويل أوديسا إلى مدينة محاصرة بقوى الأمر الواقع الروسية.

كما أن الوجود الروسي في بحر آزوف، يعني أمرين حكماً. الأمر الأول، إقفال هذا البحر نهائياً في وجه الشرعية الأوكرانية، وربط المنطقة الساحلية من دونباس، حيث إقليما لوغانسك ودونيتسك، بشريط ساحلي يمرّ بمرفأ ماريوبول، الذي تسيطر عليه كييف، وصولاً إلى القرم.

وهذه الخطوة تستدعي السيطرة الروسية على مدينة خيرسون، بسبب إطلالتها على القناة المتفرّعة من نهر دنيبر، التي تمدّ القرم بالمياه. وضمن هذه الخطوات، تكون روسيا، قد سيطرت على كييف ونهر دنيبر والشرق الأوكراني والقرم وبحر آزوف.

بالتالي، فإن أي هجوم روسي على أوكرانيا، سيبدأ بحربٍ سيبرانية لتعطيل الاتصالات وسلاح الإشارة لدى القوات الأوكرانية والخدمات الحكومية وأنظمة البنى التحتية الأساسية من مياه وكهرباء ووقود.

على أن يلي ذلك هجمات جوية واسعة النطاق، تطاول المدن الرئيسية في أوكرانيا للتمهيد للتدخّل البري، المفترض أن ينطلق من ثلاثة مسارات رئيسية: من الحدود البيلاروسية باتجاه كييف، ومن القرم باتجاه خيرسون، ومن بيلغورود باتجاه خاركيف، على أن تشغل القوات الانفصالية الجيش الأوكراني في ضواحي دونيتسك ولوغانسك.

وفي حال تمّت السيطرة على هذه المدن، يُصبح الاحتلال الروسي لأوكرانيا أمراً واقعاً. ومن الطبيعي أن القيادة الروسية الحالية المؤلفة من عناصر متشرّبة من المدرسة العسكرية السوفييتية السابقة، قد تكون نشرت شبكة من العملاء التابعين لها في مختلف المناطق الأوكرانية، لتأمين الاحتلال بشكل كامل، وعدم عرقلته أثناء التقدم.

المقاومة الأوكرانية

وعلى الرغم من بدء السفارات الغربية والعربية عمليات إخلاء لرعاياها، ونقل مقراتها الدبلوماسية من كييف إلى لفيف، التي قد تكون خلال الغزو عرضة لتحليق الطيران الحربي الروسي فوقها لترهيب الدبلوماسيين الأجانب المتبقين فيها أو حتى أن يشنّ غارات على مواقع قريبة من مقرّاتهم، إلا أن الخطة الروسية قد تفشل لأسباب عدة.

أول هذه الأسباب، هو تطور الجيش الأوكراني، واعتماده على "وحدات الدفاع الإقليمي"، وهي مليشيا تابعة للشرعية مؤلفة من نحو مليوني عنصر، وفقاً لقيادة الأركان الأوكرانية.

وفي حال لم يدبّ الذعر في صفوف الجنود و"وحدات الدفاع الإقليمي"، فقد يستطيعون تحويل أوكرانيا إلى "أفغانستان أوروبية"، وفقاً لتقديرات الاستخبارات الأميركية والأوكرانية، التي نشرتها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وفي حال غرق الروس في المستنقع الأوكراني، فسينقلب ذلك عليهم في وقتٍ لاحق، كما حصل مع السوفييت في أفغانستان. كما سيؤدي الاستنزاف إلى تراجع الثقة الداخلية الروسية ببوتين، كزعيم قادر على حسم المعارك بصورة سريعة، كما فعل في الشيشان في عام 1999 وفي جورجيا والقرم.


تضمّ "وحدات الدفاع الإقليمي" الأوكرانية مليوني عنصر

أما ثاني هذه الأسباب، فمرتبط بالقدرة العملانية لبيلاروسيا من جهة والانفصاليين في الشرق من جهة أخرى على مواكبة الروس، وإلا قد يتحوّلون إلى عبء أو خاصرة ضعيفة بالمفهوم العسكري، لأن قوتهم أساساً مستمدة من الروس، لا العكس.

أما ثالث هذه الأسباب، فمتعلق بخلق بؤر صراع أخرى على الحدود الروسية في وسط آسيا، سواء مع كازاخستان مجدداً أو تركمانستان، على الرغم من قدرة الروس على تحريك الصرب في كوسوفو والبوسنة والهرسك، عدا صربيا.

لكن توسيع رقعة المعارك، أو التوترات، سيستنزف القوات الروسية في ظلّ اقتصاد متراجع، وتدنّي عدد السكان الروس مليون شخص في العام الأخير، بسبب وفيات كورونا وانخفاض نسب الإنجاب.
(العربي الجديد)