سُبات المعارضة التونسية يتواصل... وتشتتها كذلك

21 ديسمبر 2024
من انتخابات الرئاسة في تونس، 6 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت الساحة السياسية التونسية جمودًا بعد فوز الرئيس قيس سعيّد، حيث لم تتحرك المعارضة بشكل فعّال، مما أدى إلى وصف المشهد بـ"موت السياسة".
- بدأت المعارضة التونسية في التحرك مجددًا، حيث دعت جبهة الخلاص الوطني إلى وقفة تضامنية مع المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، مما يعكس بداية عودة النشاط السياسي.
- يواجه المشهد السياسي تحديات مثل تشتت المعارضة وتأثير الشعبوية، مع دعوات لمراجعات جذرية لفهم أسباب العزوف السياسي وخلق جيل جديد قادر على صياغة الفعل السياسي.

منذ الانتخابات الرئاسية التونسية في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تتحرك المعارضة التونسية مطلقاً، وانتابت الساحة التونسية حالة من الدهشة بعد الانتصار الكبير للرئيس قيس سعيّد في انتخابات الرئاسة التي حصل فيها على حوالي مليونين و400 ألف صوت على وقع إقصاء جميع معارضيه الجديين. وتواصل صمت المعارضة التونسية منذ ذلك الحين؛ لا بيان ولا تقييم ولا تحرك، عدا بعض التحركات العابرة، حتى وصف مراقبون المشهد التونسي بـ"موت السياسة" وانتهاء المعارضة.

المعارضة التونسية... انتهاء الصدمة

ويوم الخميس الماضي، دعت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس إلى وقفة تضامنية بمناسبة تعهد محكمة التعقيب بملف ما بات يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، التي فتحها ضد عدد كبير من خصومه ومن وجوه المعارضة. ودعت الجبهة إلى وقفة تضامنية مع المتهمين من قادة الحركة السياسية، يوم الثلاثاء المقبل، أمام مقر محكمة التعقيب في تونس العاصمة، للمطالبة "بإطلاق سراح القادة السياسيين وإيقاف الملاحقات القضائية الجائرة بحقّهم ورفع اليد على القضاء". كذلك، دعت الشبكة التونسية للدفاع عن الحقوق والحريات لذات التحرك الاحتجاجي. وتمثل الجبهة والشبكة الأغلبية المطلقة من الأحزاب والمنظمات والشخصيات المعارضة في تونس.

دعت جبهة الخلاص إلى وقفة تضامنية مع المتهمين من قادة الحركة السياسية، الثلاثاء المقبل

ومع بداية انتهاء الصدمة كما يبدو، وعودة التحرك ولو من زاوية حقوقية، بدأت شخصيات في المعارضة التونسية تقيّم الوضع السابق وتحلّل أسباب الهزيمة، بنسبة من الشجاعة في تحمل المسؤولية على مستوى الاعتراف بأمراض المعارضة نفسها وعدم تعليق أسباب الخيبة على السلطة وحدها. وتكشف شخصيات في المعارضة التونسية تحدثت لـ"العربي الجديد" عن خلافات حقيقية وانقسامات أدت إلى هذا الوضع، داعية إلى مراجعات جذرية وشجاعة وصريحة حتى تصلح الأوضاع.

ويقول القيادي في الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لـ"العربي الجديد"، إن "أول سنة بعد أي انتخابات تشهد دائماً تراجعاً للمبادرات والفعل السياسي، خصوصاً بالنسبة للمعارضة، وهذا يحصل في كل العالم"، موضحاً أن "هناك حالة صدمة حقيقية، يُضاف إليها ارتفاع سقف التطلعات من المحطة الانتخابية الماضية وما رافقها من انتهاكات وخروقات وتعسف على المسار الانتخابي".

ويذكّر الصغير بأن "هناك من أعربوا عن نيتهم الترشح بآمال حقيقية، وعلى الرغم من حصول أحكام إدارية لصالحهم فقد تمّ رفض ترشحهم من هيئة الانتخابات (عماد الدايمي ومنذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي)، ثم تمّ تغيير قانون الانتخاب في الأيام الأخيرة من الحملة مع صدور الأحكام الزجرية ضد مرشحين آخرين كالعياشي زمال، مع النسبة المرتفعة التي حصل عليها قيس سعيّد، كلها عوامل تقف وراء الوضع الحالي". ويضيف الصغير أن "كل هذا شكّل صدمة للمعارضة، ولا بد من شجاعة في قراءة الأرقام، فالنسبة التي حصل عليها سعيّد بأكثر من مليوني صوت وجب أن تقرأ بموضوعية، وهذا يدل أن الشعبوية تمكنت من اختراق الشعب التونسي، وهذا ما يفسّر الحيرة التي نعيشها اليوم". ويبيّن في هذا الصدد أن "من يضع المشكل فقط في قيس سعيّد فهو خاطئ إذ يجب عدم الهروب إلى الأمام ولا بد من تحميل المعارضة التونسية المسؤولية، ومن أخطائها أنها ظلّت تتحرك وفق الأشكال القديمة للفعل ولم تواكب المتغيرات في العالم ولا التجارب المقارنة".

وسام الصغير: الشعبوية تمكنت من اختراق الشعب التونسي

ويشير الصغير إلى أن "هناك تشتتاً في المعارضة، وللأسف جلّ النخب التونسية وجلّ مبادرات الوحدة فشلت، وهذا الفشل قديم منذ ستينيات القرن الماضي وليس بجديد، فكلّ تجارب الوحدة لم تنجح حتى بعد الثورة". ويبيّن أن "كلمة العمل المشترك والوحدة في حاجة إلى مراجعة جدّية لدى النخب التونسية، والسؤال هل وجب خلق جيل جديد قادر على صياغة الفعل الجمعي وفتح طريق جديد؟ ويجب فهم سبب عزوف الجيل الجديد". ويرى أيضاً أن "هناك حالة استقالة وعزوف تام لجيل كان مؤثراً في الأحداث في البلاد"، مضيفاً أن "أجيالاً عدة شبابية عبر التاريخ كانت تدفع نحو التغيير، واليوم أصبحت الأجيال تستهلك في مقولة المفعول به ولم تعد تفرض نفسها كصانع قرار، ومطروح على السياسيين والباحثين تحليل ما يحدث، كي لا يبقى الوضع مختلاً، إذ لا بد من تعديل الكفة".

الشعبوية تستثمر في الأوضاع

ويلفت القيادي في الحزب الجمهوري إلى أن "التونسيين لا يعاقبون المعارضة لأن منسوب الانتهاكات من تعسف وتنكيل ارتفع منذ 25 يوليو/تموز 2021 (تاريخ انقلاب سعيّد على الحكومة والبرلمان المنتخب) وصحيح أن هناك نقداً للعشرية التي تلت الثورة ولكن منسوب الحرية كان مرتفعاً"، مبيناً أن "الشعبوية والشعارات الثورية هي التي أصبحت تقرر، وفي الحقيقة هناك مشكلة تمكنت من خلالها الشعبوية من استثمار الوضع". ويعتبر الصغير أن "تواصل الوضع من عدمه رهن استيعاب ما حصل وتقييم حالة العزوف، فإن وُجدت نخبة فاعلة وتم استغلال الفرص والمحطات المقبلة ودفع ديناميكية الفعل فلن يدوم الوضع، ولكن إذا تواصلت حالة النكران للواقع فسيتواصل الوضع على ما هو عليه".

من جهته، يعتبر القيادي في حزب العمّال اليساري، الجيلاني الهمامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المعارضة غُيّبت وليست بغائبة، فوجودها في الفضاء العام وفي وسائل الإعلام العمومية يجب أن يكون من دون تخويف، ولكن عامل الخوف أصبح مسيطراً والمعارضة لا يمكن أن تنتعش في مناخ يغلب عليه الخوف، ومن الطبيعي أن يصبح صوتها ضعيفاً". ويؤكد في هذا الإطار، أن "ما تلّقب بالعشرية السوداء كانت أفضل فترة للتعبير الحر، والنقاشات"، شارحاً أن "التعبير ازدهر في تلك الفترة وحركة الإنتاج الفكري والثقافي، بينما نحن حالياً نعيش مرحلة تم خلالها القضاء على الحركة والتعبير".

أحمد النفاتي: هناك مؤشرات خطيرة ينبغي التوقف عندها، فنسبة مقاطعة الشباب كبيرة للغاية

أما اليوم، فيشير الهمامي إلى أن "الحركة السياسية شبه ميتة وأنشطة المعارضة تراجعت، وجبهة الخلاص مثلاً جلّ قياداتها في السجن وعدة أحزاب تشتت واندثرت، ولكن هذا الوضع لن يدوم، والخوف من حصول حالة انفجار أو فوضى بعد تكبيل المجتمع"، وفق رأيه.

من جهته، يعتبر القيادي في حزب العمل والإنجاز أحمد النفاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "بعد كل انتخابات، حتى في الدول الديمقراطية، تسود حالة من الركود السياسي، فالفائز سيعد برنامجه الانتخابي والخاسر سيرتب بيته الداخلي"، مؤكداً أنه "حتى بعد فوز (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب كانت هناك حالة ركود وهذا يحصل في انتخابات عريقة وديمقراطية، فما بالنا بانتخابات شابتها عدة خروقات". 

ويكشف النفاتي أن "جبهة الخلاص حصل فيها انقسام كبير، فهناك من كان يدعو إلى المقاطعة وقد أصر رئيسها نجيب الشابي على ذلك، وهناك من قرروا المشاركة وتقديم مرشح كحزب العمل والإنجاز، أما القيادات فكان بينها انقسام، فالقيادية شيماء عيسى دعمت المرشح العياشي زمال، وحركة النهضة تركت الحرية لأنصارها، وائتلاف الكرامة دعا صراحة لدعم زمال، ولكن أحمد نجيب الشابي (رئيس جبهة الخلاص) تمسك بالإعلان عن المقاطعة، ولكنه كان موقفاً شخصياً لا يعبّر عن مكونات الجبهة"، معتبراً أن "الدعوة إلى المقاطعة لم تكن ذات معنى". ويفسّر النفاتي المشهد الحالي بـ"أن تونس لديها اليوم أحزاب هرمة، الأمر الذي يحتاج إلى مراجعات"، مبيناً أن "حزب العمل بصدد القيام بذلك وقام بندوات عدة وهناك نقاشات داخلية وتساؤلات حول الفعل السياسي المقبل، فانتخابات السادس من أكتوبر تدفع الجميع إلى القيام بمراجعات حقيقية". ويحذّر من أن "هناك مؤشرات خطيرة ينبغي التوقف عندها، فنسبة مقاطعة الشباب كبيرة للغاية، وهناك أكثر من مليوني شخص صوتوا لقيس سعيّد، صحيح كانت الأجواء إقصائية، ولكن يجب قراءة هذه المعطيات بعقلانية وشجاعة".

المساهمون