لم تغب عن ذاكرة الناشط والكاتب السوري، أسامة عبد الهادي، العشرات من المشاهد السوداء من المجزرة التي ارتكبتها قوات وأجهزة النظام الأمنية وشبيحته في منطقة الحولة شمال غربي مدينة حمص في وسط سورية، التي تحل ذكراها السنوية التاسعة اليوم.
"أنا غسلت 65 طفلا قتلوا بالرصاص، أو بآلات حادة.. كانوا يتعمدون قتل الأطفال"، هكذا يلخص عبد الهادي شهادته على المجزرة التي جرت في 25 مايو/ أيار عام 2012 عندما كانت الثورة السورية في ذروة توهجها السلمي في رسالة واضحة من نظام بشار الأسد أنه لن يتردد في ارتكاب المجازر بحق النساء والأطفال لوأد الثورة.
وتُوصف أحداث الحولة بأنها من أكبر المجازر الطائفية التي جرت في وسط سورية، وتورطت بها أجهزة النظام الأمنية ومليشيات "الدفاع الوطني" التي تضم أكثر مؤيدي النظام قسوة، المعروفين بـ"الشبيحة".
وفي حديث مع "العربي الجديد" يتذكر عبد الهادي جيداً ما وقع آنذاك: "أحد الأطفال كان القسم الأعلى من رأسه مفصولا. يبدو أنه ضُرب بساطور. كان هناك حقد دفين فرّغه حاملوه من شبيحة النظام بأطفال أبرياء عزل لا حول لهم ولا قوة".
وأوضح المتحدث ذاته أن مجزرة الحولة "تختلف عن غيرها من المجازر التي ارتكبها النظام في سورية"، مضيفا: "كل أجهزة النظام الأمنية والجيش ومليشيات الدفاع الوطني ومدنيين من قرى مجاورة مؤيدة للنظام قد اشتركوا بها".
وجرت المجزرة على مرحلتين، حيث قتلت أجهزة النظام القمعية عددا من المدنيين بينهم نساء وأطفال نهارا، ثم عادت ليلا لتقتل ثلاث عائلات من آل السيد لم ينجُ منها سوى طفل وحيد. ويؤكد عبد الهادي أن جهاز "الأمن العسكري" هو من ارتكب المجزرة بحق آل السيد، مضيفا أن من ضمن المقتولين ضابط شرطة متقاعدا. وبيّن أن لجنة تابعة للأمم المتحدة كانت موجودة في مدينة حمص "وثقت" مجزرة الحولة، قائلا: "جاءت اللجنة ووثقت ما جرى بشكل كامل، وعلى إثرها صدر بيان من مجلس الأمن الدولي فظننا أن المجتمع الدولي سيحاسب النظام على جرائمه ولكن للأسف ضاعت دماء الأطفال والنساء هدرا".
وأشار عبد الهادي إلى أن المقابر في المنطقة "لم تتسع للجثامين فاضطررنا إلى دفن القتلى في إحدى الساحات العامة في المنطقة"، مضيفا: "كانت مشاهد قاسية وموجعة لا يمكن أن تُنسى".
ووثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقرير سابق لها مقتل 107 أشخاص في مجزرة الحولة بالاسم الثلاثي والصور، مؤكدة أن من بين القتلى 49 طفلاً دون العاشرة من العمر، و32 امرأة. وفي وصفها لما جرى ذلك اليوم أشارت إلى أنها بدأت بقصف عشوائي طاول بلدات سهل الحولة، وتركز على بلدة تلدو وهي مدخل الحولة من الجهة الغربية والمحاطة بقرى موالية للنظام.
وقالت الشبكة إن القصف الذي استمر 14 ساعة خلف 11 شهيداً وعشرات الجرحى، تبعه اقتحام عناصر قوات النظام (الجيش والأمن والمليشيات الطائفية المحلية والأجنبية) مدعومة بعناصر من "الشبيحة" من قرى فلة والقبو لعدد كبير من المنازل الواقعة على أطراف تلدو. وأضافت: "اقتحامات وإعدامات ميدانية قام بها الشبيحة وعناصر الأمن بحق كل من وجدوه ساكناً على أطراف المدينة، حيث تم تكبيل أيدي الأطفال وتجميع النساء والرجال ومن ثم الذبح بحراب البنادق والسكاكين ورميهم بالرصاص بعد ذبحهم في أفعال تعود في وحشيتها إلى عصور الظلام وشريعة الغاب".
ويضم سهل الحولة الواقع إلى الشمال الغربي من مدينة حمص بنحو 20 كيلومترا العديد من البلدات والقرى، أبرزها: تلدو، وتل الذهب، والطيبة، والبرج، والتركمان. وبيّنت مصادر محلية أن عدد سكان السهل قبل عام 2011، وصل إلى نحو 120 ألف نسمة، مشيرة إلى أنه عقب التهجير الذي حدث برعاية روسية في مايو/ أيار 2018، الى الشمال السوري انخفض العدد الى نحو 50 ألف نسمة. وكانت فصائل المعارضة في مجمل ريف حمص الشمالي اضطرت الى توقيع اتفاقات تسوية بعد قصف جوي روسي غير مسبوق على المنطقة، أنهت العمليات العسكرية في هذا الريف ومن ضمنه منطقة سهل الحولة.