تحل الذكرى الثامنة لانقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013 في مصر، اليوم السبت، وسط العديد من المتغيرات غير المتوقعة، أبرزها تحول العلاقة بين قادة الانقلاب ومموليه الخليجيين، وعلى رأسهم دولة الإمارات. ولم تنتقل العلاقة من حالة التبعية المطلقة إلى حالة الاستقلالية فحسب، بل أيضاً إلى علاقة أخذت شكل الندية والتصادم في بعض الأوقات، كما هو عليه الحال في الوقت الراهن في بعض الملفات التي يأتي في مقدمتها الملف الليبي، وملف أزمة سد النهضة. مشاركة الإمارات وحكامها للتخطيط للانقلاب في مصر ظهرت في عدد من الوقائع والوثائق، والتي كانت أهمها تلك المعروفة باسم "تسريبات مكتب السيسي" في عام 2015.
وجاءت التسريبات بصوت اللواء عباس كامل والذي كان وقت التسجيلات يشغل منصب مدير مكتب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي قبل أن يتم اختياره لمنصب رئيس جهاز المخابرات العامة الذي يتولاه حالياً. وكشف كامل وقتها، حسبما ذكرت فضائية "مكملين" التي تبث من إسطنبول التركية، عن فتح الإمارات حساباً بقيمة خمسة ملايين دولار لصالح حركة تمرد، على أن تشرف المخابرات الحربية على الحساب. وفي ذلك الحين كان السيسي وزيراً للدفاع في حكومة هشام قنديل.
اتفقت الإمارات مع إسرائيل على نقل البترول إلى أوروبا
ومرّت العلاقات بين السيسي والإمارات بمراحل عدة في السنوات الثماني الماضية. ويصفها سياسي مصري، كان من مؤيدي السيسي حتى وقت قريب، بأنها "بدأت بالتحالف الكامل والتبعية المطلقة من جانب السيسي لأبوظبي في كافة الملفات الداخلية والإقليمية والدولية، وباتت مصر بمثابة إمارة ثامنة ضمن الاتحاد الإماراتي". ويضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الوزير الإماراتي سلطان الجابر هو بمثابة مندوب سامٍ إماراتي في مصر، وأشرف على كافة أوجه الإنفاق العام، والخطط الاقتصادية، ومراجعة مسار المساعدات الاقتصادية التي تقدمها بلاده للنظام المصري، خلال السنوات الأولى التي أعقبت الانقلاب".
بعدها، أخذت العلاقات تتحوّل بصورة بطيئة من التوافق التام إلى التباين في وجهات النظر حتى الصدام أخيراً. وفي الفترة الأخيرة تحول الخلاف المكتوم بين القاهرة وأبوظبي إلى موقف مصري حادّ يختلف بشكل كامل عن الرؤية الإماراتية، في ملف العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والمصالحة مع قطر، والسير نحو التهدئة مع تركيا، ورفض التوجه الإماراتي الرامي لتأجيج الحرب في ليبيا، عبر دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وبعد سنوات من الوئام والاستقبالات الحافلة والأجواء الأخوية الودية في الزيارات المتبادلة بين قادة الدولتين، فوجئت مصر بموقف الإمارات المتغير. ويقول مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" إن "الإعلام الإماراتي والمواقف الإماراتية الظاهرة تُظهر إشادة بتعاون مصر، لكن في الخفاء تطعن أبوظبي القاهرة من الظهر، وتتحالف مع أديس أبابا لإنجاز سد النهضة. كما تتواطأ الإمارات مع إسرائيل في مشاريع من شأنها توجيه ضربات قاصمة للاقتصاد المصري، أبرزها اتفاق نقل البترول لأوروبا مع إسرائيل عبر خط أنابيب عسقلان - إيلات، الذي يُعدّ تهديداً صريحاً لقناة السويس، بخلاف إدارة اجتماعات مع حفتر لتأجيج الوضع في ليبيا بشكل يضر الأمن القومي المصري، ويشعل الوضع مجدداً على الحدود الغربية لمصر".
أطلق الإماراتيون طائرة مسيّرة من إريتريا لقصف تيغراي
وكان ملف أزمة سد النهضة بمثابة القشة التي قصمت ظهر العلاقة بين البلدين، ونقلت الخلافات من خانة المسكوت عنه إلى خانة الصدام، بل أدت إلى تحركات متضادة. وفي الوقت الذي كانت القاهرة تسعى فيه جاهدة لتضييق الخناق على أديس أبابا، وصناعة أوراق ضغط تمكنها من دفع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد للاستجابة للمطالب المصرية بشأن سد النهضة، كان حكام الإمارات يفسدون تلك التحركات المصرية عبر دعمهم الواسع لرئيس الوزراء الإثيوبي. وأدى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد دور "رجل الإطفاء" في أزمات إثيوبيا الداخلية، التي كانت كفيلة بتشتيت جهود أبي أحمد ودفعه للقبول بالطروحات المصرية السودانية الخاصة بالأزمة. وبدا الدعم الإماراتي لإثيوبيا واضحاً عندما أطلقت أبوظبي طائرات مسيّرة من قاعدة عسكرية تابعة لها في منطقة عصب في إريتريا، لقصف قوات "جبهة تحرير شعب تيغراي" المتمردة على الحكومة الإثيوبية المركزية. في المقابل، امتنعت الإمارات عن إصدار أي موقف رسمي واضح يدين التوجه الإثيوبي في أزمة السد، وهو ما دفع مصر في المقابل لرفض الوساطة الإماراتية للحوار مع إثيوبيا.
وفي الوقت الذي بلغت فيه الأزمة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى ذروة التصعيد، قبل أيام قليلة من الموعد الذي حددته إثيوبيا للملء الثاني للسد، أجرى ولي عهد أبوظبي اتصالاً مع رئيس الوزراء الإثيوبي، بعد ساعات قليلة من اندحار القوات الإثيوبية وهروب الجيش التابع للحكومة من ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي أمام المتمردين. وجاء في البيان الرسمي أن الاتصال تناول التعاون بين البلدين وسبل تنميته، بالإضافة إلى مستجدات الأحداث التي تشهدها المنطقة، والجهود الإقليمية والدولية المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية، خصوصاً في الدول الأفريقية.