شكري في أنقرة اليوم... تطور العلاقات الدبلوماسية مستمر

13 ابريل 2023
شكري وجاووش أوغلو في القاهرة، 18 مارس الماضي (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

يزور وزير الخارجية المصري سامح شكري العاصمة التركية أنقرة، اليوم الخميس، تلبية لدعوة نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، بحسب ما أكدت وزارة الخارجية المصرية.

وأوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد أن الزيارة تستهدف مواصلة المناقشات المرتبطة بمسار تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا بما يكفل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، استكمالاً للمباحثات التي أجريت بين الجانبين خلال زيارة وزير خارجية تركيا إلى القاهرة في مارس/ آذار الماضي، فضلاً عن التشاور حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية.

من جهتها، قالت مصادر مطلعة على ملف استعادة العلاقات المصرية التركية، لـ"العربي الجديد"، إن زيارة شكري "يمكن قراءتها في سياق تطوير العلاقات الدبلوماسية بين البلدين"، موضحة أن زيارة شكري تأتي "استمراراً لمسيرة تطبيع العلاقات الدبلوماسية وتطويرها من دون باقي المسارات".

مصادر: زيارة شكري تأتي استمراراً لمسيرة تطبيع العلاقات الدبلوماسية وتطويرها من دون باقي المسارات

وأكدت المصادر أن "العبرة في الوصول بمستوى العلاقات بين البلدين إلى المستوى المرجو من الطرفين، هي توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر وتركيا، والتوصل إلى تفاهم وحل جذري في الملف الليبي، وليس فقط تبادل الزيارات الرسمية لمسؤولين من البلدين".

وقالت المصادر إن "الأزمة في المطالب المصرية الخاصة بليبيا هي أن الوجود العسكري التركي هناك ليس من خلال مرتزقة يعملون بشكل غير قانوني، ولكنه وجود جاء بناء على اتفاقية دولية نافذة تم توقيعها مع حكومة ليبية معترف بها دولياً، ولذلك فإن الادعاء المصري بوجود قوات أجنبية ومرتزقة أتراك على الأراضي الليبية غير حقيقي وغير واقعي".

مقابل ذلك، أضافت المصادر أن "القاهرة تسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع أنقرة، والعمل على تطويرها، والدليل على ذلك أنها لم تستكمل اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع اليونان، حفاظاً على شعرة معاوية مع تركيا، كما أنها لم تعترف بالإبادة الجماعية للأرمن".

وأشارت المصادر إلى أن "العلاقات التجارية والاقتصادية بين القاهرة وأنقرة في أعلى مستوى، وهناك أيضاً سعي لتطوير العلاقات الدبلوماسية، ولكن تحقيق قدر أعلى من العلاقات في باقي الملفات، يتوقف على بعض الأمور العالقة، مثل مطالبة القاهرة بتسليم المعارضين الموجودين على الأراضي التركية".

واستبعدت المصادر أن "ترضخ تركيا لهذا الطلب"، مؤكدة أن مصر "لا يجب أن تتوقف عند هذا المطلب ولا يجب أن ترهن علاقتها بتركيا به، نظراً إلى الحاجة الماسة لتطوير العلاقات مع أنقرة، التي تؤدي أدواراً مهمة على الصعيد الدولي، ومنها تدخّلها في الأزمة الأوكرانية، والأزمة بين أرمينيا وأذربيجان، وغيرهما من الملفات المهمة".

ملف شرق المتوسط بين مصر وتركيا

وتعليقاً على ذلك، أعرب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "تطبيع العلاقات بشكل كامل مرتبط بعدة اعتبارات أساسية، على رأسها ملف شرق المتوسط".

وأشار إلى أن "مصر لا يمكنها أن تقدّم تنازلات أو على الأقل تقوم بتوقيع اتفاقيات مع تركيا في هذا الملف، على الرغم من أنه الأكثر أهمية والأكثر استراتيجية للجانب التركي، لأنه يرتبط بدرجة أساسية باكتشافات بحقول الغاز، ورغبة تركيا في التخلص من عبء استيراد أكثر من 85 في المائة من احتياجاتها من الغاز".

وأضاف أن "مصر لن تقوم بتوقيع أي اتفاقيات في هذا الملف في هذه المرحلة، لأنها بالفعل وقّعت اتفاقيات مع اليونان وقبرص وإسرائيل، وإذا وقّعت اتفاقية مع تركيا سيكون من شأن ذلك التأثير سلباً على علاقاتها مع الأطراف الأخرى، وهي حريصة على علاقتها مع هذه الأطراف بشكل أكبر من حرصها على علاقاتها مع تركيا في هذا الإطار".

عبد الشافي: لا أعتقد أن مصر يمكن أن تتراجع في الملف الليبي، لأنه بالنسبة لها ملف أمن قومي

وتابع عبد الشافي: "لا أعتقد أيضاً أن مصر يمكن أن تتراجع في الملف الليبي، لأنه بالنسبة لها ملف أمن قومي، والحديث عن التراجع هنا يعني القبول بالتسوية السياسية وليس بمعنى الخروج منه، ولكن النظام في مصر لن يقبل بتسوية سياسية حقيقية في الداخل الليبي لأنه يقوم بدعم أحد الأطراف بشكل مباشر، ويريد أن يستمر في هذا الدعم، لأن دعمه لخليفة حفتر يرتبط أيضا بعلاقة النظام بكل من الإمارات وروسيا، ووجود شركة فاغنر في شرق ليبيا بدرجة كبيرة".

وعن ملف المعارضة المصرية في تركيا، أعرب عن اعتقاده بأنه "لا يمثل إشكالية بين البلدين حالياً، لأن الكثير من أطراف هذه المعارضة إما ترك الأراضي التركية بالفعل وانتقل إلى دولة أخرى، أو أصبح لا يمارس أي نشاط سياسي في ظل التحولات السياسية الراهنة".

وأشار أستاذ العلاقات الدولية إلى أن "الإشكالية الحقيقية في هذه الملفات الثلاثة أن النظام في مصر لا يراعي أو لا يهتم بدرجة مركزية بقضايا الأمن القومي المصري المتمثلة في ليبيا وفي شرق المتوسط، لأن التسوية والتنسيق مع تركيا في هذين الملفين يمكن أن يعززا الأمن القومي".

وأضاف أن "النظام في مصر لا يهتم بهذين الملفين بدرجة مركزية، بقدر اهتمامه بقضية شكلية وهي قنوات إعلامية تصدر هنا أو هناك، أو بعض الأصوات التي توجّه انتقادات للنظام المصري، ويعتبر مثل هذا الأمر هو الأهم له على حساب القضايا المركزية الأخرى". وتابع: "بناء على ذلك، فإن عودة السفيرين يمكن أن تكون واردة، ولكن الحديث عن تقدّم أكبر وحدوث لقاء بين رئيسي البلدين أمر صعب قبل الانتخابات الرئاسية التركية التي ستجرى في مايو/ أيار المقبل".

تقارب مضبوط بالحسابات الخاصة

من جهته، قال الباحث السياسي المتخصص في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية خالد فؤاد، لـ"العربي الجديد"، إن "مصر لا تزال متحفظة في خطواتها من أجل التقارب مع تركيا بشكل كبير، لأنها حريصة على ألا تسبّب مواقفها مشاكل تخص تحالفاتها في شرق المتوسط، فهناك مصالح مع اليونان وقبرص وإسرائيل، ويوجد تحالف في منتدى غاز شرق المتوسط، ومصر حريصة على تماسك هذا التحالف والحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية معه".

خالد فؤاد: مصر لا تزال متحفظة في خطواتها من أجل التقارب مع تركيا بشكل كبير

وتابع: "من الضروري أن تكون مواقف القاهرة بشكل عام متوافقة مع هذا التحالف، وألا يؤدي التقارب مع تركيا إلى أزمات معه، إلى جانب تخوفات مصر الحقيقية حول تزايد النفوذ التركي في ليبيا، وهو ما يجعلها متحفظة في خطواتها بشكل أكبر لناحية التقارب مع أنقرة".

ورأى فؤاد أن "تركيا لديها رغبة في التقارب بشكل أسرع، ولديها هدف استراتيجي لإعادة علاقاتها مرة أخرى مع مصر وإسرائيل، حتى لا تصبح أزماتها مع اليونان في منطقة شرق المتوسط أزمة مع التحالف الإقليمي".

وبرأيه، فإن "الجديد في المشهد الذي دفع التقارب بين الدولتين إلى خطوات جدية وسريعة، أن هناك أزمات في الجانبين التركي والمصري؛ الأزمة الاقتصادية في مصر، التي تدفع القيادة السياسية لاتخاذ خطوات في تحالفات جديدة تساعد على الخروج من هذه الأزمة، وتركيا أيضا لديها أزمة اقتصادية، ولكن لديها استحقاقات انتخابية مهمة في المرتبة الأولى، وهذا الأمر يجعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حريصاً بشكل كبير على تهدئة علاقاته مع القوى الإقليمية، لمساعدته في الانتخابات الرئاسية". وتوقع فؤاد أن يظل ملفا شرق المتوسط وليبيا، "لهما حساسيتهما، أما ملف المعارضة المصرية الموجودة على الأراضي التركية، فأعتقد أنه سيتم تجاوزه وتخطيه من البلدين".

من جهته، قال باحث الدكتوراه المتخصص في السياسات العامة أحمد محسن لـ"العربي الجديد": "إذا ركزنا على السياسات العامة التي تقوم بها مصر وتركيا خلال الأشهر الماضية، نجد أن البلدين واعيين تماماً بأن لديهما مصلحة مشتركة في التقارب وفي تهدئة التوتر، لكنهما يدركان أيضاً حجم التعقيدات وحدود وإمكانية هذا التقارب، ولذلك يتم التركيز حالياً على عملية التقارب نفسها وعلى أخذ خطوات رمزية في هذا المسار بدلاً عن التركيز على محاولة الوصول إلى اتفاق مشترك في القضايا الخلافية".

ولفت إلى أن "محاولة الوصول إلى اتفاقات أو تفاهمات في القضايا الخلافية بين البلدين في الماضي لم تؤدِ إلى نتائج إيجابية، كما أنها لم تساهم في تحسين العلاقات وتطورها بشكل إيجابي، وأظن أن كلا البلدين وصلا إلى قناعة بأن هذا الشكل لن يكون مفيداً على المدى القصير أو المتوسط، لذا نجد اتجاهاً جديداً لتبنّي شكل مختلف من الإجراءات والسياسات من أجل تحسين العلاقات".

وأكد محسن أن "هناك ميلاً في الفترة الحالية للتركيز على الإجراءات التي تتميز بخاصيتين: الرمزية والاستمرارية، ما يدفع للاستفادة من أي فرص متاحة لتحسين هذه العلاقة، كما حدث في افتتاح كأس العالم في قطر أو بعد زلزال تركيا، على أمل أن هذه الإجراءات يمكن أن تساهم في تحسين العلاقة بين البلدين مستقبلاً، في مقابل تأجيل النقاش في القضايا الرئيسية والخلافية الكبيرة بين البلدين إلى مرحلة لاحقة".

وأضاف أن "هذا النوع من السياسات والإجراءات يراهن على مرور الوقت ورمزية هذه الإجراءات في بناء شكل أفضل من العلاقات مستقبلاً، كما أنه يراهن على أن هذه التغيرات الصغيرة والمستمرة قادرة على بناء فرص أفضل في المستقبل".

المساهمون