على وقع الحديث عن زيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، لعقد الاحتفالية التي تحدث عنها بمناسبة "القضاء على الإرهاب"، والتي من المتوقع أن يتخللها افتتاح مشاريع ضخمة كمطار وميناء العريش ومدينة رفح الجديدة، وطرق ومحطات كهرباء ومياه، بدأت آلية الهدم بإزالة عشرات المنازل في المناطق المحيطة بميناء العريش، بعد نقل تبعيته إلى وزارة الدفاع لتوسعته بشكل كبير، ما سيؤدي لتهجير ألفي أسرة من سكان المنطقة.
تسارع هدم المنازل
وفي التفاصيل، قال محمد ياسر أحد سكان منطقة الميناء لـ"العربي الجديد" إنه "منذ بداية الشهر الحالي شهدنا حالة من المسارعة في هدم المنازل، وتخريبها قبل البدء في هدمها، بهدف حث المواطنين على تركها، والرحيل من المنطقة، وخفض حركة السكان بأسرع وقت ممكن، فيما تقوم الآليات الهندسية الضخمة بتجريف المنازل، وسط حضور أمني مكثف، حرصاً على عدم وجود أي رد فعل من السكان على عمليات الهدم، لا سيما في ظل عدم حصول المواطنين على التعويضات حتى هذه اللحظة".
وأضاف ياسر أن "الأهالي اجتمعوا قبل أسبوعين، وقرروا إيصال رسالة إلى السيسي، فور بدء زيارته شمال سيناء، بهدف توضيح صورة تهجيرهم من منازلهم، التي يقطنون فيها منذ سنوات، وتحمّلوا على مدار السنوات الماضية معاناة لا توصف، نتيجة مكافحة الإرهاب الذي ضرب مدينة العريش ومحور الساحل على وجه الخصوص، فيما تأتي الدولة لتكافئ المواطنين على صمودهم بتهجيرهم من منازلهم بلا وجه حق، في ظل وجود بديل آخر يمكن توسعة الميناء من خلاله، والابتعاد على الكتلة السكانية الوحيدة على شاطئ شمال سيناء".
سيؤدي هدم المنازل في العريش إلى تهجير ألفي أسرة
وأوضح ياسر أن "الأهالي استبشروا خيراً بزيارة السيسي إلى سيناء في الفترة المقبلة، وفقاً لما تم تسريبه والحديث عنه في مناطق شمال سيناء خلال الأيام الماضية، وحضّروا أنفسهم لإيصال رسالة مباشرة للرئيس في حال وصوله إلى مدينة العريش، حتى لا تكون الزيارة سلبية على سكان المنطقة، في ظل المسارعة بهدم المنازل وطرد السكان، وتسوية الكتلة السكانية بالأرض، لتصبح أرضاً فارغة قبل وصول الرئيس لمتابعة تنفيذ المشروع، وبالتالي إعدام أي فكرة اعتراض أو رفض، وتصبح المنطقة جزءاً من الماضي".
وعاد مواطنون لنشر المناشدات والاستغاثات بضرورة وقف مشروع إزالة المنازل، وكذلك رسائل موجهة من أطفال المنطقة لكل المسؤولين المصريين. بيد أن هذه المناشدات حالها كالتي سبقتها لم تؤت ثمارها، حتى الآن، في ظل إصرار الجهات السيادية والحكومية والعسكرية في مصر على إزالة المنطقة، في سبيل توسعة الميناء، الذي من المقرر أن يكون جاهزاً للعمل مع نهاية العام الحالي.
وبدا واضحاً خلال السنوات الماضية الاهتمام الرسمي بميناء العريش، من خلال التدرج في السيطرة عليه عبر تحويله بداية إلى أغراض المنفعة العامة، ونزع الملكية الخاصة للعقارات الواقعة في نطاق حدوده، ثم قضى قرار رئاسي بنقل تبعية الميناء إلى الجيش، وتخصيص الأراضي المحيطة به اللازمة لأعمال التطوير لوزارة الدفاع، وذلك بإجمالي مساحة 541 فداناً، وإبعاد الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن استخدامه، أو إدارته، ليصبح منطقة عسكرية.
وسيؤدي القرار الأخير إلى تهجير آلاف المواطنين من سكان المنطقة، بعدما مكثوا فيها منذ عقود، ما دفع المواطنين إلى إنشاء مجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لنشر صور منازلهم المعرضة للهدم.
ونشر سكان المنطقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر الآليات الهندسية خلال عملها على إزالة المنازل، وكذلك خلال دفنها مساحات واسعة من شاطئ المنطقة، بهدف إنشاء ألسنة بحرية محيطة بالميناء، لكسر الأمواج، وسط مناشدات مستمرة من الأهالي بضرورة إيقاف الكارثة التي تحصل بحق ألفي أسرة مصرية تقطن في محيط الميناء.
وكتب المهندس عزمي سميري حول ما يجري في العريش: "التنمية عندنا ندهن شوية واجهات علشان عيون المسؤول، تشوف الدنيا حلوة من وجهة نظرهم، وتناسوا كسر نفوس الناس بهدم بيوتهم في حي الميناء، من دون أي رحمة علي بعد أمتار من مساحيق المكياج المزيفة، ما يحدث الآن بحي الميناء وتفزيع الآمنين واخراج الآمنين من بيوتهم، تعدي كل القيم الإنسانية، حسبنا الله ونعم الوكيل".
توسعة الميناء
ويسبب مشروع التوسعة الذي تقوم عليه وزارة الدفاع المصرية هدم 1108 منشآت سكنية، و32 مبنى تجارياً، و23 منشأة حكومية، ومناطق ترفيهية وشاليهات مثل "شاليهات نجمة سيناء"، بينما تم صرف تعويضات لعدد من العائلات التي قبلت بالتعويض، وأخلت منازلها خلال الأسابيع الماضية، فيما تحاول بعض العائلات كسب الوقت وعدم الموافقة على ترتيب أوراقها في المحافظة لاستلام التعويضات، للحصول على مبالغ أكبر في التعويضات، في ظل رفضها إخلاء منازلها.
زهدي جواد: تم تهجير العديد في رفح والشيخ زويد ومحيط حرم مطار العريش
وبحلول شهر مارس/ آذار المقبل، يجب على كل العائلات القاطنة في منطقة الميناء أن تخلي منازلها بالكامل، واستلام التعويضات لشراء شقق سكنية أو منازل جديدة، في ظل توافر الميزانيات اللازمة لدفع التعويضات كاملةً للمواطنين، وفقاً لقرارات سيادية، وجهت لإدارة المحافظة، وبالتنسيق مع وزارة الدفاع، لصرف التعويضات قبل إخلاء السكان من منازلهم.
وحسب التعليمات الحكومية، فإن أجهزة الأمن ستتدخل لإخلاء المواطنين بالقوة في حال رفض الخروج من منازلها خلال الفترة المقبلة، لا سيما أن حي الميناء بات منطقة عسكرية مغلقة وفقاً للقانون وضمن نفوذ وزارة الدفاع، ولا يحق أن يبقى فيها أي مدني.
وحول هذه التطورات، اعتبر الناشط السياسي من مدينة العريش زهدي جواد، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "عمليات التنظيف والتجميل والتلوين التي تمت خلال الأسابيع الماضية لمدن شمال سيناء، لا تبدو أنها كافية لاستقبال أي شخصية سيادية أو حكومية تنوي زيارة المحافظة خلال الفترة المقبلة، بل لا بد من المزيد من الخطوات على الأرض، ومنها إزالة منطقة ميناء العريش، وإخلاء سكانها، وإنهاء هذا الملف بالكامل، كي لا يكون هناك أي إزعاج للمسؤولين القادمين لزيارة المحافظة، خصوصاً أنه تم الانتهاء من تهجير كل من يراد تهجيره في مدن رفح حيث المنطقة العازلة والشيخ زويد في القرى الجنوبية منها، ومحيط حرم مطار العريش، إلى أن جاء الدور على سكان الميناء".
وأسف جواد "لأنه تم إلهاء سكان شمال سيناء بسلسلة من التسهيلات الحياتية التي ما كان يجب حرمان أي مواطن مصري منها، بهدف تمرير المزيد من المخططات المراد تنفيذها على أرض سيناء، فلذلك لا يجد سكان منطقة الميناء أي نصير لهم، حتى من أهل سيناء نفسها، ويقفون بمفردهم أمام آلة الهدم التابعة لوزارة الدفاع المصرية، والتي لا يمكن مقاومتها أو رفض عملها".
وأشار إلى أن "أي زيارة ذات مستوى عال إلى سيناء لن تنسي أهاليها ما جرى لهم على مدار عقد كامل، من التهجير والتضييق والعقاب الجماعي، حتى تحوّلت حياتهم إلى جحيم".
وتأسس ميناء العريش، الواقع على ساحل البحر المتوسط، في عام 1996، بعد صدور قرار بتحويله من ميناء صيد إلى تجاري، إذ قامت الهيئة العامة لميناء بورسعيد بإعداده لاستقبال السفن التجارية. ويوجد في الميناء، الذي يقع على الساحل الشمالي للعريش، رصيف بطول 242 متراً يستخدم للسفن التجارية بغاطس من 7 إلى 8 أمتار، ورصيف آخر بطول 122 متراً يستخدم للعائمات الصغيرة بعمق 3 إلى 4 أمتار.
وكذلك توجد ساحات تخزينية مغطاة وغير مغطاة. وتتلخص أنشطة الميناء في تصدير خامات سيناء التعدينية إلى دول البحر المتوسط والبحر الأسود، واستقبال سفن الصيد الصغيرة والبضائع.