استمع إلى الملخص
- تشهد منطقة جبل صبيح مواجهات أسبوعية منذ مايو 2021 احتجاجاً على إقامة بؤرة استيطانية، حيث يتعرض المتظاهرون لعنف الجيش الإسرائيلي.
- رغم إصابته، يطالب سانتياغو حكومته بوقف الدعم العسكري لإسرائيل حتى تمتثل للحكم الدولي بشأن احتلالها لغزة والضفة الغربية.
في يوم الجمعة التاسع من أغسطس/آب الماضي أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على مظاهرة للفلسطينيين في قرية بيتا في الضفة الغربية وكان ناشطون أجانب يشاركون بالمظاهرة للاحتجاج على إقامة المستوطنات في أراضي الضفة، من بين الذين أصيبوا في ذلك اليوم كان ناشط أميركي من أصول فيليبينية اسمه دانيال سانتياغو، معلم لغة أنكليزية في ولاية نيوجيرسي الأميركية، جاء إلى فلسطين للمشاركة في الاحتجاجات السلمية على الاستيطان الإسرائيلي.
ذهب سانتياغو إلى الضفة الغربية مع منظمة "دافعوا عن فلسطين" للمساهمة في توفير حماية المدنية غير العنيفة للمزارعين والأسر الفلسطينية، وجاءت رحلته إلى فلسطين المحتلة انطلاقاً من إيمانه بأن "أشكال التضامن الانساني هذه ضرورية للتصدي لتصاعد عنف المستوطنين والقوات الإسرائيلية" كما يقول سانتياغو في مقال نشره في صحيفة تايم البريطانية، اليوم الجمعة، بعنوان "أنا ناشط أميركي، أطلقت القوات الإسرائيلية النار عليّ في احتجاج سلمي بالضفة الغربية" سجل فيه شهادته وما جرى معه.
تشهد منطقة جبل صبيح في بلدة بيتا جنوبي نابلس، مسيرة أسبوعية تتخللها مواجهات منذ مايو/أيار 2021 رفضاً لإقامة بؤرة استيطانية على قمة الجبل، وعادة ما يتواجد متضامنون أجانب في صفوف المحتجين الفلسطينيين ويتعرضون لعنف قوات الاحتلال والمستوطنين، وفي يوم إصابة سانتياغو استعمل جيش الاحتلال الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية ضد المحتجين ما أجبر المتظاهرين على الفرار والبحث عن مأوى في بستان زيتون قريب.
في البداية لم يدرك معلم اللغة الانكليزية أنه أصيب برصاصة ويقول "لم أدرك أنني أصبت برصاصة، اعتقدت أنني أصبت بعبوة غاز مسيل للدموع وتمكنت حتى من الاستمرار في الركض لبضع لحظات. كان عندما نظرت إلى أسفل ورأيت كتلة اللحم النابضة، فهمت أن رصاصة مزقت ساقي"، وسارع الفلسطينيون من "حولي إلى نقلي في شاحنة صغيرة قريبة كانت تنتظر على طريق ترابي على بعد نصف ميل تقريباً، ثم نقلوني إلى سيارة إسعاف".
الطريق إلى مستشفى رفيديا في نابلس لم يكن أقل صعوبة حيث أوقفت مركبات ونقاط تفتيش تابعة للجيش الإسرائيلي ثلاث مرات، واستغرق الطريق نحو ساعة، ومن المعروف ان عرقلة سيارات الإسعاف من قبل الاحتلال أدى في حوادث أخرى إلى وفاة الجرحى والمصابين، ويشير سانتياغو إلى ذلك بقوله إن "الفلسطينيين ليسوا محظوظين ليتم نقلهم بهذه السرعة، ففي أغسطس/آب 2023، على سبيل المثال، مُنعت سيارة إسعاف تحمل مصاباً بسكتة دماغية ويبلغ 40 عاماً من الدخول إلى القدس الشرقية، ما أدى إلى وفاته. وفي يونيو/حزيران من هذا العام (2024) ربط الجيش الإسرائيلي رجلاً فلسطينياً مصاباً في مقدمة مركبة عسكرية إسرائيلية".
لم تكن إصابة سانتياغو خطيرة بعكس مصابين آخرين في المستشفى، ويروي أنه "كان هناك صبي يبلغ من العمر 13 عاماً يُدعى مروان يتعافى من جرح ناجم عن طلق ناري أطلقه عليه جنود إسرائيليون في نفس اليوم. اخترقت الرصاصة عظمه بينما كان يلعب كرة القدم مع أصدقائه. وعندما عرجت في الممر لزيارته، أخبرتني عائلته أن إصابته لا تقارن بما يحدث للناس في غزة". في اليوم التالي، يتابع سانتياغو، تم إدخال أربعة أشخاص بينهم أطفال، من بيت فوريك شرقي نابلس، إلى نفس المستشفى "أصيب ثلاثة منهم برصاصة في الساق، وواحد في الذراع"، وفي في ذلك اليوم "قُتل ما يقرب من 100 شخص في غزة عندما ضربت غارة جوية إسرائيلية مدرسة ومسجدا أثناء صلاة الفجر".
قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن إطلاق النار على سانتياغو كان "حادثاً"، مدعياً أن الجنود أطلقوا ذخيرة حية في الهواء، ولكنه يقول إن الحقيقة "أنهم أطلقوا النار علي مباشرة، حيث دخلت الرصاصة من مؤخرة فخذي وخرجت من الأمام. إنها مسار من المستحيل أن تسقط عليه رصاصة من السماء". ومن جهتها قالت وزارة الخارجية الأميركية وقتها إنها "على علم بالحادث"، وعرضت السفارة الأميركية على سانتياغو مرافقته لتقديم تقرير إلى الشرطة الإسرائيلية لكنه رفض العرض لأنه يعتقد "أن مثل هذه التقارير تخفي الإفلات من العقاب المنهجي الذي تتمتع به إسرائيل. والبيانات تؤكد ذلك".
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قال في وقت سابق من هذا العام "إذا تأذى مواطن أميركي، سوف نرد"، ومع ذلك لم تدن إدارة بايدن الهجوم على سانتياغو، وكذلك اكتفت بالصمت حين "تعرض أميركيون للضرب بالهراوات من قبل المستوطنين الإسرائيليين قبل أسبوعين. وعندما قُتل مراهق أميركي فلسطيني بالرصاص في الضفة الغربية في يناير/كانون الثاني الماضي. وعندما أطلقت القوات الإسرائيلية النار على صبي أميركي فلسطيني وسجنته ظلماً في ديسمبر/كانون الأول الماضي".
ويشير سانتياغو إلى أن الناشطة الأميركية التركية عائشة نور إزغي إيجي (26 عاماً) استشهدت برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوم الجمعة الماضي، على بعد أمتار من المكان الذي أُطلق فيه النار عليه وفي نفس الاحتجاج الأسبوعي في بيتا، ووصف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مقتلها بأنه "غير مبرر" بينما قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنها "من المرجح جدًا" أن تكون قد أصيبت بنيران طائشة، وواجه بايدن ونائبته كامالا هاريس انتقادات في الأيام التي أعقبت وفاة عائشة لفشلهما في الاتصال بعائلتها الذين يقولون إنهم "مستاؤون بشدة من الإيحاء" بأن قتلها كان "غير مقصود"، ودعوا إلى إجراء تحقيق مستقل في الولايات المتحدة، لكن لم يتم الإعلان عن أي تحقيق بعد ويقول سانتياغو "لو أخذت إدارة بايدن إطلاق النار عليّ على محمل الجد، لربما كانت عائشة لا تزال معنا اليوم".
ويرى الناشط الأميركي أن الولايات المتحدة "تمنح الفرصة لمثل هذا العنف غير الضروري بدعمها المطلق لإسرائيل وإمداداتها الثابتة من الأسلحة. في نفس اليوم الذي أُطلقت فيه النار علي، على سبيل المثال، وافقت وزارة الخارجية على المساعدات العسكرية لـ (نيتسح يهودا)، وهي كتيبة متشددة متهمة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين". لقد فرضت الولايات المتحدة ودول أخرى عقوبات على حوالي اثني عشر مستوطناً متطرفاً وعدد قليل من الجماعات، لكن تأثيرها كان ضئيلاً "ولهذه الأسباب، أؤيد الناشطين ومعظم الأميركيين في المطالبة بأن تقوم حكومتنا بعمل أفضل".
ويطالب سانتياغو حكومة بلاده باتباع القوانين التي أقرتها هي مثل قوانين "ليهي" (الذي يلزم الحكومة الأميركية بعدم تمويل أي قوات أجنبية "يتأكد تورطها في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان" وسمي هذا القانون على اسم السيناتور المتقاعد باتريك ليهي من ولاية فيرمونت) وقانون المساعدات الخارجية اللذين يحظران توفير الأسلحة العسكرية والمساعدة للدول التي ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان. ويرى سانتياغو أنه "حان الوقت لكي تفرض الولايات المتحدة، التي تزود إسرائيل بمليارات الدولارات من الأسلحة كل عام، حظراً على الأسلحة حتى تمتثل تل أبيب بشكل كامل للحكم التاريخي الصادر عن محكمة العدل الدولية في يوليو/تموز الماضي بأن احتلال إسرائيل لغزة والضفة الغربية غير قانوني".
لطالما تعرض الناشطون الأجانب إلى اضطهاد وعنف الاحتلال الذي وصل لحد قتلهم في مسعى منه لمنعهم من القدوم إلى فلسطين لما يمثلونه من إحراج وقدرتهم على فضح ممارساته. ويقول سانتياغو في ختام مقالته إنه يهدف من خلال نشاطه وتضامنه مع الفلسطينيين إلى الوصول إلى "عالم لا يضطر أشخاص مثلي إلى تعريض أنفسهم للأذى بسبب الوقوف مع الفلسطينيين حتى يتمكنوا من العيش بحرية وكرامة في الضفة الغربية وغزة وخارجها".