على الرغم من مرور شهر كامل على زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، إلى العاصمة السورية دمشق في 16 يوليو/تموز الماضي، فإن أي تغييرات لم تطرأ بعد على الملفات العالقة بين البلدين، ابتداء من مكافحة الجفاف، وصولاً إلى تأمين الحدود المشتركة التي تمتد 600 كيلومتر، لتعزيز التعاون والحد من تهريب المخدرات، وتحديداً الكبتاغون.
وكان السوداني قد زار دمشق في 16 يوليو الماضي، في خطوة هي الأولى من نوعها لرئيس وزراء عراقي إلى سورية منذ عام 2011، حيث بحث خلال لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد الملفات العالقة بين البلدين، وفقاً لبيان صدر عن المكتب الحكومي في بغداد.
وقال مسؤول عراقي لـ"العربي الجديد"، إن القوات العراقية المشتركة أحبطت 12 محاولة لتهريب كميات ضخمة من الكبتاغون يصل مجموعها إلى 1.2 مليون حبة خلال شهر واحد، مع التأكيد على أن ذلك لا يعني نجاح إحباط كل محاولات إدخال تلك المخدرات من سورية إلى العراق.
كذلك، تطالب بغداد دمشق بتقاسم الضرر في ما يتعلق بتراجع إمدادات مياه نهر الفرات، الذي يمرّ بالبلدين، من دولة المنبع (تركيا)، حيث يجري حبس كميات كبيرة من مياه الفرات في عدد من السدود السورية، أبرزها سدود تشرين، والطبقة، وعفرين، والتي يتقاسم السيطرة عليها النظام و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد). ويقول العراق إن جزءاً من هذه المياه من نصيبه ويجب أن تصل إليه.
تطالب بغداد دمشق بتقاسم الضرر في ما يتعلق بتراجع إمدادات مياه نهر الفرات
ويستند العراق في ذلك إلى اتفاقية نهر الفرات الموقعة في عام 1989 والمعتمدة لدى الأمم المتحدة بين العراق وسورية، والتي ارتكزت على نسبة السكان والمساحة، حيث يحصل العراق على نحو 60 في المائة من مياه الفرات والنسبة المتبقية لسورية. وهذا الأمر أكدته تركيا خلال الحوارات الأخيرة مع العراق حيال أهمية تفاهم بغداد مع نظام الأسد.
وسجّلت لقطات بثّها ناشطون بيئيون ومواطنون عراقيون انحساراً كبيراً في مياه نهر الفرات داخل محافظة الأنبار غربي العراق، وكذلك في بحيرات حديثة وعنة والحبانية والثرثار، ومشاهد لفلاحين بدا أحدهم يمزق ثيابه جزعاً على خسارته محصول أرضه التي يبست بفعل الجفاف.
وقال مسؤول عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن زيارة السوداني إلى دمشق "كان هدفها وقف تدفق الكبتاغون الذي بات عاملاً مهدداً لأمن العراق، ورفع من وتيرة الجريمة داخل المجتمع العراقي لمستويات قياسية، وكذلك ملف نهر الفرات، لكن حتى الآن لا مؤشر على أي تحسن إيجابي حول ذلك".
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن "المباحثات كانت صريحة حول التهريب على الحدود، وسلّم العراق النظام أسماء شخصيات وشبكات تتولى هذه العمليات، لكن حتى الآن لا يوجد أي تغيير إيجابي". وأوضح أن "معدلات المياه الواصلة من نهر الفرات إلى داخل الأراضي العراقية ما زالت على حالها"، لافتاً إلى أن "الجنوب العراقي أكثر المتضررين من ذلك، باعتباره يضمّ آخر المدن التي يصل الفرات إليها". ولفت إلى أن اهتمام السوداني بالملف كان من أسباب توجهه إلى سورية بدلاً من إرسال فالح الفياض (رئيس هيئة الحشد الشعبي)، المعروف بكونه مسؤول الارتباط العراقي السوري، علماً أنه سبقت ذلك محاولات عدة لمسؤولين عراقيين لبحث هذه الملفات.
ويتحفظ النظام السوري على تواصل بغداد مع مليشيات "قسد"، ويعتبر أن ذلك يجعل العراق من بين الدول التي تمنح شرعية لتلك الجماعة، لكن المسؤول ذاته الذي تحدث لـ"العربي الجديد" والعامل في مستشارية الأمن الوطني العراقي، قال إن التواصل مع "قسد" يجري من خلال التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، ولغرض تأمين الحدود العراقية المحاذية للشمال الشرقي السوري (الحسكة ودير الزور)، وكذلك ملف مخيم الهول السوري، ومعتقلي تنظيم "داعش" الموجودين لدى "قسد".
المخدرات التي ضبطت العام الحالي دخل أغلبها عبر سورية
من جهته، قال الباحث في الشأن العراقي أحمد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إن اعتقاد الحكومة العراقية باستجابة نظام الأسد لطلب وقف أو المساعدة بوقف تدفق الكبتاغون، وإعادة آلية تقاسم الضرر بين البلدين المتعلقة بشحّ المياه في نهر الفرات، "سذاجة سياسية كبيرة، وعدم معرفة بفكر وطريقة عمل النظام في دمشق".
ورأى الحمداني أن الأسد سيحاول الحصول على مقابل. وأوضح أنه "مثلاً في ملف المياه، سيكون هناك مقابل مثل شحنات وقود لمناطق النظام، أو شراء العراق جزءاً من الصادرات السورية، وفي ملف الكبتاغون سيطلب النظام من العراق مساعدة لقواته الموجودة على الحدود"، معتبراً أن زيارة السوداني "فشلت في تحسين وضع نهر الفرات، ووقف سيل الحبوب المخدرة الواصلة للعراق، والتي يتورط بها مسؤولون من داخل قوات النظام والفصائل الحليفة له".
من جهته، أوضح المتحدث باسم مديرية مكافحة المخدرات، العقيد بلال صبحي، لـ"العربي الجديد" أن "مناطق دخول المواد المخدرة في العراق مقسمة إلى قسمين: الأول من جنوب البلاد عبر منطقة الأهوار (إيران)، ويتركز فيها دخول مادتي الحشيش والكريستال، والثاني يدخل من غرب البلاد عن طريق محافظة الأنبار (من سورية)، وبالتحديد منطقة القائم التي تعدّ بوابة لدخول الكبتاغون". وأشار صبحي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بعض العصابات والمجاميع المسلحة المنتشرة في البلاد تساعد وتساند تجاراً محليين مرتبطين بتجار دوليين ما يسهل عملية دخول المواد المخدرة إلى العراق".
وكشف عن التمكن خلال شهر أغسطس/آب الحالي من "تفكيك شبكة دولية للمتاجرة بالمخدرات، وتوقيف 3 من أعضائها، وضبط مليوني حبة كبتاغون في محافظة المثنى جنوبي البلاد". وبحسب صبحي، فإن القوات الأمنية استطاعت القبض على أكثر من 8 آلاف متهم في العراق بالتجارة والترويج للمخدرات خلال 2023، والحكم على 4500 منهم. وأوضح أن المواد المخدرة التي جرى ضبطها بأكثر من 2 طن من حبوب الكبتاغون، دخل أغلبها عبر سورية.
إلى ذلك، قال رئيس "مجموعة مدافعون" لحقوق الإنسان، علي البياتي، لـ"العربي الجديد"، إن سورية "هي المركز الأساسي المنتج والمصدر للكبتاغون إلى العراق ودول الخليج"، موضحاً أن العراق "يعد بلداً مستهلكاً، ومكان عبور للحبوب المخدرة إلى دول الخليج". ولفت البياتي إلى أنّ هناك "ضعفاً في البنى التحتية في العراق على مستوى الأجهزة الأمنية الكاشفة، وعلى مستوى التدريب التقني أيضاً، إضافة إلى ضعف القرار الأمني وتشتّته، والفساد الموجود في هذه الأجهزة الأمنية".