أجرى المستشار الألماني أولاف شولتز، اليوم الجمعة، أول اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ نهاية عام 2022، في خطوة تأتي وسط ترقب لتغيرات محتملة في السياسة الغربية تجاه الحرب في أوكرانيا، خصوصاً مع قرب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل.
ووفقاً لبيان نشره الكرملين، فقد تم خلال المكالمة "تبادل مفصل وصريح للآراء حول الوضع في أوكرانيا". وأكد بوتين أن الأزمة الحالية هي نتيجة "لسنوات طويلة من السياسة العدوانية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)"، والتي تهدف إلى تحويل الأراضي الأوكرانية إلى "منصة معادية لروسيا"، مع تجاهل مصالح روسيا الأمنية وحقوق الناطقين باللغة الروسية. كما أشار الرئيس الروسي إلى أن بلاده لم ترفض المفاوضات مطلقاً، بل لا تزال منفتحة لاستئنافها، مع ضرورة أن تراعي أي تسوية مستقبلية "الواقع الجديد على الأرض" وتزيل الأسباب الأولية للنزاع.
وأضاف البيان أن المكالمة تناولت أيضاً وضع العلاقات الروسية الألمانية التي اعترف بوتين بتدهورها بسبب ما وصفه بـ"النهج غير الودي للسلطات الألمانية"، وأيضاً الأوضاع في الشرق الأوسط، حيث عرض بوتين جهود روسيا "لخفض التصعيد والبحث عن حلول سلمية للأزمة في المنطقة".
وخلال المكالمة التي استمرت نحو ساعة، جدد بوتين تمسكه بانسحاب القوات الأوكرانية من المقاطعات الأربع التي ضمتها روسيا بشكل أحادي الجانب في 2022، وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، شرطاً لوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات، وهو المطلب الذي ترفضه كييف حتى الآن.
من جانبها، أكدت الحكومة الألمانية أن شولتز طالب روسيا بإبداء "رغبة في بدء مفاوضات مع أوكرانيا بهدف تحقيق سلام عادل ودائم". وكررت المستشارية الألمانية تأكيد "التزام الاتحاد الأوروبي الثابت حيال أوكرانيا"، مشيرة إلى أن شولتز تحدث أيضاً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل مكالمته مع بوتين وبعدها.
شولتز أضاف خلال الاتصال أن ألمانيا ستواصل دعم أوكرانيا في دفاعها ضد العدوان الروسي "طالما لزم الأمر"، مؤكداً "تصميم ألمانيا على دعم أوكرانيا" في نضالها المستمر.
وكان مصدر في مكتب الرئاسة الأوكرانية قد قال إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حذر المستشار الألماني أولاف شولتز من التحدث هاتفياً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الجمعة، قائلاً إن ذلك من شأنه أن يقلل عزلة رئيس روسيا ويبقي الحرب مستمرة.
وأضاف المصدر متحدثاً لرويترز: "قال الرئيس إن هذا لن يؤدي إلا لمساعدة بوتين من خلال الحد من عزلته. بوتين لا يريد سلاماً حقيقياً، وإنما استراحة (من الحرب)".
إلى ذلك، كتب رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك على منصة إكس: "تلقيت اتصالاً هاتفياً من المستشار شولتز أبلغني فيه بمضمون حديثه مع بوتين. سررت بسماع أن المستشار لم يكتف بإدانة العدوان الروسي بل كرر أيضاً الموقف البولندي ومفاده أن لا شيء يتقرر حول أوكرانيا من دون أوكرانيا".
I have just received a call from Chancellor Scholz who gave me an account of his talk with V.Putin. I was satisfied to hear that he not only condemned the Russian aggression, but he also reiterated the Polish position: „Nothing about Ukraine without Ukraine”.
— Donald Tusk (@donaldtusk) November 15, 2024
يعود آخر اتصال بين بوتين وشولتز إلى 2 ديسمبر/كانون الأول 2022، أي بعد حوالى تسعة أشهر من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا أصبحت ألمانيا أكبر مورد للأسلحة لكييف بعد الولايات المتحدة. لكن في الأشهر الأخيرة ورغم المطالب المتكررة من فولوديمير زيلينسكي، رفض المستشار الألماني تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى من طراز توروس والتي تعتبرها كييف فعالة في الدفاع بشكل أفضل ضد الهجمات اليومية الروسية بالصواريخ والمسيرات، خشية حصول تصعيد مع موسكو.
وقت الدبلوماسية
وقد أدى هذا الرفض، على غرار رفض شولتز طلب دعوة كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، إلى الإضرار بصورة المستشار الألماني في أوكرانيا.
هذه التوترات التي تفاقمت بسبب الصعوبات الأوكرانية على الجبهة في مواجهة جيش روسي أقوى يتقدم في دونباس (شرق)، تأتي أيضاً في إطار جيوسياسي عالمي يسوده عدم اليقين بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
فقد وعد ترامب في الأشهر الماضية بحل النزاع الأوكراني "في 24 ساعة" لكن بدون عرض تفاصيل خطته على الإطلاق، وقد أثار فوزه مخاوف لدى الأوكرانيين من تلاشي الدعم الأميركي لبلادهم.
من جهته، دعا شولتز إلى مضاعفة الجهود لإنهاء النزاع من خلال الدبلوماسية، بما في ذلك عبر إجراء محادثات مع فلاديمير بوتين بالتشاور مع كييف وحلفاء هذا البلد.
في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، اعتبر أن الوقت قد حان "للقيام بكل شيء - بالإضافة إلى دعم أوكرانيا بشكل واضح - لإيجاد وسيلة لمنع هذه الحرب من الاستمرار"، وشدد على أن هذه المناقشات يجب أن تحترم "مبادئ واضحة".
حملة انتخابية
يشار إلى أن الرئيس بوتين لم يتحدث مع معظم القادة الغربيين منذ عام 2022، حين فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات هائلة على روسيا بعد غزو أوكرانيا.
ويرفض عدد من القادة الغربيين - الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون... -، باستثناء رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، التحدث إلى الرئيس الروسي.
في مطلع نوفمبر، أعرب فلاديمير بوتين عن أسفه لأن زعماء الغرب "توقفوا" عن الاتصال به، وقال في منتدى فالداي (روسيا) آنذاك: "إذا أراد أحدهم استئناف الاتصالات، فقد قلت ذلك دائماً وأريد أن أكرره: ليس لدينا أي شيء ضد ذلك".
تكرر روسيا بانتظام القول إنها منفتحة على مفاوضات سلام لكن مع "تنازلات" من جانب كييف: التنازل عن الأراضي الأوكرانية التي ضمتها موسكو عام 2022 بدون السيطرة عليها بشكل كامل، وهو شرط تعتبره أوكرانيا غير وارد حالياً، بحسب ما أوردته وكالة فرانس برس.
ودفع النزاع مع روسيا أكثر من مليون لاجئ أوكراني إلى طلب اللجوء في ألمانيا، ويعيش آلاف الروس أيضا في برلين، وعدد كبير منهم من المنفيين الروس.
ودفع شولتز أيضاً الى إحداث تحول تاريخي في سياسة الدفاع الألمانية، ترجم عبر زيادة هائلة للنفقات العسكرية في بلد يعتمد إلى حد كبير مبدأ المسالمة. سيكون الدعم العسكري والمالي لكييف وسياسة ألمانيا الدفاعية أحد مواضيع الحملة الانتخابية الخاطفة التي ستقود البلاد الى انتخابات تشريعية مبكرة في 23 فبراير المقبل.