قرر المستشار الألماني أولاف شولتز الموافقة على تزويد أوكرانيا بطائرات بدون طيار، في محاولة منه، على ما يبدو، للهرب من المطالبات بتزويدها بصواريخ توروس طويلة المدى، بعد أن سمح الرئيس الأميركي، جو بايدن، لكييف باستخدام منظومات صواريخ "أتاكمز/ATACMS" الأميركية لضرب العمق الروسي. ورغم أن غضب موسكو من الخطوة الأميركية وصل إلى حد اعتبارها تهديداً بكارثة "حرب عالمية ثالثة" وتعديل العقيدة النووية بمرسوم وقّع عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الثلاثاء، فإن شولتز بقراره تزويد كييف بأربعة آلاف "طائرة بدون طيار قاتلة" قادرة على ضرب العمق الروسي، خطا خطوة كان يعدها سابقاً خطيرة، وتمثل استفزازاً لروسيا وتساهم بتأجيج الحرب.
وقال خبراء لصحيفة بيلد، أمس الاثنين، إن هذه الطائرات هي الأحدث في منظومة الأسلحة الألمانية، ويُطلق عليها محلياً "صواريخ توروس المصغرة" (ميني توروس)، وكُشف النقاب عن أن هذه الطائرات جرى بالفعل تجريبها في مناسبتين صيف العام الحالي فوق الأراضي الأوكرانية بحضور وزير دفاع ألمانيا بوريس بيستوريوس. وتقوم شركة هيلسينغ لصناعات الذكاء الاصطناعي بإنتاج هذه الطائرات بتمويل حكومي.
ونقلت وسائل إعلام ألمانية عن متخصصين قولهم إن هذه الطائرات مزودة ببرمجيات ذكاء اصطناعي يجعل من الصعب على روسيا إسقاطها أو إخراجها عن مسارها الذي حددته أنظمة تحديد المواقع الخاصة بها. كذلك فإن "الدرونز القاتلة"، كما توصف، ستكون قادرة على الوصول إلى أهدافها وضربها حتى لو فقدت الاتصال بمن يتحكم بها، وتتمتع إلى جانب دقتها، التي تفوق غيرها بكثير، بالقدرة على الوصول إلى مسافات أكثر بأربعة أضعاف من طائرات درونز الأخرى الموجودة لدى الجيش الأوكراني.
ومع الإعلان عن إرسال المسيرات القاتلة إلى أوكرانيا برزت محاولات إقحام نقاش تسليح أوكرانيا في سجال الانتخابات الألمانية المبكرة والمقررة في فبراير/شباط القادم، حيث تظهر محاولات تقديم وزير الدفاع بيستوريوس بصفته شخصية قوية وأكثر حزماً من شولتز في مجال تسليح كييف. وتذهب بعض الصحف الألمانية إلى إبراز النقاش الجاري تحت سقف التكهّن بإمكانية منافسة بيستوريوس لشولتز على منصب المستشارية عن يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي).
وكان بيستوريوس قد اعتبر، أمس الاثنين، أن تسليم هذا النوع من الطائرات يأتي بعيد الهجوم الروسي الكبير على أوكرانيا نهاية الأسبوع الفائت. وشدد على أنه "سعيد جداً بأن يبدأ الآن تسليم هذه الطائرات الهجومية بدون طيار، والتي يجري التحكم بها بواسطة الذكاء الاصطناعي". ولا يمكن استبعاد تحول مسألة الانخراط الألماني في أوكرانيا إلى نقطة ساخنة مع انطلاق التنافس في الطريق نحو انتخابات مبكرة، كانت مقررة في سبتمبر/أيلول القادم، إثر انفراط عقد الائتلاف الحاكم بعد إقالة شولتز لوزير المالية، كريستيان ليندر.
وبشكل عام فإن مواقف السياسيين المؤيدين لدعم أوكرانيا بصواريخ حديثة مثل توروس تسارعت في الأيام الأخيرة، لا سيما مع سماح واشنطن لكييف باستخدام منظوماتها الصاروخية لضرب العمق الروسي. وفي السياق اعتبر مرشح "الخضر" إلى المستشارية روبرت هابيك، مساء أول من أمس الأحد، على قناة آردي الألمانية أنه فور وصوله إلى المنصب سيقوم بتسليم صواريخ توروس إلى أوكرانيا. الموقف نفسه ذهب إليه الحزب الديمقراطي الحر (الليبراليون) الذي طرح مراراً فكرة التصويت في البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) على تسليم تلك الصواريخ لكييف. وبالنسبة للخضر فقد ربطوا موافقتهم دائماً بمواقف شريكهم في الائتلاف "الاجتماعي الديمقراطي".
ومع أن حزب شولتز "الاجتماعي الديمقراطي" ومؤيدي منح أوكرانيا صواريخ توروس قادرون على تأمين أغلبية برلمانية، إلا أن مثل هذه القضايا الحساسة لا يجري تقرير مصيرها بمعزل عن "مجلس الأمن القومي" التابع للحكومة الفيدرالية. وقال نائب المتحدث باسم حكومة شولتز (التي تحولت إلى حكومة أقلية) فولفانغ بوشنر، مساء أول من أمس الأحد، إن "موقف المستشار لا يزال دون تغيير بشأن هذه القضية (تسليم صواريخ توروس)".
ويأتي ذلك وسط استعداد قادة الحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني لخوض مناقشات، مساء اليوم الثلاثاء، حول ما إذا كان مرشحهم هو المستشار شولتز (66 عاماً) وسط تزايد النقاش عن إمكانية استبداله بوزير الدفاع بيستوريوس، ومع أن شولتز يواصل تأكيد رغبته بالاستمرار في منصبه بعد الانتخابات القادمة، يجد البعض في يسار الوسط وخارجه أن فشله في الحفاظ على الائتلاف الحاكم سيزيد من تراجع شعبية الحزب، وتعتبر بعض الصحف الألمانية أن حظوظ بيستوريوس أكبر لجهة الحفاظ على شعبية "الاجتماعي الديمقراطي".