تحولت المنافسة بين الرئيس التونسي قيس سعيّد، ورئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي، على إرث الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، إلى صراع مشتد من خلال التسابق لمغازلة أنصار الفكر البورقيبي في تونس والخزان الانتخابي للحزب الذي كان يتزعمه بورقيبة، ما يطرح تساؤلات حول انطلاقة مبكرة لحملة الانتخابات.
واستغل سعيّد مناسبة زيارته قبر بورقيبة بمدينة المنستير، أمس الأول الأربعاء، للإعلان عن أن "التصويت في الانتخابات التشريعية القادمة سيكون على الأفراد، وليس على القائمات، وفي دورتين كما جاء في الاستشارة"، التي يرفضها معارضوه.
وشهدت المنستير تسابقاً بين سعيّد وموسي لوضع إكليل الزهور ترحماً على بورقيبة في الذكرى 22 لرحيله، في زيارة حملت معاني كثيرة، خصوصاً بين المتنافسين الأكثر حضوراً في مختلف عمليات سبر الآراء التي تشير إلى تصدر "الحزب الدستوري الحر" نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية، تليه مباشرة كتلة المناصرين لسعيّد.
ويرى مراقبون أن تصويب سعيّد وموسي الاهتمام على محافظة المنستير، مسقط رأس الراحل بورقيبة، يخفي تنافساً على مغازلة أنصار الفكر البورقيبي (نسبة لبورقيية) والدساترة (أنصار الفكر الدستوري نسبة للحزب الدستوري الذي كان بتزعمه بورقيبة).
ولم يفوت سعيّد فرصة وجوده أمام ضريح بورقيبة ليوجه كلامه إلى منافسيه، قائلاً إن "البعض يريد أن يستمد مشروعيته من رفاته (بورقيبة)"، ومضيفاً أن إحياء ذكرى وفاته هي مناسبة لـ"التذكير بتاريخه وتقديراً لما قدّمه لتونس، بعيداً عن أي توظيف سياسي كما يحاول الكثيرون أن يفعلوا ذلك".
من جانبها، ردت موسي في اليوم نفسه من داخل الضريح، مستنكرة توصيف سعيّد للحبيب بورقيبة بالرئيس، قائلة: "عندما نتحدث عن الحبيب بورقيبة نقول الزعيم، فهو ليس مجرد رئيس للجمهورية، هو زعيم بأتم الكلمة، لأنه قاد معارك التحرير"، مضيفة: "ما قاله سعيّد بخصوص الانتخابات القادمة إعلان عن أن الشعب يعيش في مسرحية".
وقالت إن "سعيّد يهدف من تنظيم الاستشارة لتحقيق مشروعه الشخصي، وهو نسف الدولة البورقيبية"، مشددة على أن حزبها هو "المستهدف من إعلان رئيس الجمهورية المضي في انتخابات تشريعية على الأفراد وليس على القائمات".
تعليقاً على ذلك، قال المحلل السياسي التونسي شكري بن عيسى إن "سعيّد شعر أن الثقة والشعبية ومشروعيته تتهاوى، وتجلى ذلك بوضوح في حالة الانسداد السياسي التي وصل إليها، ليتجه نحو اتحاد الشغل واتحاد رجال الأعمال بعد مقاطعتهم لنحو 8 أشهر كاملة".
وأضاف شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد": "يتجلى ذلك من خلال حشد الشارع باعتبار أن أنصاره لم يتجاوزوا 5 آلاف شخص، وكذلك انطلاقا من الاستشارة التي لم تحصد سوى أقل من 5% من الشعب التونسي، وأخيراً بعد حل البرلمان إثر دعوة مديرة حملته الانتخابية، سنية الشربطي، للخروج إلى الشارع، فلم تجمع سوى العشرات".
وتابع بن عيسى أن "سعيّد يشعر بحالة العزلة، ما جعله يلتجئ لبورقيبة للإنقاذ والاستثمار في ضريحه"، مشيراً إلى أن الرئيس التونسي سبق له في خطاب في 20 مارس/ آذار الماضي أن "انتقد بورقيبة ليثبت أنه (سعيّد) هو منقذ الشعب، متطاولاً على بورقيبة ومتهماً إياه بالقيام بالعديد من الأخطاء".
وفي وقت سابق، انتقد سعيّد، في خطابه بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال، بورقيبة، مركّزاً على عيوب نظام حكمه والحزب الواحد، ومستشهداً بتراجع الحريات آنذاك، وتحدث عن أن مؤامرة عام 1962 كان الهدف منها الانقلاب العسكري على حكم بورقيبة، وكذلك المحاكم الاستثنائية التي أقامها، وحظره للحزب الشيوعي في ذلك الوقت. كما انتقد سعيّد "الحزب الدستوري الاشتراكي" الذي فشل في نهاية مؤتمر المنستير عام 1974 في قبول مبدأ التعددية السياسية.
وأضاف بن عيسى أن "حالة الانسداد السياسي التي يعيش فيها سعيّد وتراجع شعبيته جعلته يستنجد بصورة بورقيبة، خاصة أن عبير موسي تبوؤها استبيانات الرأي في المرتبة الأولى، وتنافسه بصفة حادة على موقع الريادة، بل إنها تهدده".
وتابع أن "هناك قراءات تتهم سعيّد بالتحضير لصعود موسي مستقبلاً، وبالتالي اتجه مسرعاً إلى أحد أكبر معاقل الخزان الانتخابي لعبير موسي (المنستير)"، موضحاً أن "الزعيم بورقيبة بالنسبة لموسي هو أصل تجاري سياسي، اعتمدت عليه منذ البداية بعد عملية التحول الجيني السياسي التي قامت بها بتحويل الأصل والمرجع من (الرئيس الراحل زين العابدين) بن علي وحزب التجمع الذي فقد كل أهمية انتخابية، إلى بورقيبة والخزان العميق والثري للبورقيبيين والدساترة".
وقال بن عيسى إن "المواجهة بين سعيّد وموسي أصبحت مفتوحة، وظهرت بتجلٍّ خلال ذكرى وفاة بورقبية"، مشيراً إلى أن "حضور سعيّد كان لافتاً وقوياً ومختلفاً، فقد نزل بثقله، قبل مجيء عبير موسي". وختم المتحدث ذاته بالقول إنها "حملة انتخابية سابقة لأوانها في إطار صراع الشرعيات والمشروعيات".