كشفت مصادر حكومية مصرية مطلعة على ملف التعاون الاقتصادي والعسكري مع إيطاليا، عن اتفاق وشيك بين النظام المصري وهيئة تنمية الصادرات الإيطالية (SACE)، بهدف الحصول على قرض كبير سيموله عدد من البنوك الإيطالية والأوروبية، بضمان الهيئة الإيطالية ووزارة المالية المصرية، بقيمة تتخطى خمسة مليارات يورو، تصرف على مراحل خلال العامين الماليين الحالي والمقبل، لتمويل نصف الثمن المطلوب في صفقة الأسلحة الإيطالية المصرية القياسية، التي ربما تصل قيمتها إلى أحد عشر مليار يورو.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إنه نظراً لسابقة شراء مصر الفرقاطتين الإيطاليتين "فريم" كجزء من الصفقة القياسية بقيمة مليار ومائتي مليون يورو، منها خمسمائة مليون يورو كقرض من إيطاليا لوزارة الدفاع المصرية، فإنّ القرض الجديد ستزيد فائدته عن القرض السابق بنحو خمسة في المائة، لكنها رفضت الإفصاح عن نسبة الفائدة التي سيتم الاتفاق عليها.
القرض الجديد ستزيد فائدته عن القرض السابق بنحو خمسة في المائة
وذكرت المصادر أنه ستشارك في عملية الإقراض جميع الجهات الاقتصادية التي سبق وشاركت في القرض الصغير السابق، الذي يمثل عشرة في المائة من القرض الجديد، والذي تفوق قيمته القرض الذي حصلت عليه الحكومة المصرية أخيراً من صندوق النقد الدولي بقيمة خمسة مليارات ومائتي مليون دولار، عقب أقل من شهر على حصول مصر على تمويل طارئ من الصندوق بقيمة مليارين وسبعمائة وسبعين مليون دولار، لمواجهة آثار جائحة كورونا.
ومن الجهات التي ستساهم في التمويل ثلاثة بنوك ومؤسسات كبرى تتمثل في بنك إيطالي يملك حالياً بنكاً مصرياً تمت خصخصته منذ سنوات، وبنك فرنسي شهير كانت له فروع في مصر سابقاً، وكذلك بنك إسباني كبير، بالإضافة إلى بنوك أخرى ستدبّرها مؤسسة الودائع والقروض الإيطالية الحكومية "C.d.e.p" التي تديرها وزارة الاقتصاد بروما.
ووفقاً للمصادر، فإنّ هذه الصفقة القياسية متضمنة هذه القروض الضخمة، سترتب على مصر أعباء اقتصادية كبيرة لنحو سبع سنوات، لكن من المقرر أن تسدد وزارة الدفاع القسط الأكبر من قيمة هذه القروض. وعلى الرغم من أنّ الحجة التي ستقدم أمام مجلس النواب الموالي للنظام، لضمان تمرير سهل لتلك القروض الضخمة، هي أن الوزارة لها ميزانية خاصة مستقلة عن موازنة الدولة، فإنّ الواقع العملي يوضح أنّ انخراط الجيش في اقتصاد الدولة والسوق العقارية والاستثمارات، واحتكاره للعديد من الأنشطة، بات هو المصدر الرئيس لمداخيله الضخمة المحصنة من الرقابة.
سيتم عرض الاتفاق على مجلس النواب في صورة اتفاقيات عدة
وأشارت المصادر إلى أنه على الرغم من الاتفاق على القرض كوحدة واحدة في الواقع، إلا أنه سيتم عرضه على مجلس النواب في صورة اتفاقيات عدة، بهدف تقليل الأثر الإعلامي المنتظر لقيمته الكبيرة على الرأي العام، وستكون كل اتفاقية جزئية خاصة بتمويل عدد معين من الأسلحة من مورد صناعي واحد. علماً بأنّ الصفقة القياسية ستشمل شراء 24 طائرة تدريب من طراز "أم-346" من تصنيع شركة "ليوناردو" بقيمة إجمالية تتراوح بين 370 و400 مليون يورو، وهي الشركة ذاتها التي ستورد 32 طائرة مروحية من طراز "أغوستا-ويستلاند 149" والتي لم تحصل عليها مصر حتى الآن على الرغم من طلبها في إبريل/نيسان الماضي بقيمة 400 مليون يورو. ومن المتوقع أن تصل جميع هذه الطائرات المنتجة العام الماضي خلال أشهر معدودة، إذ تتوقف الصفقة المزدوجة مع "ليوناردو" على عدد من البنود المالية. كما أنه من المحتمل زيادة عدد المروحيات إلى 34 وفق العقد المبرم بين الجانبين. ومن شركة "فيركانتيري"، تشمل الصفقة 4 قطع كورفيت (فرقاطة صغيرة سريعة ذات تكلفة تشغيل اقتصادية وتصلح للمعارك البحرية الصغيرة والتصدي للغواصات وحمل الطوربيدات) وحوالي 22 من اللانشات الهجومية الخاطفة، مع تجهيز جميع هذه القطع بمنظومة حرب إلكترونية ورادارات وأجهزة حديثة للاستشعار عن بعد، وتوفير مدربين لتمرين الضباط المصريين على استخدام بعض المميزات التي ستكون جديدة على البحرية المصرية.
ويضرب الاتفاق المبكر على هذا القرض الضخم، بعرض الحائط، المادة 127 من الدستور التي تشترط وجوب موافقة البرلمان على أي اتفاقية اقتراض قبل توقيعها من قبل الحكومة، وليس بعد الإبرام. ويقول نص المادة إنه "لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة، يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب".
وهذه الطريقة في التعامل مع البرلمان باستخفاف وعدم اكتراث، وإهدار مبادئ الشفافية والرقابة وحق الأجيال المقبلة في التعرف على تفاصيل القروض طويلة الأجل والكبيرة التي سترتب عليها التزامات ضخمة، هي سياسة معتادة من النظام الحالي. وقد تم البدء بها بتوقيع اتفاق القرض الروسي لتمويل مشروع الضبعة النووي عام 2016، والذي قالت الحكومة إنه يبلغ خمسة وعشرين مليار يورو من دون الكشف عن تفاصيل تتعلق بالسداد أو حجم الفائدة، فيما كشفت روسيا أنه زاد إلى خمسة وأربعين ملياراً منذ عامين، بدعوى احتياج شركة "روس آتوم" الحكومية الروسية إلى مزيد من الأموال، هي زيادة أسعار السلع والخامات والخدمات المرفقية الضرورية لإنشاء المفاعل المصري، قياساً بسعر السوق العالمية، بسبب تعويم الجنيه المصري في نهاية 2016، وليس زيادة أسعار التكنولوجيا والخبرات والأيدي العاملة الروسية نفسها.
وتخضع تفاصيل القرض الروسي لتغيير دائم بين البلدين، فبعدما كان من المقرر أن تبدأ روسيا في منح مصر دفعات القرض منذ 2016، تم تأخيرها إلى 2018 مع تعويض غياب الدفعات الأولى بزيادة المبالغ في الدفعات اللاحقة، إذ كان من المتفق عليه أن تستخدم مصر القرض لمدة 13 عاماً بين عامي 2016 و2028.
يضرب الاتفاق على هذا القرض الضخم، بعرض الحائط، المادة 127 من الدستور
ومرت مسيرة الاقتراض منذ ذلك الحين بجميع العواصم الأوروبية الكبرى تقريباً، إلى جانب صندوق النقد الدولي، وصولاً حتى إلى صفقة جرارات القطارات المجرية التي تتضمن شراء ألف وثلاثمائة عربة سكك حديدية جديدة، بقيمة مليار وسبعة عشر مليون يورو حصلت عليها مصر من روسيا، فيما أقر مجلس النواب الصفقة من دون معارضة.
ونشر "العربي الجديد" في 28 أغسطس/آب 2019، رصداً لحجم الديون الخارجية، إذ قفز خلال وجود السيسي في الحكم بنسبة 130 في المائة.
يذكر أن وثيقة حصل عليها "العربي الجديد" ونشرها في التاسع من سبتمبر/أيلول الماضي، كشفت أن قيمة مشتريات مصر من الشركات الإيطالية لتصنيع الأسلحة والذخائر وقطع الغيار والبرمجيات العسكرية لعام 2019، تضاعفت ثلاث مرات عن قيمة المشتريات في عام 2018، لتكون الأعلى في تاريخ العلاقات بين البلدين، وتتجاوز بعشرات الملايين القيمة الإجمالية للمشتريات خلال العقد الأخير كاملاً. وذلك بواقع مبلغ إجمالي بقيمة 238 مليوناً و55 ألفاً و472 يورو، مقابل 69.1 مليون يورو تقريباً في عام 2018. وتنوعت المشتريات بين أسلحة جديدة بقيمة تجاوز 97 مليون يورو، وقطع غيار للمعدات وبرمجيات وتراكيب وإضافات بقيمة 141 مليون يورو.
أمّا ألمانيا، فقد باعت خلال الربع الأول من العام الحالي 2020 أسلحة لمصر بقيمة 308 ملايين يورو. وبإضافة غواصة رابعة وبعض الصفقات الأخرى المحتملة قبل نهاية العام، بحسب مصدر مصري مطلع، فإن قيمة الاستيراد مرشحة للزيادة عن العام الماضي، الذي شهد شراء مصر أسلحة من ألمانيا بقيمة 801 مليون و847 ألف يورو، متفوقة على بريطانيا والولايات المتحدة والجزائر وأستراليا وقطر، وجاءت فقط خلف المجر.