عمدت قوى سياسية عراقية أخيراً إلى الحشد داخل البرلمان لتعديل جديد على قانون "اجتثاث حزب البعث"، الذي أقرّ عقب الغزو الأميركي للعراق، وترتبت على اثره إقالة عشرات آلاف العراقيين من وظائفهم، ومصادرة أملاك آلاف آخرين وإحالة قسم للقضاء. ويهدف الحراك الجديد لإضافة فقرات داخل القانون تُجرّم تمجيد حزب البعث ورموزه، وإيقاف الاستثناءات السابقة التي منحت لعدد من القيادات العسكرية والأمنية وتعمل حالياً في وزارتي الدفاع والداخلية. في مقابل ذلك، أكدت مصادر من داخل حزب "البعث" المحظور بموجب الدستور الجديد النافذ في البلاد منذ عام 2005، لـ"العربي الجديد"، الاستقرار على تسمية الأمين العام الجديد لحزب "البعث العربي الاشتراكي" الجناح العراقي، خلفاً لأمينه العام السابق، عزة الدوري، الذي توفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن 78 عاماً داخل العراق. يضاف إلى ذلك إصدار قرارات فصل بحق عدد ممن عارضوا تسمية الأمين العام الجديد الذي تقرر أن يكون مؤقتاً، وتمت تسميته من قبل القيادة القومية للحزب، التي يترأسها حالياً من العاصمة السودانية الخرطوم، الأمين العام المساعد للقيادة القومية للحزب، علي الريح السنهوري، وهو زعيم "البعث" في السودان.
توجيه بتطبيق قوانين حظر واجتثاث حزب البعث على كافة مرشحي الانتخابات
وقبل أيام، عقد نائب رئيس البرلمان العراقي، حسن الكعبي، اجتماعاً هو الأول من نوعه منذ نحو 7 سنوات، مع رئيس وأعضاء هيئة "اجتثاث البعث"، المعروفة أيضاً باسم هيئة "المساءلة والعدالة". ووفقاً لبيان صدر عن مكتب الكعبي، فإنّ "الاجتماع انتهى بمخرجات أهمها توجيه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث، بتطبيق قوانين حظر واجتثاث حزب البعث على كافة مرشحي الانتخابات المقررة في 10 أكتوبر المقبل، وكذلك في الوزارات والدوائر الحكومية". وأكد أنه "تم إصدار توصيات بإلغاء كافة الاستثناءات الممنوحة للبعثيين أو من يمجد بهم في جميع الوزارات والجهات الرسمية والاتحادات والنقابات، وصولاً لأصغر موظف في الدولة. فضلاً عن مطالبة اللجنة المالية في البرلمان بتضمين مشروع الموازنة لعام 2021 فقرة صريحة لا تقبل التأويل، بإيقاف الرواتب التقاعدية للأجهزة القمعية وأزلام النظام السابق، والتأكيد على تفعيل ملف استرداد الأموال المهربة لقيادات وأزلام النظام والموجودة خارج البلاد".
ووجّه الكعبي كتاباً رسمياً إلى كافة الوزارات والمحافظات والهيئات والجهات ذات العلاقة، بـ"إعلام البرلمان بالإجراءات المتخذة من قبل اللجان المركزية والفرعية لديها، والخاصة برفع أسماء المشمولين بقانون اجتثاث البعث، خلال مدة أقصاها 14 يوماً"، محذراً من "التهاون بتطبيق فقرات قانون حظر وتجريم البعث وجميع قوانين العدالة الانتقالية". وشدد على أنه "سيكون هناك لقاء برلماني قريب مع مجلس القضاء الأعلى، بحضور الادعاء العام، لمحاسبة من يخالف بنود القوانين النافذة بخصوص حظر حزب البعث"، داعياً جميع وسائل الإعلام إلى "التقيّد بنصوص التشريعات بمنع الترويج والتمجيد بالبعث".
في السياق، كشفت مصادر برلمانية عراقية لـ"العربي الجديد"، أنّ الحراك الجديد ضدّ حزب "البعث" العراقي، الذي يدفع به التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، وأحزاب دينية أخرى، "يهدف لحرمان كل من يثبت أنه انتمى لحزب البعث بدرجة نصير، أو لديه أقرباء من الدرجة الأولى شغلوا مناصب قيادية في الحزب، من المشاركة في الانتخابات" المقررة بعد نحو سبعة أشهر من الآن، وهو ما اعتبره سياسيون محاولة تصفية وإقصاء جديدة.
ووصف قيادي في حزب "البعث" العراقي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" من العاصمة الأردنية عمّان، التصعيد الأخير في بغداد ضدّ الحزب، والذي جاء عقب ظهور رغد صدام حسين، ابنة الرئيس العراقي الأسبق، الراحل صدام حسين، في لقاء تلفزيوني، بأنه "يراد منه إشغال واستغلال الشارع من قبل الأحزاب، لأن البعث أبعد ما يكون حالياً عن عملية بريمر السياسية"، في إشارة إلى الحاكم المدني للعراق عقب الغزو الأميركي، عام 2003، بول بريمر.
تسمية "أبو جعفر"، أميناً عاماً للحزب بشكل مؤقت لحين التمكّن من إجراء انتخابات لقيادة قطر العراق
وأضاف القيادي أنّ "أحداثاً كبيرة مرّت على الحزب خلال الأشهر الماضية، مثّلت منعطفاً جديداً في مسار عمله بعد الاحتلال الأميركي، لكنها لم تغيّر موقفه من العملية السياسية الحالية". وتابع: "توفي عزة الدوري نهاية أكتوبر الماضي، وبعد ذلك بأقل من شهر توفي الصندوق الأسود للحزب، والمحرك الأبرز فيه، القيادي عبد الصمد الغريري، إثر إصابته بفيروس كورونا في أربيل. وهو ما دفع إلى الإسراع في تسمية أمين عام جديد للحزب، بشكل مباشر تلافياً لأي إشكالات".
وكشف المصدر نفسه عن تسمية قيادي ملقّب بـ"أبو جعفر"، أميناً عاماً للحزب بشكل مؤقت إلى حين التمكّن من إجراء انتخابات لقيادة قطر العراق. ولم يكشف المتحدث عن الاسم الحقيقي للأمين العام الجديد للحزب، بسبب ما يقول إنها "ضرورات تنظيمية"، لكن مقربين من حزب "البعث" العراقي أكدوا أنّ المعني هو القيادي في الحزب، صبار المشهداني، والذي كان معتقلاً في سجن "بوكا" الأميركي السابق في محافظة البصرة. وأوضح أنّ "عودة الحزب لاستخدام الأسماء الحركية أو الوهمية ضرورة بعد وفاة أو اعتقال قيادات الحزب المعروفين".
ووفقاً للقيادي ذاته، فإنّ الحزب قرر أخيراً "فصل عضو القيادة القطرية عكلة الكبيسي، وآخرين، بسبب رفضهم قرار تنصيب أبو جعفر أميناً عاماً للحزب. كما تم اتخاذ قرارات أخرى تنظيمية بمراجعة مع الأمين العام المساعد للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، علي الريح السنهوري من العاصمة السودانية الخرطوم".
وحول التطورات الحاصلة داخل حزب "البعث"، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، مصطفى كامل، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ المعلومات المتوفرة لديه "تؤكد عدم وجود حالات انشقاقات داخل الحزب بعد وفاة عزة الدوري"، مضيفاً: "حزب البعث يرى أنّ أيّ شخص أو مجموعة تخرج عن الإطار التنظيمي للحزب، تكون خارجه تماماً وليست منشقة عنه، وهذه قضية محسومة عند البعثيين منذ عشرات السنين".
مصدر: عودة الحزب لاستخدام الأسماء الحركية أو الوهمية ضرورة
وأوضح كامل أنّ "الدوري كان يشغل موقعي أمين سر القيادة على مستوى العراق والأمين العام للحزب على المستوى القومي، وإذا كانت تسمية أمين سر قيادة العراق (الأمين العام للحزب في العراق) حسمت بالشكل الذي أقرّته القيادة القومية، وهي القيادة الأعلى في الهرم التنظيمي للحزب، بعد سلسلة مشاورات مع أعضاء قيادة قطر العراق، لصالح السيد أبو جعفر، فإنّ موقع الأمين العام للحزب على المستوى القومي يتطلّب انعقاد مؤتمر لتنظيمات الحزب القومية في الأقطار العربية كافة، وليس في العراق فحسب". وتابع أنّ "انعقاد المؤتمر القومي يتطلّب تحضيرات عديدة؛ فكرية وسياسية ولوجستية، وهذا ليس متاحاً الآن. كما أن الأمين العام المساعد، علي الريّح السنهوري، من السودان، يدير الأمور بشكل سلس وأصولي، وهو عضو قيادة قومية منتخب في مؤتمر قومي منذ أواسط التسعينيات، ومتمرّس في المجال التنظيمي والسياسي، ويترأس منذ سنوات، اجتماعات القيادة القومية، حتى مع وجود الدوري وبتخويل منه في حينه".
وبخصوص العلاقة مع حزب "البعث" السوري، بزعامة بشار الأسد، أوضح كامل أنّ "القيادة القومية للحزب ما زالت لا تعترف بهذا التنظيم، وهو الحال القائم منذ 23 فبراير/شباط 1966، عندما انقلبت المجموعة العسكرية بزعامة حافظ الأسد على حكم الحزب وقيادته القومية وحكمت على أعضائها بالإعدام".
المحمدي: البعض يحاول أن يسيء استخدام ملف البعث لأغراض معينة
من جهته، تحدث الصحافي العراقي البارز، حميد عبد الله، عن "فراغ تركه عزة الدوري، لأنّ الأخير اتبع نهجاً دكتاتورياً، امتداداً لنهج صدام حسين، من خلال الإمساك بخيوط الحزب والدولة، وإبقاء كلمته هي الكلمة الفصل، من غير إعطاء أهمية لآراء القيادات الأخرى". وأوضح عبد الله في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحزب حالياً لا يملك أي نشاطات حقيقية داخل العراق، ولا يوجد تنظيم للبعث في المدن، بسبب عدم وجود بيئة حاضنة للحزب"، معتبراً أنّ صدام حسين حوّل الحزب إلى "جهاز أمني، حاله حال الأجهزة الأمنية المرتبطة به. وبالتالي، فإنّ إمكانية عودة الحزب إلى السلطة أو التفكير بذلك، محض أمنيات لا يسعفها الواقع".
مقابل ذلك، انتقدت قوى سياسية إعادة استيراد ورقة "البعث"، بعد 18 عاماً على حظره في البلاد. وفي السياق، قال عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، النائب يحيى المحمدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إثارة القضية في الوقت الحالي، أمر غير صحيح، ونحن ككتل سياسية نطالب بعدم استخدام القانون بطرق مزدوجة، وأن يتم تطبيقه بشكل عادل وليس انتقائي". وشدد على أنه "يجب أن يغلق ملف اجتثاث البعث الذي يستخدم كشماعة لتعليق الفشل السياسي في إدارة البلاد عليها، ويجب أن يأخذ القانون جانبه القضائي"، داعياً "لعدم بقاء الملف ملازماً للعملية السياسية، لأنّ البعض يحاول أن يسيء استخدامه لأغراض معينة".
وربط المحمدي بين القرارات الأخيرة والانتخابات المقبلة، معتبراً أنّه "تم البدء بالشحن السياسي مع قرب موعد الانتخابات، وتتم ممارسة الضغوط والاستهداف السياسي من قبل بعض الأطراف لأخرى"، مشدداً على "ضرورة أن تتم تهيئة أجواء مناسبة ديمقراطية لإجراء الانتخابات، وأن يكون لكل عراقي ممن تنطبق عليه شروط الأهلية، أن يرشح للانتخابات بلا قيود".