ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر وقطعه: هل من أسباب سياسية؟

28 يونيو 2024
شوارع مظلمة في القاهرة نتيجة انقطاع الكهرباء، 25 يونيو الحالي (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تجاوزت مصر وإسرائيل أزمة توقف ضخ الغاز الإسرائيلي لأسباب فنية، حيث أدت الاتصالات المكثفة بين الجانبين إلى استئناف الضخ وتجنب تصعيد الأزمة، مع تشكيل خلية أزمة لمتابعة الموقف.
- توقف ضخ الغاز أثار غضباً شعبياً في مصر بسبب انقطاع التيار الكهربائي، لكن استئناف الضخ بعد يومين ألقى الضوء على التعقيدات السياسية المحتملة وراء الأزمة بدلاً من الأسباب الفنية.
- تعتمد مصر بشكل كبير على الغاز الإسرائيلي، مما يمنح إسرائيل أداة ضغط. مصر بدأت في التعاقد على شحنات غاز من مصادر أخرى لتقليل الاعتماد، مما يبرز أهمية تنويع مصادر الطاقة والنظر لملف الغاز من منظور أمني وجيوسياسي.

ترجح تصريحات مسؤولين مصريين رسميين أن الاتصالات بين القاهرة وتل أبيب أسفرت عن تلاشي احتمال نشوب أزمة بين الطرفين، في أعقاب وقف ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر وفق الكميات اليومية المقررة ضمن الاتفاق الرسمي الموقّع بينهما بداعي توقف إنتاج إحدى الآبار نتيجة أسباب فنية، وهو ما يعفي الجانب الإسرائيلي من تحمل أي غرامات.

وتجلّت هذه التصريحات، خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي، لشرح ملابسات أزمة انقطاع التيار الكهربائي في مصر وزيادة ساعات الانقطاع. وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي: "ما حصل أن أحد الحقول في دولة من دول الجوار خرج عن الخدمة وحصل عطل فني وتوقف لأكثر من 12 ساعة، وبالتالي حجم الغاز الذي كان يتم ضخه في الشبكة ويصل إلينا توقف تماماً لمدة 12 ساعة، وشكّلنا خلية أزمة وتابعنا طوال الليل لغاية عودة الحقل للإنتاج بكامل طاقته". هذا الكلام يشير إلى أن الاتصالات التي جرت لم تقتصر على مستوى وزيري الطاقة، كما يؤكد عمق هذه الاتصالات التي قال مدبولي إن خلية الأزمة تابعتها "طوال الليل".

أسباب وقف ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر

وانتهت أزمة وقف ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر بمواصلة ضخ الغاز مجدداً في خطوط النقل المصرية ظهر الأربعاء الماضي بعد يومين من زيادة معدلات تخفيف أحمال الكهرباء وقطع التيار الكهربائي عن مناطق كبيرة من الدولة المصرية لساعات طويلة تجاوزت في بعض المناطق الخمس ساعات، ما سبب حالة من الغضب الشعبي بدت واضحة على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة وامتحانات الثانوية العامة حيث ينتظم فيها نحو 600 ألف طالب على مستوى الجمهورية.

عودة ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر أيضاً قد تشير إلى أن توقّف الحقل الإسرائيلي عن العمل لم يحدث لأسباب فنية؛ ذلك أن الجانب الإسرائيلي نفسه لم يعلن عن أي عطل فني، بالإضافة إلى أنه لو كان قد حدث، فإن إصلاحه يحتاج لوقت أطول، وهو ما كان أيضاً سيمكّن تل أبيب من استخدام ذريعة "القوة القاهرة". وكل هذا يرجح أن ما حدث يمكن تسميته "بالتوقف السياسي"، لكن ربما لم ترغب القاهرة في تصعيد الأزمة حتى لا تزيد عدد أيام وقف الإمدادات وبالتالي زيادة حالة السخط الشعبي، وفضّلت إنهاء الأزمة. يأتي ذلك في وقت كشفت وسائل إعلام عبرية أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد أن مصر والإمارات مستعدتان للمشاركة في قوة أمنية في غزة بعد الحرب، وفقاً لما نقلته صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن ثلاثة مسؤولين مطلعين.

وعن أزمة وقف ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر قال الباحث السياسي المختص بشؤون الطاقة، خالد فؤاد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مصر تتلقى 18% من احتياجاتها من الغاز من إسرائيل، أي خُمس استهلاكنا من الغاز الطبيعي نعتمد فيه على إسرائيل، وهذا بالطبع له أثره على الأمن القومي المصري، إذ تعتمد مصر حالياً على مصدر واحد فقط وبشكل كبير لتأمين إمدادات الغاز، وهذا المصدر هو إسرائيل، الكيان الذي تحكم علاقتنا معه أبعاد معقّدة للغاية مهما تحسّنت العلاقات بين الجانبين". وأضاف: "هذا يعني أن إسرائيل تمتلك أداة ضغط هائلة على مصر حيث يمكنها إذا قطعت إمدادات الغاز بالكامل عن مصر في الوقت الراهن أن تتسبب في انقطاع الكهرباء لمدة تصل تقريباً إلى خمس ساعات، وبإضافة الساعات الثلاث الحالية فإن عدد ساعات انقطاع الكهرباء عن مصر سيصل إلى ثمانٍ يومياً".

خالد فؤاد: مصر تتلقى 18% من احتياجاتها من الغاز من إسرائيل، أي خُمس استهلاكنا من الغاز الطبيعي

وحول إمكانية أن يقطع الاحتلال الغاز الإسرائيلي لمصر أكد فؤاد أن ذلك "يمكن أن يحدث، وهو ما رأيناه مع بداية الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما أوقفت إسرائيل منصة إنتاج حقل تمار، وأوقفت إمدادات الغاز كاملة عبر خط أنابيب العريش-عسقلان، وادعت إسرائيل وقتها أن وقف إمدادات الغاز عن مصر بسبب الحرب، وهو غير صحيح، لأن الواقع أن القطع كان لأسباب تتعلق بالضغط على مصر بسبب موقفها من تهجير أهل غزة إلى سيناء، وهو موقف قابل للتكرار ومرجح وقوعه في أي وقت من إسرائيل". ولفت الباحث السياسي إلى أن مصر "أدركت متأخرة أزمة الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، وتعاقدت على شحنات من مصادر أخرى"، مشدداً على أن إسرائيل "تتعامل مع ملف الغاز والطاقة من منظور أمني وجيوسياسي ثم يأتي بعد ذلك المنظور الاقتصادي، بينما تتعامل الحكومة المصرية مع ملف الغاز من المنظور الاقتصادي فقط".

ضغط على مصر؟

من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور محمد سيد أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "إسرائيل تضغط على مصر بكل الطرق لأنها تعتبر مصر هي العدو الأول وهي العقبة الحقيقية في سبيل خططها". وشدد سيد أحمد على أن المسؤولين المصريين "يجب عليهم إدراك أن المعركة مع هذا العدو مستمرة وأنه يسعى للإضرار بمصر بكل الطرق، وورقة الغاز إحدى هذه الأوراق". وارتفع إجمالي واردات مصر من الغاز الإسرائيلي إلى 2.63 مليار متر مكعب خلال المدة من يناير/كانون الثاني حتى نهاية مارس/آذار 2024، مقابل 1.85 مليار متر مكعب في الربع المقارن من العام الماضي، أي بمقدار ارتفاع سنوي 744 مليون متر مكعب.

محمد سيد أحمد: إسرائيل تضغط على مصر بكل الطرق لأنها تعتبر مصر هي العدو الأول

 

المساهمون