كثفت الأمم المتحدة مساعيها لتمديد الهدنة السارية في اليمن لـ6 أشهر، يسندها في ذلك ضغط كبير، لاسيما من قبل الولايات المتحدة ودول إقليمية تسعى للتخفف من تبعات الملف اليمني بالغ التعقيد. وعلى بُعد يومين من نهايتها، ما تزال عملية التمديد للهدنة محل نقاش، في ظل اشتراطات جديدة للحوثيين، المدعومين من إيران، ورفض حكومي لأي شروط جديدة.
وغادر المبعوث الأممي هانس غروندبرغ عدن، الأربعاء الماضي، بعد يومين من وصوله. وقال مصدر مطلع على أعمال المجلس الرئاسي، لـ"العربي الجديد"، إن المجلس ورئيسه رشاد العليمي رفضا لقاء المبعوث نتيجة تحفظات على مطالب يسعى لترويجها تتعلق بالهدنة، وعلى طريقة تنفيذ مهمته، إذ يرى الجانب الحكومي أنه (المبعوث) يحابي الحوثيين، ولا يمارس عليهم الضغط الكافي لتنفيذ ما عليهم من التزامات.
ولم يعلّق غروندبرغ أو مكتبه على زيارته لعدن. كما لم ينشر الإعلام اليمني الرسمي خلال الزيارة سوى خبر عن لقاء يتيم عقده مع وزير الخارجية أحمد بن مبارك، الذي أطلعه على موقف المجلس من تمديد الهدنة، والمتمثل بالموافقة على التمديد في حال تم تنفيذ بنودها من قبل الحوثيين، خصوصاً ما يتعلق بفتح طرق تعز، وصرف مرتبات الموظفين من إيرادات ميناء الحديدة.
قدم الحوثيون اشتراطات جديدة تتمثل في الفتح الكامل لمطار صنعاء وميناء الحديدة
وذكرت وكالة "سبأ"، بنسختها التابعة للشرعية أمس السبت، أن مجلس القيادة الرئاسي عقد اجتماعا برئاسة رشاد محمد العليمي، اطلع خلاله من وزير الخارجية أحمد بن مبارك، على "رسالة مقدمة من غروندبرغ، حول الهدنة والإطار المقترح لتمديدها، في ظل تعنت المليشيات الحوثية عن الوفاء بالتزاماتها بموجب إعلان الهدنة، وخروقاتها، وانتهاكاتها المستمرة في مختلف الجبهات".
سبب الاستقبال الباهت لغروندبرغ في عدن
وقال مصدر حكومي، لـ"العربي الجديد"، إن سبب الاستقبال الباهت للمبعوث في عدن، ما ورد في بيانه الأخير بشأن الهدنة، والذي أفصح فيه عن مساعيه للضغط على الجانب الحكومي لتقديم المزيد من التنازلات استجابة لاشتراطات الحوثيين.
وأشار إلى بيان أصدره المبعوث في 21 يوليو/تموز الحالي، كشف فيه أن مكتبه "يعمل على دراسة خيارات ربط مطار صنعاء بمزيد من الوجهات". وقال المصدر الحكومي إن المبعوث تجاوز فيه الكثير من المشاكل الحقيقية، وأبرزها رفض الحوثيين كل الاتفاقيات السابقة.
ورفع الحوثيون سقف مطالبهم بعد البيان وقدموا اشتراطات جديدة، تتمثل في الفتح الكامل لمطار صنعاء وميناء الحديدة، وأن تتولى الحكومة المعترف بها صرف رواتب موظفي الدولة وإعادة الخدمات "التي قطعها العدوان"، وفق بيان لمجلس الحكم التابع لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في صنعاء الإثنين الماضي، وهي خطوة جاءت نتيجة انعدام الضغط من قبل المبعوث على طرف الحوثيين، بحسب المصدر.
وقال المصدر إن الجانب الحكومي من حيث المبدأ لا يرفض تمديد الهدنة، ويرحب بكل الجهود الإقليمية والدولية الساعية لإحلال السلام في البلاد. وأضاف أن هذا ما سيسهل من مهمة المبعوث، إضافة الى الضغط الإقليمي والدولي، والذي من المرجح أن يدفع الحكومة للموافقة على تمديد هدنة هشة.
الهدنة من طرف واحد
من جهته، قال عضو الفريق القانوني لمجلس الرئاسة القاضي أحمد عطية، لـ"العربي الجديد"، إن "الهدنة منذ بدايتها لم تكن إلا من طرف واحد فقط"، مشبهاً تلك الهدنة بـ"العقد بين طرفين، طرف ينفذ والآخر له كامل الحرية لفعل ما يريد".
وأوضح عطية أن "كل التنازلات تتم من طرف الشرعية بدون أي مبرر يذكر، والحوثي يعد العدة للمعركة الفاصلة التي تقضي على ما تبقى من ميراث الجمهورية، في ظل سبات عميق للنخب السياسية التي يفترض أن يكون لها موقف مساند للرئيس في رفض هذه المسرحية المسماة الهدنة الإنسانية".
وعما إذا كانت ستمهد الطريق لحل سياسي في البلاد، بدا عطية غير متفائل. وقال: "لم تتوقف قذائف الحوثيين طيلة الهدن المتتالية، في تعز ومأرب وغيرها. لست متفائلاً بأن هناك حلاً سياسياً ستقودنا إليه الهدنة التي ماتت قبل ولادتها".
وبالتوازي مع جولته في المنطقة بغية اقتناص موافقة الأطراف على تمديد الهدنة، بدا غروندبرغ واثقاً من تحقيق هدفه، وهو يدفع بمستشاره للشؤون العسكرية العميد أنتوني هايوارد، على رأس وفد أممي، لمناقشة ترتيبات عسكرية تتعلق بوقف إطلاق النار خلال الهدنة، والذي أجرى الخميس الماضي، لقاء بوفد من الحوثيين في صنعاء، ناقش خلاله إقامة غرفة عمليات مشتركة لمراقبة الخروقات، وذلك في ختام جولة شملت عدن وتعز أيضاً.
تكثيف المبعوث الأميركي اتصالاته بمجلس القيادة
بالتزامن فإن المبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ، الذي وصل إلى الرياض الإثنين، في إطار جولة ستشمل السعودية والأردن، "لبحث تمديد الهدنة الأممية السارية في اليمن" وفق ما أعلنته الخارجية الأميركية، كثف لقاءاته واتصالاته مع مجلس القيادة الرئاسي.
وأثنى خلال اتصالات مع أعضاء المجلس عثمان مجلي وطارق صالح وسلطان العرادة، أمس الأول الجمعة، على جهود الحكومة في تنفيذ الهدنة الإنسانية، مؤكداً في المقابل أهمية تجديدها وتوسيع الفوائد الملموسة التي تجلبها لليمنيين في جميع أنحاء البلاد.
أحمد عطية: لست متفائلاً بأن هناك حلاً سياسياً ستقودنا إليه الهدنة التي ماتت قبل ولادتها
وقال ليندركينغ إن الولايات المتحدة تدرك الخطوات الجريئة المتخذة من قبل الحكومة "لتحسين حياة اليمنيين"، معبراً عن تطلعه الى العمل مع المجلس الرئاسي من أجل تجديد الهدنة. ورأى مراقبون في الثناء الأميركي مؤشراً على موافقة حكومية على تمديد الهدنة. والجمعة الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن المسؤول في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم من الإمارات، عمرو البيض قوله إنه من المرجح أن توافق الأطراف المتحاربة في البلاد على تمديد الهدنة.
وفي السياق، أكد الباحث والمحلل السياسي اليمني علي الذهب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الهدنة، التي وصفها بالهشة، "ستمدد بلا شك... قد تمدد لشهرين آخرين وإن كان المطروح ستة أشهر".
ارتباطات بين الملف اليمني والمفاوضات النووية
وأشار الذهب إلى وجود ارتباطات بين الملف اليمني والمفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي بين إيران ودول مجموعة "5+1". وقال: "اليمن واحد من الأوراق التي تناور بها الأطراف الإقليمية والدولية في المفاوضات، لاسيما إيران والولايات المتحدة وأيضاً السعودية والإمارات".
ورأى الذهب أن "القوى الكبرى المتنفذة تعمل على إعادة بناء يمن آخر، كي تحقق مصالحها بمعزل عن التهديدات، وعلى رأسها إيران"، مضيفاً: "تسعى هذه القوى لتحييد الصراع شمالاً، وهي مناطق عديمة التأثير على المصالح الخارجية، لاسيما أن الحوثيين لم يتمكنوا من السيطرة على مأرب".
وتحدث الذهب عن مصالح للسعودية من وقف الحرب، فهي "تريد الالتفات الى البناء والتنمية والانتقال السياسي. كما أن لها مشاريع طموحة في خطة 2030 وغيرها من القضايا، تحاول الالتفات لها بعد إغلاق بعض الملفات الإقليمية التي تنهك قدرتها السياسية والمالية وقوتها العسكرية".
وأضاف: "هي دفعت الكثير وتحاول الخروج بأقل تكلفة حالياً، ولا أدل على ذلك من التغيير السياسي الذي قامت به في اليمن". ولدى زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية منتصف يوليو الحالي، أعلن عن اتفاق مع قيادة المملكة على "تعزيز وتمديد" وقف إطلاق النار.
ورأى الذهب أنه "لو كان الأمر بيد الحوثيين لما قبلوا بالهدنة، لأنهم جماعة عسكرية تقوم على الحرب. السلام هو عدوها الأول، فلا يمكنها أن تقبل بسلام، ولا تستطيع أن تدير منافسة سياسية حرة وشريفة مع الأطراف الأخرى، وليس في ثقافتها هذه الممارسات".
وأضاف أن جماعة الحوثيين "تقول إنها الحاكم الفعلي والشرعي دينياً وتاريخياً، ولا تؤمن بمخرجات الحوار الوطني ولا بالديمقراطية ولا بالحريات، ولكن هناك ضغوطا من إيران، وأيضاً وعودا بريطانية وأميركية، وأمورا تدار من وراء الكواليس معها لتمكينها من هذه المناطق. وأن هذا قدرها ولن يسمح لها أن تتمدد".
وتابع: "أعتقد أن الحوثيين أيضاً وصلوا إلى قناعة أن هذا حجمهم ولن يستطيعوا الاستمرار في الحرب. أتيحت لهم الكثير من الفرص، لكنهم لم يتمكنوا من استغلالها، خصوصاً في مأرب، ومنحوا كهدية من المجتمع الدولي محافظة الحديدة والميناء. هذه رشوة وليست هدية".
وتوقع الذهب أن تمضي الهدنة وأن تستمر الخروقات، "لكن في الملمح العام هناك هدنة. توقفت الطلعات الجوية، توقفت هجمات الحوثيين، فُتح المطار وانتظمت الرحلات للأردن، وفتح الميناء والسفن تتوافد إليه... هناك عرقلة في ما يتعلق بتوقف ملف الأسرى وبفتح الطرق، ولكن أيضاً ستكون هناك انفراجة".
رغبة أميركية بتمديد الهدنة
من جهته، رأى الصحافي اليمني عبدالله دوبلة أن تمديد الهدنة "رغبة دولية، أميركية تحديداً الآن، واستمرار الحرب يهدد المصالح الدولية في ما يتعلق بإمدادات النفط".
وقال دوبلة، لـ"العربي الجديد"، إن تمديد الهدنة بقدر ما هي "رغبة أميركية" فإنها أيضاً "تتلاقى مع رغبة السعودية، باعتبار أن الأخيرة حققت أهدافها من اليمن، والهدنة تحقق لها أهداف: تكريس الحوثيين شمالاً، وتكريس جيب جنوبي خاضع للتحالف".
علي الذهب: لو كان الأمر بيد الحوثيين لما قبلوا بالهدنة، لأنهم جماعة عسكرية تقوم على الحرب
لكن مزايا الهدنة لا تقتصر على أطراف الخارج فقط، فهي تناسب الجميع، وفق دوبلة، "بما فيهم الحوثي الذي يلتقط أنفاسه ويستعيد بناء ترسانة عسكرية ويستعد لجولة أخرى". إضافة إلى أنه وعلى المدى القصير "فرص تمديدها أقوى باعتبارها رغبة أميركية، والحوثي يدرك أن معارضته لرغبة أميركا ستؤدي لخسارته الكثير"، بحسب دوبلة.
ومراراً أشاد المبعوث الأممي بما حققته الهدنة إنسانياً. وقال في بيانه، آنف الذكر، إن تمديدها سيزيد "من الفوائد التي تعود على الشعب اليمني، كما ستوفر منصة لبناء مزيد من الثقة بين الأطراف، والبدء في نقاشات جادة حول الأولويات الاقتصادية، مثل الإيرادات والرواتب، والأولويات الأمنية بما فيها وقف إطلاق النار. والهدف في نهاية المطاف هو المضي قدماً نحو تسوية سياسية تُنهي النزاع بشكل شامل".