شبّه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، العلاقة بين حركة "طالبان" أو "سلطات الأمر الواقع في أفغانستان"، والمجتمع الدولي، بوضع "الدجاجة والبيضة". تشبيه غوتيريس الذي جاء في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة القطرية الدوحة الاثنين الماضي، في ختام اجتماع دام ليومين شارك فيه المبعوثون الخاصون إلى أفغانستان، وممثلون عن منظمات دولية، قصد الجدل الدائر بين حكومة "طالبان" من جهة، والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، حول من يبدأ أولاً، أن يعترف المجتمع الدولي بحكومة الأمر الواقع في أفغانستان، كما تطالب "طالبان"، أو أن تقوم هذه الحكومة بإدخال الإصلاحات المطلوبة لكي يتم الاعتراف الدولي بها.
وهذه الإصلاحات أشار إليها غوتيريس، وتتمثل بألا تكون أفغانستان "مرتعاً للأنشطة الإرهابية"، وأن تكون لديها مؤسسات تشمل مجموعاتها العرقية، وأن تحترم حقوق الإنسان، خصوصاً حقوق النساء والفتيات، عبر إعادة النظر في قرار منع الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية، وحظر عمل النساء في المؤسسات الحكومية.
نشاط للتغلب على الجمود حول أفغانستان
وفي الوقت الذي يستعد فيه غوتيريس لتقديم تقرير إلى مجلس الأمن الدولي اليوم 26 فبراير/شباط الحالي، أطلق سلسلة مشاورات لتعيين مبعوث خاص أممي إلى أفغانستان، كما طلب القرار 2721، قادر على العمل مع حكومة سلطات الأمر الواقع في أفغانستان. وللتغلب على معارضة حكومة "طالبان" تعيين مبعوث أممي خاص لأفغانستان، باعتباره "تدخّلاً في شؤونها الداخلية"، ينوي الأمين العام للأمم المتحدة، كما قال، التشاور مع حكومة الأمر الواقع لتحديد دور ومهام المبعوث الدولي لجعل الأمر جاذبا من منظورهم.
الملف الأفغاني سيشهد خلال الأسابيع القليلة المقبلة نشاطاً مكثفاً، للتغلب على الجمود
وعكست أجواء المشاركين في اجتماع الدوحة قناعة بأن الملف الأفغاني سيشهد خلال الأسابيع القليلة المقبلة نشاطاً مكثفاً، للتغلب على الجمود وإيجاد خريطة طريق مشتركة تعالج المخاوف الدولية ومخاوف سلطات الأمر الواقع في آن معاً.
وأيّدت دولة قطر الاقتراح المتمثل بإنشاء فريق اتصال دولي مصغر يضفي الطابع الرسمي على الجهود الدولية التي تبذلها مختلف الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لإيجاد سبيل إلى خريطة طريق موحدة لأفغانستان. كما وجد الاقتراح توافقاً من قبل المبعوثين الخاصين إلى أفغانستان في اجتماع الدوحة، ودعماً من غوتيريس الذي اقترح أن يتشكل الفريق من مجموعة الدول الخمس إلى جانب ممثلين عن دول الجوار وممثلين عن الدول المانحة.
وتصرّ حكومة الأمر الواقع في أفغانستان، وفق بيان لوزارة الخارجية الأفغانية، على أنها السلطة الشرعية، مطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بها، وأن تتفهم الأمم المتحدة الحقائق على الأرض، وألا تقع تحت تأثير وضغط أطراف محددة، لم تسمها، وأن النظام الحالي في أفغانستان لا يقع تحت تأثير أحد كما كان حال النظام الحاكم خلال العشرين سنة الماضية.
وفي هذا الصدد رد القائم بأعمال مكتب حركة "طالبان" في الدوحة محمد نعيم على أسئلة "العربي الجديد"، بالتأكيد على بيان وزارة خارجية "الإمارة الإسلامية" الذي صدر السبت الماضي، بربط أي مشاركة دولية مستقبلاً في اجتماعات الأمم المتحدة باعتبار "الإمارة الإسلامية" هي الجهة المسؤولة باسم أفغانستان، حتى تكون المشاركة ذات فائدة وناجحة.
لكن غوتيريس يراهن على التغيير في مواقف "طالبان" مستقبلاً، على الرغم من تصريحاته في المؤتمر الصحافي الإثنين الماضي، بأنه "تلقى رسالة من سلطات الأمر الواقع تتضمن مجموعة من الشروط غير المقبولة"، وأن هذه الشروط، "في المقام الأول، تحرمنا من حق التحدث مع ممثلين آخرين للمجتمع الأفغاني، وطالبَت بمعاملة تشبه إلى حد كبير الاعتراف". وأضاف: "كان من الأفضل لو أتيحت لنا الفرصة أيضاً لمناقشة استنتاجاتنا بعد الاجتماع مع سلطات الأمر الواقع، لم يحدث ذلك اليوم، لكن سيحدث ذلك في المستقبل القريب".
جهود قطرية متواصلة
وكانت دولة قطر قد جددت على لسان وزير الدولة بوزارة الخارجية محمد الخليفي، في كلمة ألقاها في الاجتماع الثاني للمبعوثين الخاصين إلى أفغانستان السبت 17 فبراير/شباط الحالي، التزام دولة قطر بدعم الشعب الأفغاني ورغبتها الصادقة في النهوض بالشراكة في أفغانستان، مؤكداً استعداد دولة قطر للاستمرار في استضافة الاجتماعات، معتبراً أن هذه المنصة الرسمية تخلق بيئة المناسبة لتحقيق أفضل النتائج.
قطر ترى أنّ التعامل مع حكومة تصريف الأعمال أمر بالغ الأهمية للحفاظ على دعم الشعب الأفغاني وتعزيزه
ولفت الخليفي إلى أن دولة قطر تواصل جهودها في أفغانستان مع التركيز على المبادرات الإنسانية والتنموية والدبلوماسية. وأبان في هذا الصدد أن دولة قطر ترى أنّ التعامل مع حكومة تصريف الأعمال أمر بالغ الأهمية للحفاظ على دعم الشعب الأفغاني وتعزيزه، خصوصاً للنساء والفتيات، مشيراً إلى تعاون صندوق قطر للتنمية ومؤسسة التعليم فوق الجميع مع وزارة تطوير التعليم الأفغانية لدعم 30 ألفا من الشباب والفتيات غير الملتحقين بالمدارس الابتدائية، وتوقيع صندوق قطر للتنمية اتفاقية مع منظمة الصحة العالمية لدعم توفير خدمات صحية أساسية في 11 مقاطعة في أفغانستان.
وتشكّل أفغانستان حالياً أكبر أزمة إنسانية في العالم، إذ يعيش 97 في المائة من الأفغان تحت خط الفقر، وثلثا السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة هذا العام، والكثير من التحديات الإنسانية التي تحتاج إلى المزيد من التمويل. ولم تتلق خطة الاستجابة الإنسانية سوى 294 مليون دولار من أصل 6.4 مليارات دولار مطلوبة، وفق بيانات رسمية للأمم المتحدة.