أفادت وكالة "فارس" الإيرانية بأن نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني أجرى خلال زيارته إلى لندن، الخميس، في إطار جولته الأوروبية، مباحثات بشأن سداد بريطانيا ديونا إيرانية قديمة ومصير الصحافية البريطانية الإيرانية نازنين زاغري، التي تواجه حكما بالسجن لعام آخر بعد انتهاء محكوميتها بالسجن لخمس سنوات.
وقال باقري كني، حسب "فارس"، إنه أجرى "مباحثات جادة" مع السلطات البريطانية لسداد الديون الإيرانية، معربا عن أمله في دفعها "قريبا"، مضيفا أن الطرفين "متفقان على سداد هذه الديون وحجمها، لكن لم تحل بعد طريقة وعملية دفعها".
وجاء طرح مسألتي الديون وزاغري خلال مباحثات باقري كني في لندن، فيما كان الاتفاق النووي ومفاوضات فيينا النووية المقبلة يوم 29 من الشهر الجاري في صلب هذه المباحثات.
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد أكد، الاثنين الماضي، في اتصاله مع نظيرته البريطانية ليز تراس، "ضرورة وجود تحرك عاجل لدفع ديونها إلى إيران في أسرع وقت".
تبلغ هذه الديون 400 مليون جنيه إسترليني، دفعها النظام الإيراني السابق لبريطانيا في سبعينيات القرن الماضي في إطار صفقة لشراء دبابات بريطانية، لكن الصفقة ألغيت بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. ورفضت بريطانيا خلال العقود الأربعة الماضية تسديد هذه الديون. وكانت طهران تطالب بدفع أرباح هذه الأموال خلال هذه العقود بالإضافة إلى أصل الدين.
علاقة الملف بزاغري؟
وخلال السنوات الأخيرة، راجت تقارير وتصريحات بريطانية أكدت أن مصير الملف القضائي للصحافية الإيرانية البريطانية نازنين زاغري وخروجها من إيران مرتبط بمصير ديون إيرانية لدى بريطانيا، لكن الخارجية الإيرانية نفت عدة مرات وجود ربط بين ملف زاغري والسجناء الإيرانيين الذين يحملون جنسية بريطانية بالمشاكل المالية مع لندن.
إلى ذلك، نقلت وكالة "فارس" الإيرانية، اليوم الجمعة، عن كبير المفاوضين الإيرانيين نفيه "وجود علاقة" بين سداد الديون وملف زاغري. وأضاف باقري كني أن المسؤولين البريطانيين طرحوا خلال المباحثات معه قضية زاغري.
وأكدت محكمة الاستئناف بطهران، أخيرا، حكما صادرا بحق زاغري خلال إبريل/نيسان الماضي، بالسجن لعام بتهمة الدعاية ضد نظام الحكم الإيراني.
وكانت قد انتهت فترة محكومية زاغري السابقة، والتي قضت بموجبها 5 سنوات في السجن قبل أن يُطلق سراحها في مارس/آذار 2020 بسبب ظروف تفشي كورونا، لتخضع بعدها للإقامة الجبرية في منزل عائلتها في طهران، إلى أن انتهت السنوات الخمس.
واعتقلت زاغري، العاملة في مؤسسة "تومسون رويترز"، عام 2016، في مطار "الإمام الخميني" أثناء عودتها إلى بريطانيا، بتهمة "التآمر على الجمهورية الإسلامية". ويخوض زوجها البريطاني ريتشارد راتكليف إضرابا عن الطعام منذ 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الأمر الذي يشكل ضغطا على الحكومة البريطانية لتكثيف مساعيها للإفراج عن زاغري.
من جهتها، قالت بريطانيا، الخميس، إن مسؤولين ضغطوا على نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني "لأن تفرج إيران عاجلاً عن جميع المواطنين البريطانيين المحتجزين بشكل جائر في إيران، ومنهم نازنين زاغري راتكليف وأنوشه آشوري ومراد طاهباز".
طاهباز هو تاجر إيراني يحمل أيضا الجنسية الأميركية، بالإضافة إلى الجنسية البريطانية، اعتقله جهاز استخبارات الحرس الثوري في ینایر/كانون الثاني 2018، ضمن مجموعة عُرفت بـ"نشطاء البيئة"، وواجهوا تهمة التجسس وجمع معلومات سرية عن مناطق استراتيجية تحت ستار مشاريع الحفاظ على البيئة. وأعلنت السلطة القضائية الإيرانية في 18 فبراير/ شباط 2020، إصدار أحكام بالسجن بحق هؤلاء، منهم مراد طاهباز، الذي حكم عليه بالسجن لثمانية أعوام بتهمة "التعاون" مع الولايات المتحدة.
مفاوضات مستمرة
وخلال السنوات الماضية، جرت مفاوضات بين طهران ولندن لعقد صفقة بشأن الإفراج عن معتقلين مزدوجي الجنسية، وإعادة الديون الإيرانية، لكن هذه المفاوضات لم تصل إلى نتيجة.
وكان وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف قد كشف في سبتمبر/ أيلول 2019، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفقاً لما أوردته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية حينها، أنه كان مستعداً لبذل جهود للإفراج عن زاغري راتكليف مقابل تسديد لندن دينها لطهران، مشيرا إلى أن وزير الخارجية البريطاني الأسبق فيليب هاموند، هو الذي اقترح عليه الإفراج عن زاغري راتكليف مقابل تسديد الدين، إلا أن الوزير الإيراني السابق أكد في الوقت ذاته، أنه بعد مغادرة هاموند الوزارة عارض وزير الخارجية البريطاني الأسبق جيريمي هانت الصفقة.
واستؤنفت المفاوضات لعقد صفقات تبادل مع الولايات المتحدة وبريطانيا، تزامنا مع إطلاق مفاوضات فيينا النووية لإحياء الاتفاق النووي خلال إبريل/نيسان الماضي، لكنها مع تعثر المفاوضات النووية توقفت.
وكشفت إيران، خلال يوليو/تموز الماضي، على لسان كبير مفاوضيها عباس عراقجي، عن التوصل إلى اتفاق مع واشنطن ولندن للإفراج عن سجناء، الذي اتهم الطرفين بمنع تنفيذه لـ"أهداف سياسية". وقال عراقجي إنهما ربطا إنجاز الصفقة بمفاوضات فيينا النووية. غير أن الإدارة الأميركية من جهتها أكدت وجود مفاوضات لتبادل السجناء لكنها نفت صحة التوصل إلى اتفاق.
وخلال أغسطس/أب الماضي، أفادت وكالة "نور نيوز" المقرّبة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، نقلاً عن "مصدر مطلع"، بأن طهران ستخرج تبادل السجناء مع الولايات المتحدة وبريطانيا من أجندتها، مؤكداً أنها "لم يعد لديها أي دافع لمواصلة هذا المسار".
وأضافت الوكالة أن إيران خاضت مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة للإفراج عن 4 إيرانيين مقابل الإفراج عن 4 أميركيين، فضلاً عن تحرير 7 مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة لدى دول أخرى، مشيرة إلى أن مفاوضات أخرى أجريت مع بريطانيا للإفراج عن الصحافية البريطانية الإيرانية نازنين زاغري.
وعن الحجة التي قدمتها الولايات المتحدة، قالت الوكالة الإيرانية إنها أبلغت بأن "الإفراج عن 7 مليارات دولار ستمنح إيران فرصة تنفس، وتخفض الدافع لديها لمواصلة المشاركة في مفاوضات فيينا".
أما عن نتيجة المفاوضات مع بريطانيا، فقالت "نور نيوز"، حينها، إنه "بعد امتناع الولايات المتحدة عن تنفيذ الاتفاق لتبادل السجناء، طرحت لندن أيضاً تسليم السجين البريطاني الإيراني مراد طاهباز إلى السفارة السويسرية في طهران، راعية المصالح الأميركية"، لافتة إلى أن طهران رفضت الطلب، ولذلك توقفت المفاوضات مع لندن أيضاً.