تزداد المخاوف من الاتجاه الذي تسير فيه الحرب في إثيوبيا، بين الحكومة الفيدرالية و"جبهة تحرير شعب تيغراي"، بعد تقدّم الأخيرة في منطقتين استراتيجيتين، على الطريق المؤدي للعاصمة أديس أبابا. ويبدو أن ذلك دفع سلطات العاصمة للتأهب وإعلان حالة الطوارئ، تحسباً لأي تطور مفاجئ. في موازاة ذلك، دعت السلطات المواطنين لاستخراج تراخيص بحمل السلاح، وذلك بعد يومين من مناشدة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، السكان "استخدام أي سلاح ممكن لصد الجبهة". ويبدو من ذلك أن السلطات الإثيوبية باتت بالفعل تشعر بالخطر، خصوصاً أن اتخاذ هكذا قرار ستكون له عواقب وخيمة لناحية تأجيج الوضع الداخلي، وهو قد يؤدي إلى استعار الاقتتال، والحرب التي أسفرت بالفعل عن فظائع وانتهاكات إنسانية واسعة منذ اندلاعها قبل عام. وهذه الانتهاكات يُنتظَر إلقاء الضوء عليها في تقرير أممي ينشر غداً الأربعاء، على الرغم من محاولة أديس أبابا تقييده.
وبالتزامن، برز موقف أميركي تحذيري للمتمردين، إذ قال المبعوث الأميركي الخاص إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان، في خطاب أمام معهد السلام الأميركي: "دعوني أكون واضحاً: نحن نعارض أي تحرك لجبهة تحرير شعب تيغراي إلى أديس أبابا لمحاصرتها"، داعياً إلى إجراء محادثات بين الطرفين عوضاً عن ذلك. أما الرئيس الأميركي جو بايدن فأخطر الكونغرس اليوم أنه ألغى التفضيلات التجارية الرئيسية لإثيوبيا بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان في حملتها العسكرية في إقليم تيغراي.
أخطر بايدن الكونغرس أنه ألغى التفضيلات التجارية الرئيسية لإثيوبيا
وتعهد رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، مجدداً، أمس الإثنين، القتال لتحقيق النصر في الحرب المستمرة منذ عام في شمال البلاد، بعدما قال متمردو تيغراي إنهم استولوا على مدينة استراتيجية أخرى بشمال البلاد، هي كومبولشا بعد ديسي. وتحدث سكان في كومبولشا في الساعات الأخيرة، عن احتدام المعارك في محيط المدينة الاستراتيجية بين القوات الإثيوبية و"جبهة تحرير شعب تيغراي" التي أعلنت الأحد السيطرة عليها غداة إعلانها انتزاع ديسي. وتُعد هاتان المدينتان الواقعتان في إقليم أمهرة جنوب تيغراي، استراتيجيتين وتقعان على بعد حوالى 400 كيلومتر شمال العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وإذا تأكدت السيطرة على كومبولشا، فسيكون ذلك بمثابة مرحلة رئيسية جديدة في الصراع المستمر منذ عام.
وقال أبي أحمد أمام عدد من المسؤولين الحكوميين في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي، أمس الإثنين: "سوف نصدّهم بكل قوتنا". وأضاف: "التحديات كثيرة، لكن يمكنني أن أقول لكم إننا بالتأكيد سنحقق انتصاراً شاملاً". وكان أبي أحمد حض الإثيوبيين في رسالة نشرها على "فيسبوك" الأحد الماضي، على استخدام "أي سلاح ممكن، لصدّ جبهة تحرير شعب تيغراي وإسقاطها ودفنها". وشدّد على أن "الموت من أجل إثيوبيا هو واجب علينا جميعاً".
في الأثناء، ومع الحديث عن أن قوات "جبهة تحرير تيغراي" باتت على طريق العاصمة، وأنها تفكر في الزحف إلى هناك، دعت سلطات أديس أبابا المواطنين، اليوم الثلاثاء، إلى استخراج تراخيص بحمل السلاح في اليومين المقبلين، وذلك بحسب ما أفادت به وسائل إعلام رسمية في إثيوبيا. وأضافت هذه الوسائل، بحسب ما نقلته عنها وكالة "رويترز"، أنه "تم أخيراً اعتقال أشخاص حاولوا إحداث فوضى"، وذلك من دون التطرق إلى مزيد من التفاصيل. وجاء ذلك بعد معلومات عن تلقي لجنة الأمن والاستقرار المشتركة معلومات تفيد بوجود مخطط لدى مسلحين من أجل استخدام الزي الرسمي لقوات الأمن بهدف إرباك سكان المدينة.
في غضون ذلك، تزداد المخاوف الدولية بشأن التطورات المتلاحقة في إثيوبيا، وسط دعوات متجددة لاعتماد الحوار. وفي السياق، دعا مفوض السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في تغريدة عبر موقع "تويتر"، أمس الإثنين، الأطراف المتحاربة إلى وقف القتال وبدء مفاوضات من دون شروط مسبقة ورفع الحصار عن المساعدات الإنسانية والامتناع عن كل خطاب يحض على الكراهية. من جهتها، قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، في تغريدة عبر "تويتر" مساء الإثنين كذلك: "يجب على جميع الأطراف البدء بمفاوضات وقف إطلاق النار من دون شروط مسبقة".
تعهد أبي أحمد بتحقيق النصر في الحرب شمالي البلاد
وعادت منذ يونيو/حزيران الماضي، الشرارة إلى النزاع في تيغراي الذي بدأ في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حين أرسل أبي أحمد الجيش إلى الإقليم لإطاحة "جبهة تحرير شعب تيغراي" الحاكمة محلياً، مبرراً العملية بأنها جاءت ردّاً على استهداف قوات الجبهة معسكرات للجيش الفيدرالي.
وأدت الحرب منذ ذلك الحين إلى حدوث أزمة إنسانية غير مسبوقة وانتهاكات واسعة، بقي معظمها من دون توثيق، بسبب القيود التي فرضتها الحكومة الإثيوبية على عمل المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام في المنطقة. لكن تقريراً أممياً تم إعداده بالاشتراك مع اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان التي أنشأتها الحكومة، سيصدر غداً الأربعاء، ويتوقع أن يلقي الضوء على جانب من هذه الانتهاكات، علماً بأنه سيكون التحقيق الوحيد في مجال حقوق الإنسان، الذي سُمح به في إقليم تيغراي. لكن مصادر مطلعة على التحقيق قالت إن السلطات فرضت قيوداً عليه، عندما طردت أخيراً إحدى موظفات الأمم المتحدة التي كانت تساعد في قيادة التحقيق، فضلاً عن محاولتها التركيز على انتهاكات قوات تيغراي دون غيرها.
أديس أبابا حاولت تقييد التقرير الأممي عن الانتهاكات
ونتيجة لمنع منظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة "العفو الدولية" من دخول تيغراي، ناهيك بوسائل الإعلام الأجنبية، سيشكل التقرير المصدر الرسمي الوحيد للمعلومات في العالم عن انتهاكات الحرب. والتحقيق المشترك الذي أجراه مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان واللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان التي أنشأتها الحكومة، هو تعاون نادر، لكنه أثار على الفور مخاوف بين عرقية التيغراي وجماعات حقوق الإنسان والمراقبين الآخرين بشأن الحيادية وتأثير نفوذ الحكومة على مضمونه. ورداً على أسئلة لوكالة "أسوشييتد برس"، قال مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في جنيف، إنه لم يكن ليتمكن من دخول تيغراي لولا الشراكة مع اللجنة الإثيوبية. وأوضحت الأمم المتحدة في وقت سابق أنه بالرغم من إجرائها تحقيقات مشتركة سابقة في أفغانستان وأوغندا، فإن "التحقيق الحالي فريد من حيث الحجم والسياق". كما أكدت مصادر مطلعة على التحقيق، أن رئيس لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، دانيال بيكيلي، قلل من أهمية بعض المزاعم بأن مقاتلين من إقليم أمهرة كانوا مسؤولين عن ارتكاب انتهاكات في تيغراي، وضغط بدلاً من ذلك من أجل تسليط الضوء على انتهاكات قوات تيغراي.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)