يحاول حزب "العدالة والتنمية" بالمغرب استعادة بعض من ماضيه بعدما تلقى في الثامن من سبتمبر/ أيلول 2021 هزيمة مدوية، حيث أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية احتلاله المرتبة الثامنة بـ13 مقعدا، بعدما كان يسعى لقيادة الحكومة للمرة الثالثة على التوالي، وفقدانه بذلك في ظرف 5 سنوات 113 مقعداً من أصل 125 كان قد حصل عليها في انتخابات 2016.
وبعد عقد في السلطة وعام كامل على الهزيمة، يبدو الحزب ذو الخلفية الإسلامية اليوم وكأنه يحاول على استحياء مقاومة نهاية صعوده وطي صفحته، بعدما فقد الكثير من تجانسه وشعبيته، فالانحدار الأسوأ على الإطلاق في كل تاريخ انتخابات المغرب بالنسبة لحزب يقود الحكومة ألقى بظلاله السوداء على البيت الداخلي للإسلاميين وعلى مستقبلهم وموقعهم في المشهد السياسي.
وزاد من ثقل ما تواجهه القيادة الجديدة/ القديمة للحزب جراء تقهقره الانتخابي اللافت تحديات جسيمة لاستعادة توازنه وموقعه في المشهد السياسي، وتفادي انعكاسات ذلك التقهقر على باقي امتداداته الأخرى.
كما بدا حجم الهزيمة المدوية أكثر إيلاما لإسلاميي المغرب بعدما وجدوا أنفسهم عاجزين عن تشكيل كتلة نيابية في مجلس النواب المغربي الحالي (يشترط القانون الداخلي التوفر على 20 مقعداً لتشكيلها)، ليضطروا للعمل النيابي من خلال الانضمام لمجموعة نيابية لا تمتلك الوسائل ولا الصوت للتأثير في المؤسسة التشريعية.
وبينما أعلنت مخرجات الانتخابات عن نهاية حكم الإسلاميين عبر صناديق الاقتراع، وجدت قيادة الحزب نفسها أمام امتحان اتخاذ قرارات صعبة لعلها تقلل من خسائر ارتدادات الزلزال على البيت الداخلي، كان من أبرزها تقديمها لاستقالتها بشكل جماعي في سابقة في المشهد السياسي المغربي، والدعوة إلى مؤتمر استثنائي لانتخاب قيادة جديدة تشرف على إدارة المرحلة المقبلة، وعبور "المرحلة الصعبة" في تاريخ الحزب، وإعادة ترتيب أوراقه حفاظا على مستقبله.
ولئن كانت نتائج الانتخابات التشريعية تؤشر إلى أن الحزب أدى فاتورة تدبيره للشأن العام لنحو عشر سنوات بتصويت عقابي جراء قرارات اتخذت في عهدي الأمينين العامين عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، التي مست شرائح عدة متعاطفة مع الحزب، خصوصا الطبقتين الوسطى والفقيرة، بعد إصلاح صندوق المقاصة ونظام التقاعد، إلا أن ارتدادات "زلزال" الثامن من سبتمبر/ أيلول على البيت الداخلي للحزب الإسلامي كانت كبيرة. ووجد أنصار وقادة الحزب أنفسهم، خلال محطة المؤتمر الاستثنائي المنعقد في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أمام مفترق طرق وملفات ساخنة وتحديات مصيرية، جعلت مستقبله مفتوحا على كل الاحتمالات، وهو يحاول تقديم جواب سياسي جماعي يساهم في تسوية الخلافات الداخلية، ويجنّب الحزب تصدع صفوفه.
وبالرغم مما عاشه المؤتمر الاستثنائي من خلافات داخلية وانتقادات حادة لقيادته المستقيلة بشأن طريقة تحضيرها وإدارتها للمؤتمر، إلا أن قطاعا واسعا من مناضلي الحزب رأوا في انتخاب بنكيران أمينا عاما، بعد ما يقارب خمس سنوات على انسحابه من المشهد السياسي، عاملا مهما في إنقاذ الحزب ووقف خطر الانهيار الشامل وإعادة البناء، لاعتقادهم أنه الوحيد القادر على إعادة تجميع "العدالة والتنمية" وهيئاته، وتجاوز الأزمة الداخلية.
وفي وقت ظهر فيه أن بنكيران مدرك لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه وصعوبة الوضع الذي سيواجهه، من خلال تأكيده بعد انتخابه أن "لا مصلحة للقيادة الجديدة في تصفية الحسابات"، وأن "اليوم هو يوم المستقبل يجب أن نكون يدا واحدة.. سنعود لتحقيق الانتصارات، لكن يجب أن نبقى في الساحة"، إلا أنه كان لافتا خلال الأشهر الماضية أن حالة التماسك الداخلي غير المسبوقة التي كانت تسود الحزب قبل نكسة الثامن من سبتمبر، قد تأثرت بعدما اختارت القيادات السابقة الابتعاد وتجميد أنشطتها داخل الحزب وتنظيماته.
بالتوازي مع ذلك، بدا لافتاً أن مرحلة الانتصارات الانتخابية التي كان وراءها بنكيران خلال الولايتين السابقتين قد ولت، بعدما فشل في رهان تحقيق نصر انتخابي في الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت في دائرتي مكناس والحسيمة في 21 يوليو/ تموز الماضي، علما أن المشاركة في تلك الانتخابات نظر إليها على أنها تحرك من القيادة الجديدة لاستعادة مكانة الحزب بعد النكسة الانتخابية التي لم يكن يتوقع أكثر المتشائمين حصولها في الثامن من سبتمبر/ أيلول.
تعليقاً على ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بمدينة سطات عبد الحفيظ اليونسي أن الحزب يواجه تحديا كبيرا سيؤثر على باقي امتداداته المجتمعية كحركة التوحيد والإصلاح (الذراع الدعوي للحزب) والجمعيات والنقابة، يتعلق بتحدي الجدوى من العمل السياسي إذا كانت النتيجة هي عدم القدرة على تحقيق مكاسب للفئات التي تصوت للحزب وإذا استمر التشكيك الدائم في ولاء الحزب.
ويعتقد اليونسي، في حديث مع "العربي الجديد "، أنه من الناحية التنظيمية بدأ الحزب يستعيد بعضا من حركيته مع بنكيران، إذ إن شخصيته وخبرته يمكن أن تساعد على ذلك، لكنه لفت إلى أن "الحزب لم يتعامل مع النكسة الانتخابية من حيث استشراف المستقبل حول مضامين مشروعه السياسي ومضامين خطابه السياسي والقضايا المجتمعية التي يمكن أن يشتغل عليها، في ظل مأزق وتناقض موقفه الحكومي من قضايا معينة ومواقفه الحالية من القضايا نفسها من قبيل اللغة العربية والتطبيع".
من جهته، يرى مدير "مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية" خالد الشرقاوي السموني أنه منذ النكسة الانتخابية، يعرف "العدالة والتنمية" تراجعا كبيرا ويعيش مناضلوه تذمرا.
ويشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذا الوضع يتطلب وقتا كافيا لاستعادة الحزب مكانته وموقعه في المشهد السياسي المغربي من خلال إعادة النظر في طريقة العمل الحزبي ومراجعة الورقة المذهبية وتشبيب صفوفه بضخ دماء جديدة في ظل ما يفرضه الواقع من ضرورة تواري القيادات القديمة لصالح القيادات الشابة. إلى جانب إجراء وقفة للنقد والتقويم والتصحيح والوقوف على أوجه الخلل التي كانت وراء معاقبة الناخبين للحزب وفقدان بريقه الانتخابي".
ويوضح الشرقاوي السموني أنه بعد النكسة الانتخابية سجل نوع من الفتور السياسي لأعضاء الحزب وتراجع في الأداء السياسي على مستوى المشهد السياسي، معتبرا أن الهزيمة الانتخابية أمر طبيعي في الدول الديمقراطية. لكنه استدرك بالقول إن ذلك "لا يؤدي إلى جمود الأحزاب وتراجعها في الأداء السياسي مثل ما وقع للحزب الإسلامي".
ويتابع قائلا "أعضاء العدالة والتنمية يعانون من فقدان الثقة في حزبهم، ما يقتضي إعادة النظر في أداء الحزب وإعادة الثقة، لأن الهزيمة السياسية ليست حتمية. كما أنه من الخطأ اختفاء القيادات البارزة عن المشهد السياسي والحقوقي في الحزب لأن السياسة مد وجزر وتدافع ونصر وهزيمة".