عام على حرب غزة: ما وضع المقاومة الفلسطينية؟

10 أكتوبر 2024
أضرار قرب تل أبيب بعد قصف المقاومة صواريخ، 7 أكتوبر الحالي (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه المقاومة الفلسطينية في غزة تحديات كبيرة بسبب الحصار ونقص الإمدادات، لكنها أظهرت قدرة على التكيف باستخدام التصنيع الداخلي وتكتيكات حرب العصابات، مع استمرار إطلاق الصواريخ بشكل متقطع.

- رغم تراجع وتيرة إطلاق الصواريخ، تحتفظ المقاومة بقدراتها العسكرية باستخدام أسلحة جديدة مثل صاروخ السهم الأحمر، وتظهر مرونة في مواجهة الحصار عبر إعادة تصنيع الأسلحة.

- فشلت إسرائيل في تحقيق حسم عسكري، حيث أعادت المقاومة تنظيم صفوفها وقدمت نموذجًا جديدًا للقضية الفلسطينية، مما يعكس قدرتها على التكيف مع الحروب اللامتناظرة.

يبدو المشهد الميداني للأذرع العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مغايراً لما كان عليه في الأسابيع والأشهر الأولى لحرب الإبادة الإسرائيلية التي دخلت عامها الثاني على التوالي بدون أي توقف باستثناء هدنة إنسانية لم تدم أكثر من بضعة أيام في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 جرى خلالها تبادل عشرات الأسرى بين الطرفين. ولا تمتلك المقاومة الفلسطينية خطوط إمداد حقيقية مقارنة مع الدعم الأميركي والغربي اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي وعمليات نقل الأسلحة التي تتم بين فترة وأخرى، إذ تعيش المقاومة وأذرعها العسكرية حالة حصار مطبق بفعل سيطرة الاحتلال البرية والجوية على الحدود بمختلف مناطقها.

وتناقصت عمليات الإطلاق الصاروخي بشكل واضح وملموس خلال الفترة الماضية بعد أن كانت المقاومة وتحديداً "كتائب القسام" تطلق العشرات من الرشقات اليومية لتصبح متفاوتة وعلى أيام وأسابيع في بعض الأحيان. لكن المقاومة الفلسطينية عادت وأطلقت صواريخ باتجاه تل أبيب ومناطق إسرائيلية أخرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

وأظهرت الكثير من مقاطع الفيديو التي نشرتها المقاومة الفلسطينية عمليات إطلاق تتم بطرق بدائية وبدون منصات مماثلة لتلك التي كان يتم الإطلاق منها، لا سيما الصواريخ بعيدة المدى التي تطاول تل أبيب وأسدود ومدن المركز في العمق المحتل عام 1948. وبحسب المشاهد، التي نشرت فإن المقاومة تعتمد على بعض المنصات الخشبية لتثبيت الصواريخ لحظة انطلاقها تجاه المدن المحتلة عام 1948، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كان هناك نقص في المقدرات التي تمتلكها الأذرع العسكرية العاملة في الميدان في ضوء عمليات القصف غير المسبوقة على القطاع خلال عام كامل. وظهر تكتيك المقاومة الذي يستند إلى "حرب العصابات" وتجنّب المواجهة بأعداد كبيرة مع قوات الاحتلال ضمن مساعي تجنّب تكبّد خسائر كبيرة في الأرواح، في ظل المشهد الأمني المعقّد وحالة الاستهداف المتواصلة لعناصرها وقياداتها الميدانيين والبارزين.

واقع المقاومة الفلسطينية في غزة

وقال مصدر في المقاومة الفلسطينية لـ"العربي الجديد" إنّ "المقاومة ما زالت ثابتة ومتجذرة حيث اعتمدت على نفسها وعلى التصنيع الداخلي، ولا شك أنها عندما قررت تنفيذ العبور الكبير في السابع من أكتوبر كانت قد أعدت نفسها لذلك، وهي توقعت أن تمر بحالة من الحصار وتقنين الموارد العسكرية اللازمة للتصنيع وهي تعمل ضمن الحد الأدنى باستخدام الذخائر والقذائف بما يتناسب مع مواردها".

مصدر في المقاومة: لا نعاني من نقص فقد استخدمنا عدة مرات أسلحة لم نستخدمها منذ بداية العدوان

وأضاف المصدر أن "المقاومة لا تعاني من نقص فقد استخدمت عدة مرات أسلحة لم تستخدمها منذ بداية العدوان، على سبيل المثال صاروخ السهم الأحمر الذي استخدمته كتائب القسام مرتين في رفح، واستخدام فصائل أخرى أسلحة قنص مصنعة محلياً، وهي رسالة وإشارة واضحة إلى أنها تمتلك الكثير من الخيارات والأساليب والطرق التي تستطيع من خلالها توفير ما يلزمها خلال هذه المواجهة".
 وبشأن تراجع عمليات إطلاق الصواريخ، لفت المصدر إلى أن ما يجري هو ضمن تكتيكات المعركة ومراحلها التي تحتاج إلى أساليب معينة وطرق مختلفة، وما تراجع أو وقف إطلاق الصواريخ إلا خياراً خاضعاً لقرارات قيادة المقاومة فقط وكله خاضع لإدارة ميدان المعركة وحاجتها بما يخدم استراتيجية المواجهة والاشتباك مع الجيش الإسرائيلي والتأثير والضغط على جبهته الداخلية.

المشهد بعد عام من القتال

من جهته، رأى الكاتب والمحلل المختص في الشأن السياسي إبراهيم المدهون أن المقاومة و"كتائب القسام" على وجه التحديد لا تزال في الميدان وتقف على أرضية صلبة في ظل فشل الاحتلال الإسرائيلي في الحسم العسكري معها حتى اللحظة بعد عام كامل من الإبادة والاستهداف. وقال المدهون، لـ"العربي الجديد"، إن "القسام" لا تزال تنفذ العمليات وتقوم بترتيب الصفوف لكن بلا شك أن المقاومة خسرت الكثير من القيادات والتكتيكات والأسلحة بسبب طول الحرب والحصار المشدد المفروض على القطاع، إلا أن الاحتلال فشل في القضاء عليها واستطاعت المقاومة إعادة التجنيد. وأوضح أن المقاومة استطاعت تقديم مثال جديد وحي للقضية الفلسطينية من خلال عملياتها التي تواصلت على مدار عام، وأكدت من جديد أحقية الفلسطينيين في إقامة دولتهم ورسم مسار سياسي جديد للقضية الفلسطينية في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.

المدهون: المقاومة خسرت الكثير من القيادات والتكتيكات والأسلحة، إلا أن الاحتلال فشل في القضاء عليها

وبحسب المدهون، فإن المقاومة تعيش كما الشعب الفلسطيني حالة حصار مشدد وخانق وصل إلى الطعام والشراب والوقود، وهو ما دفع بالأذرع العسكرية لإدخار القوة واقتصادها بالإضافة إلى إعادة تصنيع السلاح من المتفجرات التي لم تنفجر من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وأعرب عن اعتقاده أن المقاومة لو امتلكت خطوط إمداد لكان المشهد مختلفاً، وعلى الرغم من القيود التي فرضها الاحتلال على القطاع إلا أنه فشل في الحسم العسكري تماماً مع الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية في غزة، مع الأخذ بالحسبان أن الشعب الفلسطيني مستنزف بفعل الإبادة وواقعه مزرٍ بفعل الحرب. وأشار إلى أن غياب الصواريخ يعني أن هناك حرب استنزاف، فالمقاومة تواجه الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، والمقاومة لديها القدرة على إطلاق الصواريخ، غير أن هناك إدراكاً فلسطينياً أن هذه الحرب طويلة الأمد، علاوة عن أن الاحتلال بات يزيد من الإبادة في حال إطلاق الصواريخ، وبالتالي من إمكانية عودة إطلاق الصواريخ بوتيرة أعلى على الرغم من أنها ليست كما في السابق.

الحروب اللامتناظرة

من جهته، قال الكاتب والباحث في الشأن السياسي محمد الأخرس إن المعركة التي تخوضها المقاومة الفلسطينية في غزة تنتمي للحروب اللامتناظرة، والتي يكون فيها دور الطرف الأضعف قادراً على التكيف والتأقلم مع طبيعة الحرب. وأوضح الأخرس لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال بلا شك متفوق في هذا النوع من الحروب على الصعيد العسكري والصعيد الاستخباري نظراً لطبيعة تحالفاته الإقليمية والدولية التي توفر له إمداداً مستمراً بالسلاح وشرعية لإدامة الحرب على قطاع غزة.

محمد الأخرس: المقاومة تجنّبت الاشتباك المباشر مع العدو، وهذا الأمر مكّنها من القدرة على المواجهة

ولفت إلى أن المقاومة منذ بداية الحرب تجنّبت الاشتباك المباشر مع أرتال العدو، وهذا الأمر جنّب المقاومة الخسائر وأن تكون لديها خسائر كبيرة على المستوى البشري، وكذلك وفّر لها الاقتصاد في استعمال أسلحة التي هي بطبيعة الحال مقارنة بالعدو الإسرائيلي تكون شحيحة. وأضاف أن هذا التكتيك مكّن المقاومة من القدرة على المواجهة وعدم قدرة الاحتلال على تحقيق أهدافه السياسية المعلنة من هذه الحرب، وهذا الأمر بات معلوماً لجميع الأطراف بما في ذلك الداخل الإسرائيلي بأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والجيش لم يتمكن من حسم المعركة عسكرياً في قطاع غزة. وبحسب الكاتب في الشأن السياسي، فإنه لم يتم إنضاج أو خلق بيئة سياسية يمكن من خلالها إيجاد بديل سياسي عن حركة حماس أو فرض حالة من السيطرة المطلقة للاحتلال على قطاع غزة بالذات فيما يخص اليوم التالي للحرب.

المساهمون