استمع إلى الملخص
- بدأ مسيرته كنقابي، شغل مناصب قيادية منها نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي ووزير السياحة. ترشح للرئاسة في 2019 وحل ثانياً، وأصبح داعماً قوياً للرئيس تبون.
- يركز على دعم الدولة والمؤسسات والجيش، ويسعى لحل الأزمات بالتعاون مع الحكومة. قاد حزبه لتحقيق نتائج مقبولة في الانتخابات، ويعزز علاقاته مع القوى السياسية العربية والأفريقية.
أكثر من المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية، يريد رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة ألا يغيب لحظة عن المشهد السياسي في الجزائر، إذ يفضل الرجل في خضم الانتخابات الرئاسية والتركيز الإعلامي عليها، أن ينتقل من جدل إلى جدل، ومن تصريح مثير إلى تصريح أكثر إثارة للجدل، على الرغم من انتقادات حادة توجه له بسبب ذلك.
إلى وقت قريب، كان بن قرينة، الإسلامي المنشق عن الحركة الأم للإخوان في الجزائر (حركة مجتمع السلم)، يعرّف نفسه على صفحته على الإنترنت بأنه "سياسي ومفكر استراتيجي جزائري"، رغم أنه لم يصدر خلال مساره السياسي كتاباً في هذا الشأن، لكنه فرض نفسه في المشهد السياسي الجزائري، عبر استراتيجية إثارة الجدل، واستقطاب الأضواء بشكل مستمر، في حين أنه لا يبدو في كثير من الأحيان آبهاً بردود الفعل التي تعقب كل تصريح، على غرار دعوته قبل أشهر الجزائريين إلى أن يكونوا "خبارجية (مخبرين) لدى مصالح الأمن لحماية الأمن في البلاد".
وقبل أن ينقضي الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية، كان عبد القادر بن قرينة، الداعم الأول للمرشح الرئيس عبد المجيد تبون، قد أطلق ثلاث تصريحات متتالية، خلّف كل منها جدلاً امتد من وسائل التواصل الاجتماعي، إلى نقاشات في فضاءات الحملة الانتخابية، إلى دوائر السلطة التي ترصد النقاشات القائمة. أول تصريح كان قوله إن "الانتخابات محسومة، والمرشحان المنافسان لتبون، يتنافسان على الرتبة الثانية". هكذا تصريح وصفه المرشح الرئاسي عبد العالي حساني بأنه "خطاب كراهية، وتشجيع على العزوف"، كما استنكرته قيادات جبهة القوى الاشتراكية التي تشارك بمرشحها الرئاسي يوسف أوشيش، ذلك أن نشطاء معارضين يتمركزون في الخارج، أعادوا تصدير تصريحه على أنه إقرار بأن الانتخابات مجرد عملية إجرائية، وأن أي صوت بلا معنى.
ثم لم يكد الجدل يهدأ، حتى عاود بن قرينة الثلاثاء الماضي إطلاق تصريح أكثر إثارة، عندما قال خلال تجمع انتخابي، إن "الشيتة (التملق) ومن يمارس الشيتة، فهي شعبة من شعب الإيمان، لأنه باب من أبواب إماطة الأذى عن الطريق"، ما عرّضه لانتقادات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي. ونشر ناشطون ومعلقون تعليقات تصف بن قرينة بالمزايدة السياسية والتملق لصالح الرئيس، والخلط بين المعنى السياسي والمعنى الديني. واضطرته هذه الانتقادات إلى نشر توضيح لمقصده الحقيقي من التصريح، واتهام أطراف بممارسة التضليل، واجتزاء الكلام، وتحريف تصريحه بشكل فاضح لغايات الإساءة اليه.
وفي اليوم التالي، وضع بن قرينة نفسه مجدداً تحت دائرة الضوء في تصريح ثالث، قال فيه إنّ "الرئيس تبون خط أحمر، ومن يتعرض لتبون فقد مسّ من عرضي وأمي وابني وزوجتي"، وهو تصريح لم يمر دون تعليقات حادة، دفعت نشطاء ومعلقين إلى المطالبة بإعادة النظر في الخطاب السياسي، والتحذير من أن إعادة إنتاج نفس خطاب أحزاب الموالاة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قبل الحراك الشعبي عام 2019، قد يحبط الناخبين، ويؤدي إلى نتائج عكسية متعلقة بالتصويت.
ويفرض ذلك رصد تطور المسار السياسي لبن قرينة لفهم السياق الذي يجعل منه ظاهرة سياسية لافتة، على غرار ظواهر مماثلة بنفس الاتجاه، كانت شهدتها الساحة السياسية في الجزائر، كالأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، والرئيس السابق لتجمع أمل الجزائر عمار غول، (كلاهما في السجن في قضايا فساد).
قدم عبد القادر بن قرينة بداية من الحقل النقابي، حيث كان نقابياً في الاتحاد العام للعمال الجزائريين، لكنه تخلى سريعاً عن لباس البروليتاريا، ففي وقت مبكر، وفي عقده الثالث، دفع به في زعيم حزب إخوان الجزائر، حركة مجتمع السلم، الراحل الشيخ محفوظ نحناح، عضواً ونائباً لرئيس المجلس الوطني الانتقالي الذي عُيّن باعتباره برلمانا مؤقتا عام 1994، حتى إجراء الانتخابات التشريعية عام 1997، ثم إلى الحكومة ليُعيّن وزيراً للسياحة لفترة امتدت بين عامي 1997 ونهاية عام 1999، وهي الفترة التي برز فيها بن قرينة على صعيد الحزب السياسي ضمن صفه الأول، وساعدت مرحلة تحالف حركة مجتمع السلم مع الرئيس بوتفليقة على تعزيز قناعات بن قرينة باتجاه خط المشاركة مع السلطة.
في عام 2008، وفي أعقاب رحيل الزعيم التاريخي للحركة، شارك عبد القادر بن قرينة برفقة عدد من قيادات الصف الأول فيها، في انشقاق عن الحركة، بعد خلافات حادة مع قيادتها برئاسة أبو جرة سلطاني، حيث أسسوا حزب جبهة التغيير، لكن وفي عام 2012، عاود بن قرينة قيادة انشقاق ثانٍ على جبهة التغيير، على رأس كتلة من الكوادر والقيادات لتأسيس حزب آخر، حركة البناء الوطني، والتي حصلت على اعتمادها الرسمي في أغسطس/ آب 2014. وفي عام 2018، اعتلى بن قرينة رئاسة الحركة بعد انسحاب مصطفى بلمهدي، وفي العام نفسه، وقبل صيف عام 2018، وقبل أشهر من الحراك الشعبي، عرض بن قرينة مبادرة سياسية أطلقها حزبه لدعم الاستقرار تحت عنوان "الجزائر للجميع".
ترشح عبد القادر بن قرينة للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في إبريل/ نيسان 2019، لمنافسة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن يتم إلغاؤها تحت ضغط الشارع، لكنه عاود الترشح في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2019، بهدف دعم المسار الانتخابي والدستوري، وحل ثانياً، حيث حصل على نسبة تصويت محترمة بأكثر من 17%. نافس بن قرينة يومها عبد المجيد تبون، قبل أن يغيّر موقعه سريعاً إلى داعم سياسي للرئيس تبون. حصل حزبه على مقاعد في الحكومة، وشكل خلال تلك الفترة أكثر من تحالف سياسي مع مجموعة أحزاب وتنظيمات تحت عناوين مختلفة، لدعم سياسات الرئيس تبون. ويكرر بن قرينة أن هذا الدعم ليس وراءه أي مطمع سياسي أو مناصب ومكاسب، وأنه خالص لوجه الله والبلد.
يتبنى بن قرينة خطاباً سياسياً يركز بالأساس على مسألة الدولة والحفاظ على المؤسسات ودعم الجيش، وتعزيز التقاطعات مع المؤسسات الحكومية لحل المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وقاد حركة البناء الوطني إلى الانفتاح على فئات غير منتظمة استقطبتها الحركة في صفها، سمح لها بالحصول على حصة مقاعد مقبولة في الانتخابات النيابية في رتبة سادسة بـ39 مقعداً (من أصل 407)، ثم رتبة خامسة في الانتخابات المحلية في نفس العام. وينشط بن قرينة بشكل لافت على صعيد المؤتمر القومي العربي، وفي علاقة بالقوى السياسية في عدد من الدول العربية والأفريقية، وساعده موقعه السياسي على تعزيز هذه العلاقات.