تؤكد جريمة نابلس الأخيرة التي اغتال فيها الاحتلال الشابين خيري شاهين وحمزة مقبول شمولية العدوان المتواصل للعام الثاني في الضفة الغربية، وتدحض ادعاءات الاحتلال أن جرائمه واقتحاماته المتكررة تقف عند جنين ومحيطها، بل هو عدوان متواصل لا يميز أصلاً بين مناطق الجغرافيا الفلسطينية في الأرض المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، يتم تنفيذ فصوله، بشكل تدريجي تبعاً لأولويات عملياتية.
ويحرص الاحتلال بشكل واضح على تنفيذ عدوانه مع ضمان غطاء أميركي ومهادنة دولية تحت ذريعة الاعتراف بحق دولة الاحتلال بحفظ أمنها، حتى في الوقت الذي ترتكب فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كالتي عبرت عنها عملية طرد وترحيل آلاف من سكان مخيم جنين.
ويبدو أن الاحتلال ماضٍ في تنفيذ مخطط واضح، وضعت خطوطه العريضة منذ العام الماضي، وأقر به عدد من القادة العسكريين في جيش الاحتلال، هدفه الرئيسي تفتيت كل مظاهر المقاومة الشعبية والمسلحة العابرة للتنظيمات والفصائل، لضمان استمرار حالة الانقسام ليس فقط بين قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلتين، وإنما داخل الضفة نفسها؛ ليبقى قادراً على تركيز حربه المفتوحة، في كل مرة في منطقة جغرافية معينة، بموازاة استمرار عمليات نهب الأراضي في غور الأردن وجنوبي الخليل، مع إطلاق العنان لزرع البؤر الاستيطانية.
وبالرغم من هذا العدوان الشامل، وإدراك الأطراف الفلسطينية والعربية لأهدافه الواضحة، إلا أن التعامل معه لا يزال يجري وكأنه ناجم فقط عن طبيعة الائتلاف الحكومي الذي يرأسه نتنياهو، وكجزء من محاولاته لإدارة "أزمته الداخلية"، مع مبالغة عربية وفلسطينية واضحة في رد العدوان ونسبه لتركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية وسياساتها الداخلية بشأن التغييرات في النظام القضائي والقانوني لدولة الاحتلال.
والمفارقة أن نتائج خمس انتخابات إسرائيلية، منذ إبريل/ نيسان 2019، أظهرت عمق تراجع معسكر اليسار، مقابل تمدد معسكر اليمين والوسط الرافض لحل الدولتين، إلا أن ذلك لم يقنع الدول العربية ولا القيادة الفلسطينية، بعدم جدوى انتظار التغيير من داخل إسرائيل.
لا يمكن إرغام دولة الاحتلال على تغيير سياساتها أو وقف جرائمها ما دام الانقسام الفلسطيني سيد الموقف و"القرار" الفلسطيني أسير المحاور العربية.