أفاد ثلاثة مسؤولين عراقيين في العاصمة بغداد، تحدثوا مع "العربي الجديد"، بأن الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني أبلغت مسؤولين أتراكا بأنها "متفهمة" للمطالب التركية بشأن مسلحي حزب العمال الكردستاني، وضرورة وقف أنشطته العسكرية ضد تركيا انطلاقاً من الأراضي العراقية، ومنع توسعه جغرافيا في المناطق الحدودية مع تركيا التي تمتد إلى أكثر من 350 كيلومتراً تقع أغلبها ضمن إقليم كردستان.
حوار تركي عراقي بشأن الكردستاني
وبدأت تركيا، خلال الأيام الماضية، الحوار مع مسؤولين عراقيين بشأن تحييد مسلحي العمال الكردستاني، وتفكيك معسكراته داخل الأراضي العراقية، باعتباره "تنظيما إرهابيا" و"ضارا" للطرفين.
وعلى الرغم من عدم الإعلان الرسمي عن أية اتفاقية أو تفاهم جاد بشأن ذلك، إلا أن المصادر العراقية بيَّنت لـ"العربي الجديد"، أن المسؤولين الأتراك أكدوا على أهمية التخلص من "العمال الكردستاني"، فيما قدموا خلال الأيام الماضية، مقترحات وعروضا بشأن ذلك من بينها منح مساعدات عسكرية لتمكين القوات العراقية من فرض سيطرتها على أراضيها، ومساعدة بغداد في أي جانب أمني أو استخباري وعسكري لتحقيق هذا الهدف، وقد تفهّم المسؤولون العراقيون هذا الملف.
الحوار التركي العراقي يشمل تحييد مسلحي العمال الكردستاني وتفكيك معسكراته داخل الأراضي العراقية
والتقى رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، السبت الماضي، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أنقرة، من أجل "تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين"، وفق بيان صدر عن مكتب الحلبوسي.
وقبل ذلك بيوم واحد، زار رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض أنقرة، والتقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بحسب بيان للخارجية التركية التي ذكرت في بيان لاحق، أن فيدان التقى كذلك رئيس تحالف السيادة العراقي خميس الخنجر.
وجاءت هذه الزيارات بعد يومين من زيارة وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي إلى أنقرة، على رأس وفد عسكري، عقد خلالها سلسلة من الاجتماعات مع المسؤولين الأتراك، وصدر عن الجانبين بيان مشترك أكدا فيه "أهمية مواصلة التعاون بالخطوات المُشتركة التي يمكن اتخاذها، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب وأمن الحدود".
وقال أحد المسؤولين العراقيين الذين تحدثت معهم "العربي الجديد"، وهو مستشار في مكتب رئيس الحكومة، إن "العراق يحتاج إلى تقوية العلاقات مع تركيا، لا سيما مع تفاقم أزمة المياه، بالتالي فهو بحاجة إلى تفاهم مع تركيا بشأن ورقة العمال الكردستاني لتحقيق مكاسب لصالحه في المياه تحديداً".
لكنه لفت إلى أن "أن أطرافاً حليفة لإيران داخل بغداد، تمارس ضغوط لعرقلة أي تفاهم حالي، تحت ذرائع مختلفة من بينها سحب تركيا قواتها من العراق قبل أي اتفاق، وأخرى تتحدث بأن حكومة إقليم كردستان العراق والحزب الحاكم بقيادة مسعود البارزاني سيكونان أبرز المستفيدين".
ولفت إلى أن واشنطن غير متشجعة لأي اتفاق بين بغداد وأنقرة بسبب علاقتها مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، لذا الموضوع أخذ جانباً إقليمياً ودولياً أبعد من أن يكون ملف أزمة بين بلدين، على حد وصفه.
مخاطر إهمال طلبات أنقرة بشأن حزب العمال الكردستاني
من جهته، اعتبر مسؤول آخر في مستشارية الأمن القومي العراقي بأنّ "إهمال بغداد لطلبات أنقرة بشأن إنهاء نفوذ العمال الكردستاني في سنجار غرب نينوى، قد يهدد العلاقة بين البلدين في نهاية المطاف".
وأشار إلى أن "استقبال رئيس هيئة الحشد الشعبي في تركيا كان هدفه إيصال الرسائل إلى الفصائل المسلحة في هيئة الحشد المتعاونة مع العمال الكردستاني، وتقديم إغراءات لها بالوقت ذاته.
ما يعني أن هناك نية تركية واضحة لاستنساخ الاتفاق الأمني مع إيران، بعد أن أبعدت السلطات العراقية المعارضة الكردية الإيرانية من مناطق الحدود مع إيران إلى مجمعات سكنية ومساحات آمنة".
وتوجد في إقليم كردستان العراق وعلى محوري الحدود الدولية مع إيران وتركيا عدة جماعات كردية إيرانية وتركية معارضة تتركز خصوصاً شمال أربيل وشرق السليمانية، وتتبنى بالمجمل العمل المسلح.
وينتشر "العمال الكردستاني" في مناطق متفرقة من إقليم كردستان العراق إلى جانب مناطق غرب نينوى، أبرزها سوران وسيدكان وقنديل وزاخو والزاب والعمادية وحفتانين، وكاني ماسي، إلى جانب مخمور وسنجار.
ويحظى مسلحو "العمال" بعلاقة مباشرة مع مليشيات عراقية مسلحة حليفة لإيران، أبرزها "كتائب حزب الله" العراقية، و"عصائب أهل الحق". كما نجح الحزب في تجنيد المئات من المسلحين المحليين من الأكراد الأيزيديين في سنجار وضواحيها، وشكّل ذراعاً محلية له تعرف باسم "وحدات حماية سنجار".
وأطلقت أنقرة رسمياً في منتصف عام 2021 عمليات عسكرية برية وجوية تستهدف مقار وعناصر "العمال" في الشمال العراقي، وتحديداً مناطق ضمن إقليم كردستان العراق، وتقع أغلبها بمحاذاة الحدود مع تركيا.
ووفقاً لبيانات وزارة الدفاع التركية، أدت تلك العمليات خلال الفترة الماضية إلى مقتل المئات من مسلحي "العمال الكردستاني"، وتدمير مقار ومخازن سلاح ضخمة تابعة له. كما أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس الجمعة، مقتل جندي في منطقة عملية "المخلب-القفل"، شمالي العراق، متأثراً بجراح أصيب بها بنيران "العمال الكردستاني".
نايف الشمري: هناك إرادات داخلية وخارجية تحاول التأثير في ملف مسلحي "العمال الكردستاني"
في السياق، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي نايف الشمري، إن "العراق يسعى إلى تقوية علاقاته مع دول الجوار، بما في ذلك تركيا، التي تهددها جماعات مسلحة تضرّ بالعلاقات ما بين بغداد وأنقرة، لذلك فإن الحكومة الحالية متفهمة للوضع، لكن هناك إرادات داخلية وخارجية تحاول التأثير في ملف مسلحي العمال الكردستاني، غير أن القناعة موجودة بشأن منع أي طرف مسلح بتهديد دول الجوار".
وأضاف الشمري في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "التوصل إلى اتفاق أمني مع أنقرة، مهم جداً بالنسبة لبغداد، لأن فيه منافع ومكاسب كبيرة بالنسبة للعراق، لا سيما وأنه سيقلل الضربات التركية داخل العمق العراقي، خصوصاً وأن بعضها استهدف خلال الفترة الماضية مساحات مدنية وسكنية"، موضحاً أن "بغداد ما تزال تسعى إلى تطبيق الاتفاقية الخاصة بمدينة سنجار، لكن وجود الجماعات المسلحة يحول دون ذلك".
من جانبه، اعتبر عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، أن "تركيا فاتحت المسؤولين العراقيين بشأن اتفاقية جديدة تهدف لإنهاء خطر العمال الكردستاني، وقد فاتحت حكومة إقليم كردستان بهذا الأمر في وقتٍ سابق، وهي خطوة إيجابية".
وقال لـ"العربي الجديد"، إن "مصالح كثيرة ستتحقق إذا سارت الأمور على ما يرام وجرى الاتفاق، لا سيما أن أربيل تحتاج إلى تمكين الاتفاقات الخاصة بالملفات النفطية، في حين أن بغداد تحتاج إلى المياه وزيادة التعامل التجاري مع أنقرة".
أما الخبير العراقي ماهر جودة فقد لفت إلى أن "العراق لا يملك أي خيار غير الاتفاق مع تركيا، والعمل على تجفيف منابع تمويل العمال الكردستاني، وإبعاده عبر الحوار عن مهاجمة الأراضي التركية، لأن العراق لا يستطيع مواجهة هذه الجماعات خصوصاً وأنها منتشرة في مناطق كثيرة ومتوغلة في أعماق المدن الكردية، سواء التابعة لإقليم كردستان أو للحكومة الاتحادية".
ورأى في حديث لـ"العربي الجديد" أن "العمال الكردستاني لا يمثل تهديداً لتركيا فقط، بل إنه متورط في مشاكل عراقية بحتة، مثل تعطيل اتفاقية سنجار، إضافة إلى إثارة النعرات الطائفية والقومية والمشاكل الأمنية في كركوك".