قال مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المفكر العربي عزمي بشارة، إنّ صعود اليمين الإسرائيلي في الانتخابات التي جرت مطلع الشهر الجاري ناجم عن تحولات داخل القوى المتطرفة، وصعود حزب "الصهيونية الدينية" بوصفه الظاهرة الأبرز والأخطر في الانتخابات، وعلى نحو خاص نيله 14 مقعداً (من أصل 120) و20% من أصوات الجنود في معسكراتهم.
جاء ذلك في محاضرته، مساء أمس الثلاثاء، والتي أقامتها وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي بعنوان "الانتخابات الإسرائيلية 2022: استمرار الانزياح نحو اليمين وصعود الصهيونية الدينية".
ديني- صهيوني
وأضاف أنه "منذ تأسيس الحركة الدينية كان هناك دائماً تيار ديني وصهيوني، لكنه لم يكن دينياً-صهيونياً، بمعنى أنه لم يطابق بينهما كما يفعل هذا الحزب، لكنْ هناك سياسيون يمثلهم أساساً الحزب الديني القومي (المفدال) هم متدينون بشكل شخصي وصهيونيون، أما الذي ميّز التيار الديني – الصهيوني، وقد خرج من رحم حركة الاستيطان في المناطق المحتلة عام 1967، فهو المطابقة بين الدين والصهيونية ودولة إسرائيل، وأرض إسرائيل وبين الخلاص الدنيوي والخلاص الديني".
بعد 67
ويعيدنا بشارة إلى لحظة الانتصار الصهيوني في حرب 67، موضحاً كيف نشأ نوع من "الشعور العجائبي، أو الإعجازي لدى كثير من هؤلاء المتدينين حين احتُلت مناطق جديدة، تطابقت عندهم مع أرض إسرائيل التوراتية، وعليه رأوا أنّ في الصهيونية شيئاً من خلق سماوي، فهذه جغرافيا جديدة أسموها يهودا والسامرة، والتي هي شمال وجنوب الضفة الغربية، وقبل كل هذا القدس، وهنا أصبحت الشحنة الدينية القومية عالية نشأت منها الحركات الدينية الصهيونية".
كما لفت إلى أنّ اليسار الصهيوني، وهو المؤسس لدولة إسرائيل "كان ذا سياسات يمينية، حين استخدم الخطاب الديني لتبرير الضم، ومن ذلك تعابير توراتية لعدم التنازل عن القدس والضفة الغربية بوصفها يهودا والسامرة، علماً بأنّ هذا اليسار الصهيوني المسكون بهاجس الأمننة استخدم بعد 67 مصطلح 'المناطق المدارة' بيد أنه مع الزمن تسربت المصطلحات الدينية إلى خطابه السياسي".
صعود التدين الصهيوني
وقبل أن يبرز هذا الواقع، كان بشارة قد كتب بشأن صعود التدين الصهيوني ليصبح قوة كاسحة، خصوصاً في كتابه "من يهودية الدولة حتى شارون.. دراسة في تناقض الديمقراطية الإسرائيلية" عام 2005 والعديد من المقالات.
السؤال معكوساً
غير أن المحاضرة التي جالت وفكّكت بنية الدولة الاستيطانية الأخيرة في العالم، يمكن، كما يقول بشارة "أن تكون معكوسة للسؤال عن حال العرب سواء ممن يطلق عليهم اسم عرب الداخل ويشكلون 19%، ومن الكتلة العربية الكبرى من المحيط إلى الخليج".
ويرى بشارة أن الدولة التي تبدو متفوقة اقتصادياً وعسكرياً "ليست بحاجة الآن لأن توضع موضع الاختبار في صراع يجبرها على تقديم أي تنازلات، أو ألا تزداد تطرفاً، أمام معجبين بتفوقها يتهافتون على إبداء الندم، لأنهم تأخروا في اكتشاف ضرورة قبول إسرائيل دون أي وجود للقضية الفلسطينية، حتى أن وصف التطبيع ليس في مكانه، أمام ما يظهر من تحالف سياسي وأمني واقتصادي".
تحت الضغط
وأضاف: "تضطر إسرائيل بيمينها ويسارها الصهيونيين إلى البحث عن حلول حين تتعرض للضغط، كما حدث في تجارب قريبة وبعيدة في الجزائر وفيتنام، إذ اضطر الطرف المتفوق إلى التنازل"، لافتاً أيضاً إلى جملة من النماذج قريبة العهد، منها تراجع الاستثمارات في إسرائيل بشكل كبير تحت وقع الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" عام 1987، واضطرارها لدخول المفاوضات، ثم انسحابها من جنوب لبنان في عام 2000 دون حتى توقيع اتفاق.
منعطف عرب الداخل
ويضيف بشارة: "المنعطف الآخر في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة كان تمثيل عرب الداخل، وقد صوتوا ضمن ثلاث قوائم بما بين 53 و54%، بينما بلغت النسبة بين اليهود 70.5%".
وربطاً بموجة التطبيع الرسمي العربي، يرى بشارة أن الشعوب "محصنة في غالبيتها الساحقة"، وأن ما قرأه في تحولات بعض المكونات السياسية العربية في الداخل كان في جانب منه صدى للتطبيع الرسمي.
ولاحظ أن "قوى سياسية وجدت مصلحتَها عبر الدخول في ائتلاف يرجّح هذا الحزب الصهيوني أو ذاك، مستندة إلى خطاب مفاده أن العرب يطبّعون وهم ليسوا مواطنين، والأحرى أن نفعل نحن ذلك، نحن المواطنين، بغية تحقيق مكاسب مطلبية لا تتأتى إلا بالانخراط في ائتلاف".
وأضاف: "هذا غير مسبوق، إذ كانت الأحزاب العربية في تاريخها تمتنع عن التصويت، وتواصل انتزاع حقوقها بكل أساليب النضال دون أن تفقد هُويتها الوطنية".
ليست كماليات
وتابع: "كما أنه خطأ شديد حتى في الحسابات البراغماتية ناهيك عنه أخلاقياً. الأخلاق ليست كماليات، بل أمر وجودي يتعلق بهويتك الفلسطينية، حين تتحالف مع استعمار استيطاني ينهب أرضك". وأكّد أن دولة إسرائيل لن تسمح إطلاقاً بأي شيء يمس يهوديتها.
وقدّم نوعين من المواطَنة وردا في القانون التأسيسي لدولة إسرائيل؛ "الأول مواطَنة جوهرية تفيد بأن كل يهودي، بما هو يهودي، يحق له أن يكون مواطناً في اللحظة التي تطأ فيها قدماه دولة إسرائيل، بينما هناك مواطَنة عرضية يُقصد بها الناس وقد وجدوا عرضاً هنا، وهم الفلسطينيون الذين بقوا فمُنحوا مواطنةً بعد عملية اقتلاع وطرد أشقائهم ليصبحوا لاجئين".
التاريخ هنا يسجل، كما في المحاضرة يستذكره بشارة ويقارن، حين استُخدم خمسة نواب عرب للتصويت على مستوطنة كانت ستحدد مصير اتفاقيات أوسلو قبل عام 1996، ولم تتغير طبيعة الدولة وفاز بنيامين نتنياهو الليكودي في الانتخابات الموالية.
يستحق الانقسام
وتحدث، في هذا السياق، عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي خاض الانتخابات وحده، خلال شهر، بعد أن تنكّرت فئات عربية للتوقيع على اتفاق يلزم بعدم ترشيح أحد لأي من المعسكرات من الصهيونية، الأمر الذي التزم به التجمع، "وعلى هذا انقسموا وهذا يستحق الانقسام".
ومن هذه القوى، كما فصّلها، جزء مستعد للدخول في أي ائتلاف (القائمة العربية الإسلامية الموحدة) وجزء مستعد للدخول فقط في ائتلاف علماني ليبرالي (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وحلفاؤها).
وعليه، قال بشارة إنّ "نقض الاتفاق والعمل الانتخابي خلال فترة وجيزة يعد إنجازاً هائلاً للتجمع، مشيراً إلى أنّ ناخبيه بحوالي 140 ألفاً، كانوا من الفئات الشبابية والمتعاطفين ممن يقاطعون الانتخابات، بما يجعل كل ذلك مجالاً يصلح لبناء الحركة الوطنية مستقبلاً".
وختم بالقول: "حصلنا على حقوقنا بالنضال ومن هامش دولة مؤسسات فيها قوانين وحقوق للفرد على هامش الديمقراطية اليهودية التي لم تصنع من أجل الفلسطيني، لكنه استفاد منها دون أن يتنازل ويدخل ائتلافاً يهوّد الأقصى".