عسكرة مضيق تايوان: رسائل ردع متبادلة بين بكين وواشنطن

02 نوفمبر 2024
مناورات للجيش التايواني في نيو تايبيه، 22 يوليو 2024 (دانيال سينغ/فرانس برس)
+ الخط -

شهد مضيق تايوان خلال الأيام الماضية أنشطة عسكرية مكثفة تخللتها مناورات وتدريبات ومرور سفن وقطع حربية من عدة دول، الأمر الذي أثار مخاوف من عسكرة المنطقة المضطربة أصلاً ومن تداعيات ذلك على مستقبل الجزيرة التي يسعى قادتها إلى الانفصال عن البر الرئيسي الصيني، فيما تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها. وكان آخر هذه الأنشطة مرور سفينة فرنسية عبر المضيق الثلاثاء الماضي، إذ أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية في حينه أن السفينة كانت في طريقها إلى المياه اليابانية بعد توقف في الفيليبين من أجل بدء العمل في مهمة للأمم المتحدة. بينما قالت وزارة الدفاع التايوانية إنها راقبت مرور السفينة من جنوب المضيق إلى شماله، وأكدت أن الوضع كان طبيعياً.

المرور عبر مضيق تايوان ترويج للانفصال

من جهتها، قالت وسائل إعلام صينية، أمس الأول الخميس، إن احتفاء السلطات التايوانية بمرور السفن الغربية عبر المضيق لن يضفي الشرعية على التوجه الانفصالي، وذلك بعد أن روجت سلطات الجزيرة، الأربعاء الماضي، لعبور السفينة الفرنسية، والتي ربطت الحدث بأنشطة مماثلة نفذتها دول غربية أخرى في المنطقة للترويج لما وصفته بالدعم الدولي وحماية المصلحة المشتركة للديمقراطية الإقليمية والسلام. وقالت صحيفة غلوبال تايمز الصينية الحكومية إن بعض الدول الغربية لا يمكنها تمثيل المجتمع الدولي، وإن محاولات السلطات التايوانية لاستخدام الوجود العسكري الغربي في المنطقة لإضفاء الشرعية على مخطط الانفصال محكوم عليها بالفشل. وأضافت الصحيفة أن عبور عدد قليل من السفن الحربية عبر المضيق لن يؤدي إلى تقويض تصميم الشعب الصيني على تحقيق "إعادة التوحيد الوطني"، بل سيدفع سلطات البر الرئيسي إلى تعزيز الاستعدادات العسكرية لمواجهة "التدخل العسكري من القوات الأجنبية في قضية تايوان". ولفتت إلى أنه كلما زاد "الدعم والتشجيع القادم من الولايات المتحدة لانفصال تايوان"، زاد الخطر الذي ستثيره سلطات تايبيه في المنطقة، وأنه كلما عززت واشنطن هذه الخطوات، كلما اقتربت بكين من تحقق "إعادة التوحيد الوطني".

وكانت الصين قد أجرت، الأسبوع الماضي، تدريبات بالذخيرة الحية في مضيق تايوان، وذلك بعد يومين فقط من إبحار سفن حربية أميركية وكندية عبر الممر المائي في المنطقة، يوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في خطوة وصفها الأسطول السابع للبحرية الأميركية بأنها مرور روتيني عبر المياه حيث تنطبق حرية الملاحة والتحليق في أعالي البحار. في حين اعتبرتها بكين أنها خطوة ترسل إشارة خاطئة إلى الانفصاليين في الجزيرة، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تحشد دولاً مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا لإجراء عمليات عبور في مضيق تايوان وتضخيم مثل هذه الأحداث في محاولة لإظهار أن "ما يسمى باستراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ" قد اكتسبت دعم العديد من البلدان.

وانغ جو: مرور سفن غربية عبر المضيق هو استجابة لمطلب أميركي

تدويل القضية

في تعليقه على كثافة الأنشطة العسكرية في مضيق تايوان، قال أستاذ الدراسات السياسية في جامعة صن يات سن، وانغ جو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مرور سفن غربية عبر المضيق سواء من كندا أو فرنسا أو ألمانيا أو أستراليا، هو استجابة لمطلب أميركي من أجل تدويل قضية تايوان تحت ذرائع وحجج واهية مثل ضمان حرية الملاحة، وصيانة الأمن والسلام في المنطقة". في حين اعتبر أن مثل هذه التحركات "تزعزع الاستقرار وتهدف في المقام الأول إلى محاصرة الصين وتضخيم خلافاتها ونزاعاتها مع جيرانها بما يخدم استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ". وأضاف أن "زيادة الأنشطة العسكرية الغربية في المضيق ستدفع بكين بطبيعة الحال إلى رفع حالة التأهب، وبالتالي سنكون أمام منطقة متأهبة عسكرياً قابلة للاشتعال في أي لحظة".

خون وانغ: بكين تبالغ في ردة فعلها على تحركات يفترض أن تكون روتينية

من جهته، قال الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في تايبيه، خون وانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "بكين تبالغ في ردة فعلها على تحركات يفترض أن تكون روتينية، لأنها تعبر في مناطق مصنفة على أنها تتبع المياه الدولية وتخضع لحرية الملاحة ومرور السفن". وأوضح أن "الجيش الصيني دأب خلال السنوات الأخيرة على إطلاق مناورات عسكرية مكثفة في المنطقة، خصوصاً تلك التي أجراها قبل عامين والتي اعتبرت الأكبر في تاريخ مناورات الصين في مضيق تايوان". إلى جانب ذلك، وفق خون وانغ، عادة "ما تجتاز الطائرات الحربية الصينية خط الوسط الذي يفصل مضيق تايوان إلى شطرين بين الجزيرة والبر الرئيسي، والبالغ عرضه 180 كيلومتراً، وخلال العام الحالي سجلت اختراقات قياسية". وبالتالي رأى أنه "لا ينبغي للصين أن تعرب عن مخاوفها من العسكرة في حين أنها تمارس ذلك علناً، وتلوح باستخدام القوة العسكرية لإخضاع الجزيرة أمام الملأ".

ولطالما حذّرت الصين من التدخل الأميركي في جزيرة تايوان التي لا تعترف معظم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، بها دولةً مستقلة. ومع ذلك، عارضت واشنطن سابقاً أي تغيير أحادي الجانب في الوضع الراهن وأبدت التزامها بالدفاع عن الجزيرة، إذ تعتبر الولايات المتحدة المورد الرئيسي للأسلحة لتايوان. وكان الجيش الصيني قد أطلق في أغسطس/ آب 2022 مناورة كبيرة غير مسبوقة بالذخيرة الحية في محيط الجزيرة بعدما زارت رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك نانسي بيلوسي، تايبيه. وبعد ذلك، أُجري تدريب مماثل في إبريل/ نيسان 2023 عندما التقت رئيسة تايوان آنذاك تساي إنغ وين مع رئيس مجلس النواب الأميركي آنذاك كيفن مكارثي أثناء توقفها في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، كثفت بكين الضغط العسكري على الجزيرة مع تدهور العلاقات عبر المضيق في عهد الرئيسة السابقة تساي إنغ وين.

المساهمون